عيد النحر والقربان والعيد الكبير مسميات عيد الأضحى ومظاهر الاحتفال به في الأزمنة المختلفة

يحل علينا عيد الأضحى المبارك خلال الأيام القليلة الماضية، وقد احتفل المصريين على مر العصور بالعيد ولكن بطرق مختلفة سواء فى الحكم العثمانى أو الفاطمى أو المملوكى بالإضافة إلى اختلاف مسمى العيد فى مناطق أخرى، وفى التقرير التالى نستعرض مسميات عيد الأضحى فى الدول العربية وطرق الاحتفال به فى ممالك وعصور مختلفة.

من ضمن مسميات عيد الأضحى المبارك، "يوم النحر" كما سمي فى العصر الفاطمى وفى فلسطين ومصر والمغرب وتونس والأردن ولبنان والعراق والجزائر وليبيا بـ"العيد الكبير"، وفى البحرين سمى بـ"عيد الحجاج"، وفى إيران سمي بـ"عيد القربان".

اقرأ أيضا.. هتدفع كام عشان تتفسح في حي الفراعنة؟.. تعرف على تسعيرة "الكارتة والجمل والحصان" داخل منطقة الأهرامات (تقرير)

واختلفت طريقة الاحتفال بالعيد فى حقب مختلفة، فكان العصر الفاطمى أكثر العصور الإسلامية احتفالا بالمناسبات والأعياد وكانت لهم تقاليد خاصة بكل احتفال، حيث كان يخرج الخليفة فى موكب لثلاث أيام متتاليات ليذبح بنفسه الأضاحى، وكانت تبدأ الاحتفالات منذ يوم “وقفة عرفات” فتبدأ شعائر الاحتفالات عقب آذان المغرب فتتجمل الشوارع والطرقات وتعلق الزينة ويخرج الناس يهنئون أصدقائهم وجيرانهم وتوضع الأضاحي أمام المنازل وتجهز المناحر ويبتهل المبتهلون بتكبيرات العيد حتى صلاة العيد في الصباح.

وكان الخليفة يرتدي في العيد ملابس بيضاء موشحة بالفضة والذهب، وكان يخرج محفوفًا بحاشيته قاصدًا صلاة العيد، والوزير والقاضى من خلفه، فيصلي ويقرأ فى الركعة الأولى ما هو مكتوب فى الستر الأيمن، ويقرأ فى الثانية ما هو مكتوب فى الستر الذي على يساره، فإذا ما انتهت الصلاة صعد المنبر لخطبة العيد، فإذا انتهى إلى ذروة المنبر جلس على الطراحة الحريرية ويقف أسفل المنبر الوزير والقاضى والحاشية، ثم يشير الخليفة إلى الوزير بالصعود فيصعد حتى ينتهى إلى سابع درجة مقدمًا إلى الخليفة نص الخطبة التى أعدها ديوان الإنشاء، فإذا فرغ من الخطبة يركب بالهيئة التى قدم بها إلى المصلى، فإذا اقترب من باب القصر تقدمه الوزير ثم يدخل من باب العيد فلقد اعتاد الخلفاء الفاطميين أن يتوجهوا لأداء صلاة العيد فى موكب مهيب وكان المعز لدين الله يؤم الناس فى صلاة العيد ثم يخطب فيهم خطبة بليغة تبكى الموجودين لفرط التأثر بها، وعيد النحر كما كانوا يسمونه في العصر الفاطمي، كان يخرج فيه الخليفة فى موكبه ثلاث مرات متتالية فى أيّامه الثلاثة الأولى لمشاركة الشعب العيد ، كما أن الخليفة يشارك بنفسه فى إجراءات النحر.

وكان الخليفة يتجه إلى صلاة العيد، وبعد الانتهاء من الصلاة يمتطى جواده المزين ويخرج الخليفة فى ثيابه الحمراء في موكب مهيب على الأقدام يشق القاهرة يرافقه الوزير وأكابر الدولة ومستشاريه إلى "دار النحر الخلافية" التي تقام في ركن خارجى من القصر، وتفرش بأغطية حمراء، يُتقى بها الدم.

وجرت عادة الخليفة الفاطمي على نحر 31 أضحية أول أيام العيد ويأتى الجزارون وكل واحد بيده إناء مبسوط يتلقى به دم الاضحية، ثم تقدِم رؤوس الأضاحي إلى الخليفة واحدة فأخرى فيدنو منها وبيده حربة يمسك بها من الرأس ويمسك القاضي بأصل سنانها ويجعله في عنق الدابة فيطعنها به الخليفة وتجر من بين يديه وهكذا حتى يأتي عليها جميعا وكلما نحر الخليفة رأسا جهر المؤذنون بالتكبير “الله أكبر” وفى اليوم الثاني ينظم نفس الموكب الخلافي إلى المنحر، وينحر الخليفة 27 رأسا، وفى اليوم الثالث ينحر 23، ويجرى توزيع لحم الأضحية خلال هذه الأيام الثلاثة على أرباب الرسوم “القراء بالحضرة والخطباء، والمتصدرون بالجوامع وعامة الشعب الحاضرون” وذلك في أطباق خاصة للتبرك ويقوم بالتوزيع قاضي القضاة وداعي الدعاة ويخصص نقباء الدعوة وطلبة دار الحكمة بقسط من اللحوم الموزعة، فإذا انقضت رسوم النحر، خلع الخليفة عند العودة إلى القصر على الوزير ثيابه الحمر ومنديلاُ ملوكياً ، وقلده سيفاً مرصعاً بالياقوت والجواهر وربط فى عنقه العقد، فيركب الوزير وعليه الخلع المذكورة فى موكب حافل من القصر، يشق القاهرة حتى باب زويلة، ثم يدخل من باب القنطرة إلى دار الوزارة، وبذلك تنتهي رسوم النحر.

