توافد عدد كبير من أهالي الإسكندرية والمحافظات المجاورة للمشاركة في احتفالية مديرية أوقاف الإسكندرية والمشيخة العامة للطرق الصوفية بالإسكندرية بالليلة الختامية لمولد العارف بالله المرسي أبو العباس، بحضور إذاعة القرآن الكريم.
واشتملت الاحتفالية علي إقامة أمسية دينية بدأت بتلاوة آيات من القرآن الكريم للقارئ الإذاعي الشيخ محمد عبد البصير، وكلمة للدكتور محمد أبو هاشم، نائب رئيس جامعة الأزهر الشريف ووكيل المشيخة العامة للطرق الصوفية الصوفية، تحدث فيها عن المرسي أبو العباس، وأبرز مواقفه وطريقه إلى الله فقال: "هو ابن الأندلس من بلاد الأندلس، فقد ولد رضي الله عنه في مدينة - مرسيه - عام 616 هجريًا وهي إحدى مدن الأندلس فنسب إليها وقيل "المرسي".
وتحدث عن سيرته أحد تلامذته من كبار العلماء وصاحب الحكم الشيخ أحمد بن عطاء الله السكندري المالكي، الذي قام بتأليف كتاب عن سيرة أبي العباس المرسي وشيخه القطب الكبير أبي الحسن الشاذلي وأسماه كتاب "لطائف المنن" فقال عنه: " لما بلغ أبو العباس المرسي سن التعليم بعثه أبوه إلى المعلم ليحفظ القرآن الكريم ويتعلم القراءة والكتابة والخط والحساب والفقه، فحفظ القرآن في عام واحد وكان والده عمر بن علي من تجار "مرسيه" فلما استوت معارف أبي العباس وظهرت عليه علامات النجابة ألحقه والده بأعماله في التجارة وصار يبعثه مع أخيه الأكبر أبو عبد الله فتدرب على شؤون الأخذ والعطاء وطرق المعاملات واستفاد من معاملات الناس وأخلاقهم وصارت بهم الحياة على سجيتها، نجاته من الغرق وعزم أبوه على الحج لبيت الله الحرام فجمع أهله واستقلوا المركب حتى إذا قاربوا الشاطئ التونسي هبت عليهم ريح عاصفة أغرقت السفينة غير أن عناية الله تعالى أدركت أبا العباس وأخاه فنجاهما الله من الغرق، وقصدا تونس وعاشا فيها واتجه أخوه محمد إلى التجارة واتجه أبو العباس إلى تعليم الصبيان الخط والحساب والقراءة وحفظ القرآن الكريم.
وتابع أنه في تونس كانت بداية طريقه إلى الله، حيث التقى بشيخة القطب الكبير الإمام أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه في عام 640هـ ويحكي أبو العباس المرسي عن ذلك فيقول: "لما نزلت بتونس وكنت أتيت من مرسية بالأندلس وأنا إذ ذاك شاب سمعت بالشيخ أبا الحسن الشاذلي فقال لي رجل نمضي إليه فقلت حتى أستخير الله، فنمت تلك الليلة فرأيت كأني أصعد إلى رأس جبل فلما علوت فوقه رأيت هناك رجلاً عليه بُرنس أخضر وهو جالس عن يمينه رجل وعن يساره رجل فنظرت إليه فقال عثرت على خليفة الزمان قال فانتبهت فلما كان بعد صلاة الصبح جاءني الرجل الذي دعاني إلى زيارة الشيخ فسرت معه فلما دخلنا عليه رأيته بالصفة التي رأيته بها فوق جبل زغوان، فدهشت فقال الشيخ أبا الحسن الشاذلي: عثرت على خليفة الزمان، ما اسمك؟ فذكرت له اسمي ونسبي فقال لي رفعت إلي منذ عشر سنين".. ومن يومها وهو يلازم الشيخ أبا الحسن الشاذلي".
