بروح طيبة، وعاطفة يملؤها الحب ويشوبها الأسى، وأحاسيس جميلة استطاع "خليل مطران" أن يبدع في سطور كتاباته من وحي خياله، الأمر الذي ميزّه بين شعراء جيله في الخمسينيات من القرن الماضي، وأصبح واحدًا من أكبر الشعراء على مر التاريخ والزمان.
وتحل في 1 يوليو ذكرى ميلاد شاعر القطرين عام 1872، اللبناني الذي عاش معظم حياته في مصر، وعرف بغوصه في المعاني وجمعه بين الثقافة العربية والأجنبية وتميزه الذي جعله أشهر شعراء عصره.
فدومًا ما كان يتحدث من عبق الطبيعة الساحرة، ويشدو بأسرارها التي تخبره بها همسات هوائها، ويطلق أجمل الأشعار التي تلهمه تأملاته بها، فيصفها وكأنها عشيقته التي لا يرى غيرها ويحيا من أجلها.
ويتغني "مطران" في جمال الطبيعة مغازلا يقول:
منع البقاء تقلب الشمس.. وطلوعها من حيث لا تمسي
وطلوعها حمراء صافية.. وغروبها صفراء كالورس
اليوم أعلم مايجيء به.. ومضى بفصل قضائه أمس
ياللغروب ومابه من عبرة.. للمستهام وعبرة للرائي !
أوليس نزعا للنهار وصرعة.. للشمس بين جنازة الأضواء؟
أوليس طمسا لليقين ومبعثا.. للشك بين غلا ئل الظلماء؟
أوليس محوا للوجود إلى مدى.. وإبادة لمعالم الأشياء؟
حتى يكون النور تجديدا لها.. ويكون شبه البعث عود ذكاء
وأبدع في وصف لحظات لقائه بفتاته التي تناجيه ليلا وتجعله هائمًا في حبها، يقول:
حملت مظلات لنا الشجر.. وأعد مختبئا لنا الخمر
ودعا النسيم العاشقين إلى.. روض يقرُّ بحسنه النظر
فيه العماد الخضر ينظمها.. فنُّ بديع الوحي مبتكر
بإزائها عمد مذهّبة.. من حيث نور الشمس ينحدرُ
وكأن هندًا في تخطرها.. سلطانةٌ رفعت لها سررُ
وبعد أن ملأ المرض جسد حبيبته وخطفها الموت منه، حزن من أجلها ودعا الشجر والشمس والقمر لمشاركته لحظات فراقها، فيقول في رثائها:
أين الدموع تدرّها السحب.. أين الحمام يبيت ينتحب
ولمن رياض الأنس تكتئب؟.. ولمن تعدُّ حدادها الشهب
فتغيب في سودٍ من الحجب....
تشاكلت الدنيا عليّ جميعها.. أراها ولكن لا أرى لي مأربا
وكيف أبالي رونق الصبح إن بدا.. وكأن الذي أهواه عنّي مغيّبا
تلك المحاسن في تفرّدها.. تلك الفضائل في تعددها
تلك الشمائل في تجرّدها..عن كل شائبة بموردها
أنى تبيت وديعة التُرب....