قال الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، إن الإيمان بالحشر هو المرحلة التي تلي مرحلة البعث من مراحل يوم القيامة، والحشر هو «سوق الخلائق» جميعا إلى الموقف أو إلى المكان الذي يقفون فيه؛ انتظارا للحكم عليهم والقضاء بينهم»، وقد جاء ذكره في القرآن الكريم: {يوم تشقق الأرض عنهم سراعا ذلك حشر علينا يسير}، وأيضا قوله تعالى: {ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا}، وقوله سبحانه: {فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا}، وكذلك قول النبي ﷺ: «إنكم تحشرون حفاة عراة غرلا: {كما بدأنا أول خلقٍ نعيده}، وإن أول الخلائق يكتسى يوم القيامة إبراهيم الخليل».
اقرأ أيضا.. شيخ الأزهر يرد على منكري البعث وإحياء الخلق يوم القيامة مرة أخرى
وأضاف خلال برنامج "الإمام الطيب" أن الأدلة التي ذكرنها في الحلقات السابقة في إثبات البعث بشكل عام كلها يمكن كذلك أن تنطبق على المراحل التي نذكرها اليوم، وبقية المراحل التي تسبق دخول الناس الجنة أو النار، لأن هذه المرحلة كلها مرحلة واحدة من إحياء الناس في قبورهم إلي دخول الناس الجنة أو النار، وكلها دلائل سمعية تدل على الحساب بشكل عام، وإثبات حقائق هذا اليوم الآخر بكل أحداثه ومراحله، وأن العقل في هذه المسألة يعتمد على ما جاء في النقل حيث لا يملك هنا الأدوات التي تمكنه من الحكم في هذه المسائل، لا إثباتا ولا نفيا، والعقل يعمل هنا في نطاق مبدأين هما عدم اجتماع النقيضين، والثاني لابد لكل معلول من علة أو ما يسمى بمبدأ «السببية».
وأوضح أن الحشر يعني «سوق الخلائق» إلى الحساب حيث يحشر الله الخلائق جميعا ويسوقهم إلى الجنة أو إلى النار: {وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا}، ولا يعلم أحد من الناس مكان الحشر؛ ولكن هناك من قالوا إنهم اعتمدوا على أحاديث آحاد وقالوا إن أرض المحشر ستكون في الشام، وأحاديث الآحاد في باب العقائد تفيد الظن فقط ولا تفيد العلم اليقيني.
وبين أنه من هول هذا اليوم سيكون الناس في كرب شديد، يقول الحق تبارك وتعالى: {يوم ترونها تذهل كل مرضعةٍ عما أرضعت وتضع كل ذات حملٍ حملها وترى الناس سكارىٰ وما هم بسكارىٰ ولٰكن عذاب الله شديد}، ويقال لكل إنسان {اقرأ كتابك كفىٰ بنفسك اليوم عليك حسيبا}، وليس معنى ذلك أن يقنط الناس من رحمة الله فالله رحيم بعباده، وكذا فإن هناك الشفاعة الكبرى وهي شفاعته ﷺ في الحشر يوم القيامة، حيث يشتد البلاء على الناس، ويشق عليهم الانتظار، ويذهبون إلى الأنبياء يستشفعون بهم عند الله لكي يصرفهم عن هذا الموقف الصعب، ويقضي بينهم ليستريحوا من الكرب ومن العناء، وكل نبي من الأنبياء يعتذر ويتراجع حياء وخجلا من الله، ثم يذهبون إلى النبي ﷺ؛ فيشفع لهم، ويقبل الله شفاعته في الخلق، ويصرفهم عن هذا الموقف، هذه الشفاعة ليست خاصة بأمة النبي ﷺ وحدها، وإنما هي شفاعة عامة يصرف الله بها الكرب عن أهل الموقف جميعا، لا فرق بين مؤمنهم وكافرهم؛ ولذا سميت: الشفاعة الكبرى.
وأشار إلى أن الإنس سيحشر مع الجن ويرون بعضهم، بدليل قول الله تعالى: {فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا}، فكل المخلوقات ستحشر معا في هذا اليوم، وفي هذا اليوم يقتص الخلق من بعضهم حيث يقول رسولنا الكريم ﷺ: «يقتص الخلق بعضهم من بعضٍ ، حتى الجماء من القرناء»، والجماء هي الشاة التي لا قرون لها، أما القرناء فهي التي لها قرون، وهذا أمر لو تعلمون عجيب، فحتى الحيوانات التي ينظر إليها الناس على أنها ليست مكلفة سيحاسبها الله يوم القيامة، فما بالنا بالظلم والظالمين الذين ينسون هذا اليوم، سوف يحشر الجميع ويصير هذا العالم ترابا، ولن يفلت في هذا الكون شيء من الرصد الإلهي {إن ربك لبالمرصاد}، ولن يفلت أحد من المحاكمة بين يدي العدل الحكيم.