وأوضح أن أبو العباس المرسي، بدأ في تلقي علوم التصوف على يد أبي الحسن الشاذلي، وقال له يا أبا العباس ما صحبتك إلا لتكون أنت أنا، وأنا أنت وبعدما قد تزوَّد بعلوم عصره كالفقه والتفسير والحديث والمنطق والفلسفة، جاء أوان دخوله في الطريق الصوفي وتلقيه تاج العلوم. أمر نبوي بالرحيل إلى مصر في عام 642 هجرية، 1244م رأى الشاذلي رضي الله عنه في منامه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يأمره بالانتقال إلى الديار المصرية فخرج من تونس ومعه أبو العباس المرسي وأخوه عبد الله وخادمه أبو العزايم ماضي قاصدين الإسكندرية على عهد الملك الصالح نجم الدين أيوب قال الإمام المرسي رضي الله يصف ذلك: "كنت مع الشيخ أبا الحسن الشاذلي رضي الله عنه ونحن قاصدون الإسكندرية حين مجيئنا من تونس فأخذني ضيق شديد حتى ضعفت عن حمله فأتيت الشيخ أبا الحسن فلما أحس بي قال يا أحمد ؟ قلت نعم يا سيدي فقال اّدم خلقه الله بيده وأسجد له ملائكته وأسكنه جنته ثم نزله به إلى الأرض قبل أن يخلقه بقوله إني جاعل في الأرض خليفة ما قال في السماء أو الجنة فكان نزول اّدم عليه السلام إلى الأرض نزول كرامة لا نزول إهانة فإن اّدم عليه السلام كان يعبد الله في الجنة بالتعريف فأنزله إلى الأرض ليعبده بالتكليف، فإذا توافرت فيه العبوديتان استحق أن يكون خليفة وأنت أيضًا لك قسط من اّدم كانت بدايتك في سماء الروح في جنة التعريف، فأنزلت إلى أرض النفس تعبده بالتكليف، فإذا توفرت فيك العبوديتان استحققت أن تكون خليفة". قال الشيخ أبو العـباس رضي الله عنه فلما انتهى الشيخ من العبارة شرح الله صدري وأذهب عني ما أجد من الضيق والوسواس.
وأعرب الشيخ محمد العجمي، وكيل وزارة الأوقاف بالإسكندرية، خلال كلمته، عن سعادته البالغة بتلك المناسبة العطرة والتي أولاها الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، اهتمامًا خاصًا من خلال خطة دعوية خاصة أقيمت على مدار أيام الإحتفال بالمولد المبارك لنشر التصوف المعتدل.
وأكد العجمى، على أن أولياء الله الصالحين ذكرهم القرآن الكريم وبين أنهم لا خوف عليهم في الدنيا والآخرة، لأنهم جمعوا بين الإيمان وتقوى الله، وبشرهم رب العزة سبحانه وتعالى، فقال الله سبحانه: "ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون, الذين آمنوا وكانوا يتقون، لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة, لا تبديل لكلمات الله"، وأعلن رب العزة سبحانه وتعالى الحرب علي من يعادي أوليائه، وكما أعلن الحرب على آكلة الربا في قوله تعالى: "فأذنوا بحرب من الله".
وأوضح أن القرآن الكريم ذكر بعض نماذج الأولياء الصالحين، وهم أهل الكهف، وكيف أن الكلب لما صحبهم ذكر في القرآن لصحبته الصالحين، حيث قال الله تعالي: "سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم، ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب، ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم، قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل"، فيلاحظ أن الكلب ذكر في القرآن لأنه صحب أهل التقوى والإيمان من أولياء الله الصالحين، أي أن صحبة الصالحين، والأولياء المقربين تٌعلي شأن من يصحبهم، مضيفا: "فإذا كان الكلب سعد بصحبة الصالحين، فما بالنا حين يصحب الإنسان المؤمن أولياء الله تعالى؟ قيل تشقى بحب آل النبي.. قلت: هذا كلام غاو شقي، فاز كلب بحب أصحاب كهف، أفأشقي بحب آل النبي؟!".
وأضاف العجمى، أن الله تبارك وتعالي أكرم أرض الكنانة، بكوكبة مباركة من الأولياء الصالحين، ومن آل بيت النبي الكريم، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم, وكما اختص الرسل بالمعجزات أكرم أولياءه الصالحين بالكرامات عونًا لهم، وإكرامًا لما قدموه من صالح الأعمال، ولا شك أن وطنا كهذا لا يرتاب إنسان ومعه عقله أن الله تعالي حافظه، ومحقق له الأمن إن شاء الله مهما مر به من فتن، ومهما هبت عليه رياح الشر والابتلاء، فإن الله سبحانه وتعالى وعد بالأمن أرض الكنانة، وسجل القرآن الكريم الخالد الأمن لمصر، حيث قال الله سبحانه وتعالي: "ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين".
واختتمت الأمسية بفاصل من الابتهالات الدينية والمدائح النبوية للمبتهل الشيخ رفيق النكلاولي.
حضر الاحتفالية الدكتور محمد أبو هاشم، نائب رئيس جامعة الأزهر الشريف ووكيل المشيخة العامة للطرق الصوفية، والشيخ محمد عبد الغنى فودة وكيل المشيخة العامة للطرق الصوفية بالإسكندرية وضواحيها، وعدد من مشايخ ومريدي الطرق الصوفية بالإسكندرية.