وبعد الانتهاء من النحر كان الخليفة يمضى إلى دار الخلافة حيث يأمر بمد بساط عظيم يجتمع إليه عشرات الناس فيهنئهم بالعيد، ثم يتوجه إلى المنحر القريب من القصر ويرتدى ملابس حمراء ويحمل مظلة حمراء رمزاً للون دم الأضاحى، حيث يقوم قاضى القضاة بالإمساك بالذبيحة ويقوم الخليفة بنفسه بذبحها وتستمر عملية النحر لمدة ثلاثة أيام ويتولى الخليفة توزيع اللحوم، بالإضافة إلى وقفيات لحوم الضأن التى كانت توقفها سيدات القصور لتوزيعها فى الأعياد، وكان داعى الدعاة “بدرجة وزير” مختص بتنظيم الأعياد والإشراف عليها فى العصر الفاطمى، وقد كثر الاهتمام بالغناء والموسيقى فى هذه الاحتفالات فى العصر الفاطمى وأقبل كثير من رجال الدولة وأعيانهم فى مجالسهم الخاصة وكان معظم المغنيات من الجوارى.

فى العصر المملوكى

كانت من مظاهر الاحتفال بالعيد صباح اليوم الأول، تتمثل في اجتماع أهالي الحي أمام منزل الإمام الذي سيصلى بهم صلاة العيد في المسجد فإذا خرج إليهم زفوه حتى المسجد وبأيديهم القناديل يكبرون طوال الطريق وبعد انتهاء الصلاة يعودون به إلى منزله على نفس الصورة نفسها التي أحضروه بها.

وكان يخرج الناس فى أول أيام العيد إلى “المدافن” لتوزيع الصدقات رحمة على موتاهم حاملين سعف النخيل، والريحان لتوضع فوق القبور، وكانوا يحملون معهم أيضا الفطير، والخبز المحشو باللحوم، وقد ينصب البعض خيام بجوار القبر إذا كانت الزيارة ستستمر اليوم بأكمله، وهناك من يذهبون للمتنزهات وركوب المراكب فى النيل، ويذهب البعض الآخر لزيارة أقاربهم وأهلهم لتقديم التهنئة لهم، واعتاد المتنزهون فى القاهرة والإسكندرية أن يستأجروا المغنين والمغنيات فى تلك الفترة بالحدائق العامة القصائد الشعرية لرموز الشعر الكبار آنذاك أمثال ظافر الحداد والقاضى الفاضل والبهاء زهير، بل إن الشاعر المملوكى الكبير ابن دانيال دعا السلطان المملوكى الظاهر بيبرس لحضور ثلاث مسرحيات شعرية فى نهار أحد أيام عيد الأضحى.

أما المظاهر الرسمية للاحتفال بالعيد ، هى اطلاق مدافع القلعة طوال أيام العيد، ويأتي موكب كبير من الحمالين إلى القلعة ، يحملون خلع العيد لحملها إلى السلطان، وفى ليلة العيد يدخل الأمراء جميعا على السلطان لتهنئته وفى صباح يوم العيد ينزل السلطان إلى الحوش السلطاني لتأدية صلاة العيد ويسمع الخطبة بجامع الناصر بن قلاوون بالقلعة، ويعود إلى الإيوان الكبير، المشيد عليه حاليا جامع محمد على، حيث يمد سماط حافل للطعام بلغت تكاليفه في بعض السنوات خمسين ألف درهم.

وفى العصر العثمانى ، جرت العادة على بداية الاحتفال الرسمى بالعيد، عقب صلاة فجر أول أيام العيد، حيث يصعد أمراء الدولة والقضاة في موكب إلى القلعة، ويتوجهون إلى جامع الناصر محمد بن قلاوون داخل القلعة لأداء صلاة العيد ثم يصطفون لتهنئة الباشا ، وبعدها يتم ذبح الأضاحي ويتم توزيعها على المحتاجين والفقراء، وفي اليوم التالي كان الباشا ينزل للاحتفال الرسمي بالعيد في الصوان المعد له بميدان الرملية “القلعة” والذي فُرش بأفخر الوسائد والسجاد ويتقدم للتهنئة الأمراء الصناجق “كبار البكوات المماليك” والاختيارية “كبار الضباط” وفرق الجنود من المشاة “الانكشارية”، وتقدم القهوة والحلوى والشربات، وتفوح روائح المسك والبخور، ثم يخلع الباشا على أرباب المناصب والأمراء، كما يأمر بالإفراج عن بعض المساجين.

بعد النحر، يبدأ كل بيت في إعداد الولائم، وترص الموائد بألوان وأصناف لا حصر لها من طواجن اللحوم المحمرة والمسلوقة وصوانى الرقاق باللحم وأطباق الفتة التى يرجع أصلها لمصر الفرعونية، حيث عرفها المصرى القديم، فقد وضع الخبز على مرق اللحوم واللبن، وسبب تسميتها بـ”الفتة يرجع إلى أنها تصنع من فتات الخبز.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً