عشق فن السمسمية وهو فى العاشرة من عمره في بداية القرن العشرين وكان من ضمن فريق "أولاد الأرض" لتحفيز الجنود على الضفة، حتى أصبح رائد هذا الفن في جميع مدن القناة، هو صلاح عبد الحميد محمد الشهير بـ" سيد كابوريا " مواليد 1916.
يقول كابوريا: "تعملت آلة السمسية على يد الفنان السويسى الراحل عبد المنعم عمار واجتذبتني الأفراح الشعبية فى السويس التى لم تكن تخلو من السمسمية، وتميزت بالأغانى الشعبية غير المدونة، وحفظت هذا التراث بالكامل".
وبرع كابوريا فى الغناء والرقص السويسى «البحارى والمقسوم»، وهى رقصات مستوحاة من لغة قباطين البحر، والبمبوطية، وهى الرقصات التى أخذتها الفرقة القومية فى القاهرة لتطوير الرقصات الشعبية.
بسبب حبه وعشقه لفن السمسمية قرر تأسيس جمعية محبى السمسمية والفن الشعبي» ضم فيها زملاء قدامى له للحفاظ على تراث السمسمية من الضياع، وفتح مدرسة لتعليم فن السمسمية فى منزله بحى الأربعين، وترك عمله ودار خلف الأفراح الشعبية بحثا عن المواهب فى الغناء أو الرقص ليدربهم على أصول السمسمية كما تعلمها هو ممن سبقوه.
وقال إن الجمعية تهدف إلى تخريج أجيال جديدة من عازفي السمسمية الشغوفين، الذين يشاركون كابوريا في العزف، خلال الأعياد الوطنية، والمهرجانات الثقافية بمنطقة القنال.
واستطاع أن يدخل فيها الفتيات اللاتى شكلن مفاجأة له، وتعدى تعليم الأطفال العزف على السمسمية، إلى إقامة ورشة صغيرة أسفل منزله لصنع السمسمية بيديه بأحجام مختلفة لتناسب الأطفال الصغار.
واستطاع كابوريا تخريج ثلاث دفعات فى مدرسته بجهود ذاتية لم يلجأ خلالها لأحد، ولم يطلب أية مساعدة، و تعاون مع قصر الثقافة بالسويس لتدريب مجموعة أخرى من الأطفال ليكملوا مشوار السمسمية .
التقى كابوريا بفنان المقاومة الراحل «الكابتن غزالي» في عمر الخامسة عشرة، إبان المقاومة الشعبية لمدينة السويس، وكان أصغر مؤسس لفرقة «أولاد الأرض»، التي قادت حركة النضال بالغناء والموسيقى، خلال سنوات الحرب بين مصر وإسرائيل. ويذكر كابوريا أول أغنية غنتها الفرقة، والتي كان مطلعها: «فكرينك يا سينا.. فكرينك يا سينا يا قصتنا العظيمة.. ولادنا في حضن أرضك أمانة.. خليكي حنونة».
وأكد «كابوريا» أن الفرقة كانت دائما ما تبحث عن كلمات يسهل حفظها وتردديها، ولا تخلو من الفكاهة، والتندر، إذا لزم الأمر، حتى تنتشر سريعا بين أهالي السويس والجنود، وكانت الفرقة مكونة من 25 فردا، يجتمعون في أحد الخنادق القريبة من منزل «كابتن غزالي» للتدريب، ويطلقون عليه «شاليه أولاد الأرض» على سبيل المزاح.
شهد الخندق حضور عشرات الشعراء والسياسيين، للتضامن مع فرقة المقاومة الأشهر، التي سرعان ما تكونت فرق مشابهة لها في عدد من المحافظات، متخذة نفس الاسم "أولاد الأرض".
الشاعر الفلسطيني محمود درويش، كان أحد أبرز زوار الخندق الشهير، مخترقا بذلك حصار المدينة الباسلة، وأجواء الحرب وقتها، خلال نهاية الستينات من القرن الماضي. وقد كرمت الفرقة درويش بأغنية خاصة له، كان مطلعها «أهلا يا درويش يا بلبل سهرتنا.. كيف سميح واش حاله.. واش حال عروبتنا.
وأوضح «كابوريا»: أن عدداً من الشعراء، ارتبطوا بفرقة (أولاد الأرض) ولازموا أفرادها في مشوارهم الطويل، من أمثال الشاعر عبد الرحمن الأبنودي، وكامل عيد رمضان، وعطية عليان، والمهندس عبد الله صقر.
وبعد أن ذاع صيت الفرقة دعتهم إذاعة صوت العرب لتسجيل أغنيتين، تلا ذلك المشاركة في حفلات أضواء المدينة الشهيرة وقتها، مع كوكبة من المطربين والملحنين، من أمثال فايدة كامل وعبد الحليم حافظ.
وقتها كانت الفرقة المكونة من 25 فردا، تحصل على 4 تذاكر فقط، للانتقال من وإلى السويس، بسبب ظروف الحرب، فكان كابوريا وغيره من الشباب، يفترشون ممرات القطار.
يتذكر كابوريا: «أول أجر حصلت عليه كان 40 قرشا، (أقل من نصف جنيه مصري) من محافظ السويس، وسعدنا به جدا، أكلنا وشربنا، وكان المبلغ وقتها يتعدى قيمة الـ40 جنيها بسعر اليوم (الدولار الأميركي يعادل 17.7 جنيها مصريا)»، بعدها خصصت المحافظة للفرقة تذاكر للانتقال على نفقتها، وبات لكل واحد منهم مقعده الخاص.
يتفرغ عم كابوريا حاليا، لحفظ تراث السمسمية، من حيث الشكل والمضمون، بعدما قام بإنشاء جمعية أهلية لذلك، يطمح في تحويلها إلى بيت فني للسمسمية، على غرار بيت العود بالقاهرة، للفنان العراقي نصير شامة، لكن ينقصه الدعم من الهيئات الحكومية المهتمة بالثقافة.
أما ما يثير مخاوف الريس سيد، على مستقبل تراث السمسمية، فهو عدم انتقال المهنة إلى الجيل الثاني من أولاد مؤسسي فرقة الأرض الشهيرة، بنهجها الغنائي التراثي، بعدما خفت نجم آلته الأثيرة، ورحل جميع مؤسسي الفرقة، ليتحمل وحده أمانة النقل.