سعر الليرة التركية وحالة من الإضطراب الاقتصادي، تعيشها تركيا في الوقت الحالي، تلك الدولة التى تباهى أنصارها أنها ضمن قائمة العشر دول الأوائل اقتصاديًا، وأخذ هؤلاء المؤيدين يتغنون بالرفاهية الإقتصادية التى تعيشها أنقرة، لكن الحال لم يدم طويلًا فالإقتصاد المُتعافي سقط على "ركبته" فجأة، ليعد البعض السبب إلى التدخل العسكري في سوريا، وانفاق المليارات على التجهيزات العسكرية، فيما رأى آخرين أن سياسة أردوغان الخاطئة هي ما تقف وراء هذه التدهور.
وأمام هذا وذاك، لم يجد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لغة أمامه سوى "حرب اقتصادية" ضد تركيا، لتهدئة أنصاره قبل معارضيه، فارتفاع سعر الدولار أمام الليرة التركية بمعدل ثلاثة أضعاف، سيفتح بلا شك، لهيب النيران على الرئيس التركي من أحبائه قبل خصومه، لذلك لم يكن هناك حلٍ أخر. "أردوغان" دعا إلى الكفاح الوطني حتى لا تخسر بلاده الحرب خلال كلمته بمدينة بايبورت شمال شرقي تركيا، مشيرًا إلى أن بلاده تواجه موجات من الاضطراب المالي المُصطنع، ما دفعه إلى دعوة مواطنيه، إلى عدم الشعور بالقلق بعد انخفاض الليرة التركية بمعدل غير مسبوق، في ظل أزمة العلاقات مع الولايات المتحدة وارتفاع معدلات التضخم في البلاد، لكن الطمأنة وحدها لن تكفي.
تركيا تعاني من عجز في ميزان تجارتها الخارجية، فوارداتها أكثر من صادراتها، ما يعني أن نفقاتها بالتأكيد أكثر من إيراداتها، في الوقت الذي لابد فيه أن يمول العجز من استثمارات أجنبية أو بالاستدانة، خاصة مع وصول العجز إلى 5.5% من الدخل القومي أو من إجمالي الناتج المحلي، في الوقت نفسه ساء الوضع الإقتصادي لسببين، الأول أن لديها مستوىً عالي من الديون بعضها مستحق الدفع في القريب العاجل بالإضافة إلى الديون الجديدة، وهذا يعني بلغة السوق المالي أنه يجب إعادة تمويل الدين، وتقدر وكالة تقييم الاستثمار "فيتش" أن الحاجة المالية الكلية لتركيا هذا العام ستبلغ ما يقارب 230 مليار دولار، أما عن السبب فيتمثل في استدانة الكثير من الشركات التركية بالصرف الأجنبي، وتُعد هذه القروض أكثر تكلفة عند إعادتها في حال انخفضت قيمة العملة المحلية وهو ما حدث بالفعل.
أمام هذه الصعوبات كان لدى المصرف المركزي التركي، هدف في الحدّ التضخم إلى 5% العام الماضي، لكن التضخم كان أكثر من ذلك بكثير حوالي 10%، ليزداد الأمر سوءًا بإرتفاع الأسعار بمعدل سنوي بلغ قرابة 15%، ومع هذا يسعى المصرف المركزي تحمل التضخم عن طريق رفع معدلات الفائدة، وهذا يمكنه أن يحدّ من التضخم بطريقتين، إما بإضعاف الطلب في البلاد، أو من خلال رفع العوائد المالية في تركيا، والتي ستشجع المستثمرين للشراء بالليرة، مما يقوي العملة ويخفض تكلفة الاستيراد، لكن هذه الخطوة أيضًا لم تصل إلى حلٍ للأزمة، فأى حلٍ آخر ستلجأ إليه تركيا؟، أم ستدخل البلاد في نفق الأزمات اقتصادية المُظلم؟.