"الطير المهاجر" أحمد أمين الباحث في تصميم المفاعلات: "مصر ممكن تروح المريخ لو عايزة".. كوريا تتفوق على روسيا في هذا العلم.. وأحلم بنقل المعرفة الغربية والخبرات إلى وطني

رسم حلمًا كبيرًا، بأن يرى في مصر مفاعلًا نوويًا، ويشاهد بلده تدخل عالم التكنولوجيا الذرية، وتصبح واحدة من هذا العالم المتقدم، وتلحق بالركب الذي ضلت إليه الطريق لعقود كثيرة، تفوق في دراسته، وكان أحد هؤلاء الطلبة «النادرين»، في كلية الهندسة جامعة الإسكندرية، الذين قرروا الالتحاق بقسم الهندسة النووية.

«مصر ممكن تروح المريخ لو عايزة»، هكذا قال «الطير المهاجر»، أحمد أمين، الباحث المصري، الذي حصل على البكالوريوس من قسم الهندسة النووية جامعة الإسكندرية، أبى أن يسير على نهج من سبقوه من خريجي هذا القسم، الذين انتهى بهم الحالي إلى «مكتب» داخل هيئة الطاقة الذرية، يوقع في دفتر الحضور صباحًا، ويجلس قليلاً ثم يأتي موعد انصرافه، فيوقع ويغادر إلى منزله، مثله مثل الكثيرين من خريجي هذا القسم.

«أحمد» تمسك بحلمه، وتملكه الشغف والإصرار، لم يستطع الصبر والانتظار رغم الإعلان عن مشروع الضبعة النووي، حصل على الماجيستير وقرر السفر إلى كوريا الجنوبية؛ لدراسة الدكتوراه في هندسة تصميم المفاعلات النووية، لكنه سافر جسدًا، وما زال قلبه معلقًا بمصر، مؤكدًا لـ«أهل مصر»، أنه يتمنى العودة، حاله حال جميع المصريين في الخارج الذين ينتظرون الفرصة كي يعودوا لمصر وينهضوا بها لتصل إلى ركب العالم المتقدم.

«لم يكن هناك أي معالم لموعد البدء في مشروع الضبعة النووي، فكثيرًا سمعنا ذلك ولم يتحقق، كما أن امتلاك مفاعلات نووية لا يعني امتلاك برنامجًا نوويًا»، هكذا قال «أحمد» عن سبب سفره.

مصر لا يوجد بها اهتمام كافٍ بهندسة المفاعلات النووية، ولا توجد دراسة جادة، ولا يقع اللوم في هذا المجال على الباحثين أو الكليات، وإنما يقع على الدعم الضئيل المقدم من الدولة لهذه الفئة؛ كون الدولة لم تدخل بعد العالم النووي.

«مصر عندها فوبيا من الطاقة النووية زيادة عن اللازم، وسبب خروجي من مصر يرجع لبداية عرض مشروعي بتصميم نموذج مفاعل نووي مصغر، والذي كان مجرد نموذج غير حقيقي، وكان هدفنا زيادة وعي الناس بمعنى المفاعل النووي وشكله، إلا أننا فوجئنا بهجوم شديد علينا وتعرضنا لاتهام أننا نجهل كل شيء، وحاولنا بمشروعنا في الجامعات البريطانية إلا أننا فشلنا؛ بسبب وجود تلك الفوبيا من المفاعلات النووية في مصر».

«الخوف في مصر غير مبرر»، هكذا قال أحمد، بعد الهجوم عليه وزملائه، وتابع: «برغم أن مصر مشاركة باتفاقية الحظر النووي، إلا أن هناك خوفًا ورهبة من أي تعقيدات سياسية، مع أن كل المشروعات التي نقدم على عملها مشروعات بدائية، موجودة في كل الدول حتى الأفريقية». 

«كنت سأتحول إلى موظف كل همه الذهاب والمجي من العمل، بدون أي تعلم أو بحث جاد»، هكذا وصف أحمد حاله لو كان استمر في مصر.

وقال: «مصر لا يوجد لديها برنامج نووي حقيقي، كما أن هناك بعض الأشخاص ليس لديهم القدر الكافي من العلم ومع ذلك يريدون بقاء الحال كما هو دون التقدم في المجال النووي، والكثير في مصر يجهل القيمة الفعالة للطاقة النووية، والربح الهائل الذي يمكنها أن تنتجه، فتكلفتها رخيصة ماديًا مقارنة بالطاقات الأخرى، وتعطي في المقابل طاقة كهربائية بشكل متواصل، وكان يجب على مصر أن تستغل تلك الطاقة كما فعلت الدول المتقدمة، مثل فرنسا، التي تعتمد في 70% من طاقتها الرئيسية على الطاقة النووية، وكوريا 30% من طاقتها نووية».

«مصر ممكن تروح المريخ لو عايزة»، هكذا رد «أمين» على سؤال هل تعتقد أن مصر ستدخل مصاف الدول النووية؟

«من 30 سنة كوريا كانت من دول المجاعات، ولكن الآن من الدول المتقدمة التي تبني المفاعلات النووية وتصدرها، وآخرها تعاقد السعودية معها على مفاعل نووي صغير سمارت».

مصر تستطيع أن تدخل مصاف الدول النووية، إذا أعطت الوقت والدعم اللازم للباحثين، بالإضافة لاستقدام الخبراء في المجال النووي وعقد مؤتمرات لهم في مصر لتقديم المعرفة الكاملة للباحثين المصريين.

«أي دعم يقدم في المجال النووي، يمثل جزءًا صغيرًا من هامش الربح»، هكذا يرى الباحث المصري، ما تحتاجه مصر لكي تكون مثل كوريا.

وتابع: «إذا كنا بصدد عمل مقارنة بين مصر وكوريا في المجال النووي، سنجد أن مصر لا يوجد بها دراسة المفاعلات النووية، ومعظم الدارسين بيكتفوا بالماجيستير من مصر، وأخذ الدكتوراه من دولة أخرى، حتى الذين حصلوا على الدكتوراة من مصر ظلت معهم (منظر على الفاضي)، كما أن معظم الدارسين في مصر ينحصرون في أقسام علوم المواد والاندماج، وأصبح لا يوجد بمصر علماء في الطاقة النووية يقودون برنامجًا نوويًا حقيقيًا».

«في كوريا الوضع مختلف تمامًا، هناك تقدم في المجال النووي، وخلال السنتين اللتين قضيتهما في كوريا، تعلمت ما لم أتعلمه لسنوات في مصر، في كوريا كانوا حريصين على تعليمنا المجال النووي، وإكسابنا معرفة كبيرة وليست مجرد أفكار سطحية وهامشية، حتى أنني أجد في تلك النقطة أن كوريا تتفوق على روسيا، لأن الأخيرة تكتفي بمجرد منح هزيلة بدون أموال، بالإضافة إلى احتفاظهم بالمعلومات لأنفسهم وعدم إفادة الطلاب الدارسين هناك بها».

يجب على مصر العلم أنها بحاجة لنقل ودراسة التكنولوجيا أهم من مجرد شراء مفاعل نووي، لابد أن يكون هناك باحثون في مصر بمجال الطاقة النووية ولا بد من دعمهم من جانب الدولة، وأن يكون التصنيع داخل مصر، حتى يمكننا معرفة تفاصيل كل شيء.

هل يمكن أن تعود إلى مصر إذا رأيت خطوات حقيقة في المجال النووي؟ سؤال ذكّر أحمد بما بناه من أحلام من قبل، وكانت إجابته سريعة وتلقائية، وكأنه ينتظره، «أي مصري في الخارج إذا وجد أن هناك هدفًا أو مصلحة لوطنه سيعود، أنا أتمنى خدمة بلدي، وأكبر أحلامي هو نقل المعرفة النووية الموجودة بالغرب والخبرات التي اكتسبتها خلال رحلتي، إلى مصر وكل الباحثين المصريين، تحتاجه الدولة تقوله "تعالى"، وأشخاص كثر عادوا ولكن فوجئوا بالرفض».

«إنشاء شركة لتصميم المفاعلات النووية في مصر، للأكواد التي تستخدم في الحسابات النووية وتستضيف العلماء وتعقد المؤتمرات»، هكذا تحدث أحمد عن حلمه، قائلًا: «عندي أمل أن الوضع يتغير في مصر ونوصل سواء بهذا الجيل أو الجيل القادم».

نقلا عن العدد الورقي.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً