«بزنس المزارات داخل الكنائس والأديرة» حملة أطلقها أقباط السويد لمناهضة تحويل رفات ضحايا الحوادث الإرهابية إلى مزارات لجمع تبرعات الأقباط داخل مصر وخارجها.
ما أطلق الحملة كانت مشادات حول دفن رفات جثامين حافلة الأنبا صموئيل داخل الدير، الذي كان مقصدا للزيارة أو نقلهم إلى مزارات ملحقة بكنائس القرى التابعين لها، ليحسم الأمر من خلال حساب قرب المسافة بين الدير ومكان وقوع الحادث والقرى القادمين منها.
الفائز في المشادات كان دير الأنبا صموئيل الواقع بمركز سمالوط والذي حظى بتبريك الزائرين وأيضا تبرعاتهم.
وعلى ذكر الرفات نجا، جثامين 20 قبطيا الذين ذبحوا على أيدي جماعة "داعش" الإرهابية في ليبيا، بعدما أصدر الرئيس السيسي قررا ببناء كنيسة في قرية العور تحمل اسم «شهداء الوطن والإيمان»، التي تتكون من طابقين، الثاني جهز كمزارا سياحيا يحمل رفاتهم، والطابق الأول مكان لإقامة الصلاة.
من ناحيته يقول مايكل عزيز البشموري، المتحدث باسم الهيئة القبطية السويدية، والمسؤول عن الحملة، «لقد تحولت المزارات الدينية داخل الكنائس والأديرة القبطية مِن مكان روحي يدعو للشفاعة والقداسة لدى بسطاء المؤمنين وذلك للتبرك بأجساد القديسين المعترف بهم رسمياً داخل الكنيسة القبطية، إلى مكان جذب سياحي يجلب آلاف الزائرين سنوياً، يقدمون من خلاله النذور والتبرعات».
وأضاف البشموري أن الأمر برمته تحول إلى بزنس وسبوبة يُدر دخلاً بالملايين، وهو ما جعل الأديرة والكنائس القبطية تتسابق فيما بينها لبناء المزارات الدينية لرجال دين أقباط لم تعترف الكنيسة بشكل رسمي بقداستهم، لافتا إلى أن تلك الظاهرة بدأت تنتشر بعد نياحة القديس البابا كيرلس السادس، الذي أوصى بدفن جثمانه في دير مارمينا العامر بصحراء مريوط، موضحا أن المراقب الجيد لوضع «دير مارمينا» سيلاحظ الطفرة الكبيرة التي شهدها هذا الدير الحديث بعد إنشاء مزار البابا كيرلس بداخله، فقد تحوَل مزار البابا كيرلس داخل الدير إلى محج ديني كبير يأتي إليه ملايين الأقباط حول العالم ويقدمون فيه نذورهم وتبرعاتهم، فبات الدير أحد أغنى الأديرة في العالم المسيحي بفضل هذا المزار، بحسب قوله.
وأوضح المتحدث باسم الهيئة القبطية السويدية، أن الكنائس والأديرة الفقيرة تسارعت فيما بينها ببناء المزارات الخاصة أسوةً بدير مارمينا بصحراء مريوط، وذلك لجذب المؤمنين وتبرعاتهم، فقامت تلك الكنائس والأديرة بنبش قبور الموتى والشهداء في تصرف غير لائق بالتعاليم المسيحية.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، قام دير الأنبا أنطونيوس العامر بالبحر الأحمر في استخراج رفات الأب يسطس الانطوني من «الطافوس»، وهو مكان مخصص لدفن رهبان الدير، وتم بناء مزار مخصص له، وبعد نياحة الراهب فانوس الأنبا بولا الشهير بأبونا فانوس، كما قام دير الأنبا بولا بالبحر الأحمر ببناء مزار مخصص له مباشرةً ، وقام دير السريان العامر بوادي النطرون باستخراج رفات القمص فلتاؤس السرياني وبناء مزار مخصص له، أما دير الأنبا بيشوي بوادي النطرون فكان له نصيب الأسد فسارع الأنبا صرابامون أسقف الدير باقناع المتنيح البابا شنودة الثالث أثناء حياته بدفن قداسته بالدير حينما يتنيح، وتم إنشاء مبنى مخصص له وارفق فيه محتويات البابا شنودة بجوار المزار الذي يحوّي جثمانه.
واستطرد المتحدث أن المشهد العبثي لم يقتصر عند هذا الحد، فقد قامت بعض الكنائس والأشخاص بنبش القبور واستخراج جثامين بعض الكهنة التى تفسخت جثامينهم والتصوير معها، واستخرج البعض عظام الشهداء الذين لقوا حتفهم في الأعمال الإرهابية التي وقعت داخل الكنائس ونخص منهم بالذكر شهداء نجع حمادي، القديسين، البطرسية، فضلا عن بناء مزار مخصوص لشهداء طنطا، ومزار شهداء الأقباط بليبيا.
وأشار البشموري إلى أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية لديها اليوم أكثر من مائة وخمسون مزار قبطي داخل الكنائس القبطية، وهناك البعض أصبحوا يمتهنوا تجارة الأعضاء البشرية فيقومون بالنصب والاحتيال على الكنائس القبطية التى تسعى للاستحواذ على ذخائر بعض الشهداء والقديسين والاحتفاظ بها للتبرك في الأعياد والمناسبات، فيقوم البعض ببيع عظام الموتي من الأشخاص العاديين، لتلك الكنائس بملايين الجنيهات على أساس أنها ذخائر لعظام قديسين مشهورين ومن بين هؤلاء القديسين هو القديس العظيم مارجرجس الروماني الذي تتواجد ذخائره داخل الكنائس التى تحمل اسمه بالقطر المصري، وهو «الأمر الذي يدعونا جميعا لوضع علامات استفهام حول هذا الشأن»، بحسب ما ذكر.
وأوضح، أن بزنس المزارات الدينية داخل الكنائس والأديرة يتنافى مع الإنجيل «لا تصنع لك تمثالا منحوتا ولا صورة ما مما في السماء من فوق، وما في الأرض من تحت، وما في الماء من تحت الأرض لا تسجد لها ولا تخدمها»، «مجدي لا أعطيه لآخر، ولا تسبيحي للمنحوتات»، لذا تعتبر المزارات والأضرحة الدينية من العادات التى يشتهر بها المصريين لاسيما الاقباط المسيحيين، فتكريم رفات الموتي لا يرتبط بمعتقد ديني بعينه، ولكنه يرتبط ارتباطا وثيقاً بالحضارة الفرعونية القديمة التى اشتهرت بتحنيط الموتى وتكريم جثثهم بعد الموت.
حريق كيرلس
تابع البشموري أنه توجب على رجال الدين تحمل مسئوليتهم الروحية والتعليمية تجاه رعاياهم، والعمل على ثني المؤمنين بالتوقف عن ممارسة تلك العادات الوثنية الضارة بالمجتمع، ولعل ما قام به البابا كيرلس الرابع بالقصة التالية خير مثال على ذلك، فتذكر المؤرخة الانجليزية أديث بوتشر في كتاب «تاريخ الأمة القبطية» أن البابا كيرلس أبو الاصلاح كان عالماً بأصول دينه، وغيوراً على كنيسته القبطية، فلما إن ارتقى العرش البابوي رأى شعبه واقعاً فى خطية عبادة الأصنام، وذلك لسجودهم للأيقونات وأجساد القديسين والتبخير أمامها، والتى يعتبرونها مقدسة، وكانت تلك الأيقونات مرصوصة على جدران الكاتدرائية المرقصية القديمة بكلوت بك قبل تجديدها، وعندما شيد البابا كيرلس الكاتدرائية الجديدة في العباسية محل القديمة لم يسمح بنقل تلك الأيقونات إليها بل جمعها كلها ووضعها على بعضها، وحرقها باحتفال كبير أمام جمع عظيم من الناس، ووقف فى وسط الجمع المحتشدين من رعيته وخطب فيهم مبيناً سبب هذا الحريق، ولما انتهى من وعظه أشار بيده إلى كوم الحريق وقال: "انظروا لهذه الصور الخشبية التى تعودتم على احترامها وتبجيلها لدرجة العبادة، ها هى صارت رماداً لا تنفعكم ولا تضركم، فالله وحده هو الذي يستحق العبادة والسجود".
من جانبه، قال الأنبا مكاريوس، أسقف عام المنيا، إنه ليس شرطا تحديد مكان واحد يجمع كل رفات الأقباط أو القديسين، بل إن الكثير من رفات الشهداء والقديسين تم توزيعها على مئات الكنائس في مصر وخارجها للتبرك، لذلك غير وارد أن تتحول مزارات القديسين إلى مصدر لجمع التبرعات، بينما الهدف من دفن الرفات القديسين في الكنائس التابعين لها، هو لتكون كل مجموعة من الشهداء قريبة من اقاربهم ومعارفهم.
أما عن قرار دفن رفات جثامين بعض شهداء الحوادث في مزار واحد في كنيسة 6 أكتوبر التابعة للطائفة القبطية الأرثوذكسية، فيقول: ربما كان الدفن في مدافن الكنيسة بالإتفاق بين قيادة الكنيسة وأهالي الشهداء حيث يجب أن يؤخذ رأيهم في الاعتبار لانه لا يوجد قانون يلزم بالدفن في مكان محدد، مقاطعا: «قول فاصل.. لو بيدي أمر الدفن، أجعله يتم حسب رغبة أهالي الشهداء، ولا توجد نية لجمع تبرعات من مزارات الشهداء».
نقلا عن العدد الورقي.