اعلان

ماجستير ودكتوراة للبيع في "عين شمس والقاهرة".. السماسرة يسيطرون والزبائن العرب الأكثر قدومًا.. "إبراهيم": حصلت على 4 دكتوراة و6 ماجيستير بأسماء أخرى

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
كتب : منى حسن

«هنا كتابة وطباعة الرسائل العلمية»، عبارة موجودة على العديد من المحال التي يلجأ إليها طلبة الماجيستير والدكتوراة والدراسات العليا بالجامعات المختلفة، لكتابة رسائلهم وطباعتها؛ تمهيدًا لتقديمها للمناقشة في الجامعة التي يدرسون بها، وكل هذا مشروع ومسموح به قانونًا، ولكن هل يقتصر عمل هذه المكاتب على الكتابة والطباعة فقط؟ أم أن هناك شيئ آخر يحاك وراء الستار؟

بعض رسائل الماجيستير والدكتوراة، التي تُناقش في الجامعات المصرية، بأسماء أشخاص محددة، لم يحدث أن أجرى صاحبها الدراسة، ولكنه بـ«الفهلوة» استطاع أن يدفع مبلغًا لغيره الذي كتب له الرسالة، وأجرى الدراسة، وأُرهق هو في كتابة اسمه عليها، ربما هذا الكلام ليس جديدًا، وسمعناه كثيرًا من قبل، وقرأناه على بعض صفحات مواقع التواصل الاجتماعي فهل هذا حقيقة؟.

الحقيقة وراء الرسائل العلمية

لكل شيء خاطئ دومًا وجهة أخرى مخادعة ومخالفة للحقيقة، حتى يستطيع الاختفاء بعيدًا عن القانون، وهذا ما تفعله العديد من هذه المكاتب، ويبقى وجود الرسائل لديها أمرًا طبيعيًا، كونها مكاتب لكتابة وطباعة الرسائل العلمية، ولكن الواقع - في هذه المكاتب التي تعمل في هذه التجارة- أن رسائل عديدة موجودة بها للبيع، وجاهزة لوضع اسم المشتري، كي يحصل على الماجستير أو يشتري «الدال».

«سمسار أو زبون قديم» السبيل الوحيد

يقول «محمد»، أحد الذين عملوا لفترة في تحضير الرسائل لصالح أحد المكاتب، إن الأمر ليس سهلًا، ولا يمكن لأي شخص الدخول إلى المكتب والحديث معه وعقد اتفاق لشراء رسالة، فأصحاب هذه التجارة، أكثر حرصًا من تجار المخدرات، وكي يطمئن إليك صاحب المكتب الذي يعمل في هذه التجارة، يجب أن تكون شخصًا موثوقًا فيه، والسبيل للثقة، إما أن تكون طرف أحد السماسرة المتعاملين مع هذا المكتب، أو طرف أحد زبائنه القدامى الذين تعامل معهم من قبل واشتروا منه رسائل.

ويضيف «محمد»، لـ«أهل مصر»، أن معظم زبائن هذه المكاتب الذين لديهم ثقة فيهم، طلاب من دول الخليج والدول العربية، فاللهجة الخليجية تثير الاطمئنان في نفوس أصحاب هذه المكاتب، وهؤلاء الطلاب العرب إما أنهم يأتون من الخارج، أو أنهم يدرسون في الجامعات المصرية، وهذا «الزبون»، يمكن أن يفعل له صاحب المكتب أي شيء، وإن لم يكن يمتلك رسالة، يُكلف أحدًا لتنفيذها.

وعن أماكن هذه المكاتب، قال إن معظمها متركز حول جامعتي عين شمس والقاهرة، والسماسرة في هذه الأماكن منتشرون بشكل واضح، والطالب الباحث عن «المصلحة» سيعرفهم، وقد يعرفونه هم، لأن الأمر ليس بجديد عليهم؛ لأنهم أصحاب خبرة في هذا الأمر.

الاتفاق

وبشأن الاتفاق، يقول «محمد»، تبدأ الاتفاقية، «على جنب»، السمسار أو صاحب المركز، يذهب بعيدًا عن الموجودين مع صاحب الطلب، ويبدأ الحديث، والاتفاق.

ويضيف، أن السمسار قد يكون أحد الموظفين بالجامعة، أو صاحب المكتب، وهذا يملك دومًا قائمة بأسماء الباحثين وأساتذة الجامعة في مختلف التخصصات، ويبدأ التفاوض، بشأن البحث، طبقًا لتخصص الباحث، وما يناسبه، وبعد ذلك يُكلف المكتب أحد الباحثين، بعمل البحث موضوع الدراسة، دون أن يعلم «الزبون» من هو الباحث الذي سيحصل هو على الماجيستير باسمعه، فهو سر كبير، محظور الاقتراب منه، ويبدأ الاتفاق على المقابل المادي، وبعد سداد «العربون»، يبدأ تكليف الباحث، وتحديد موعد الاستلام.

وعن طريقة سداد المبلغ، يكون في الأغلب النصف والنصف عند نهاية الرسالة، وأحيانًا يكون التعامل بالفصل الدراسي، وفي النهاية كل ذلك يخضع لطريقة التفاوض، فالباحث صاحب الخبرة، قد يستطيع الوصول لمبلغ كبير، وكذلك كلما كان «الزبون» ثريًا، ولديه الرغبة الكبيرة في الحصول على الماجيستير أو الدكتوراة.

السداد بالآلاف

وعن سعر الرسالة، يؤكد «محمد»، أنها تصل إلى 200 ألف جنيه للرسالة الواحدة، وأحيانًا تتعدى هذا المبلغ، كما قلت حسب الزبون وما يملكه من مال، وصاحب نصيب الأسد من هذا المبلغ يكون السمسار أو المكتب، ويحصل الباحث - صاحب المجهود الوحيد في القصة- على مبلغ قليل في أفضل الأحوال يكون 30% من المبلغ.

10 رسائل ماجيستير

«إبراهيم»، صاحب الـ45 عامًا، أحد الباحثين المتعاملين مع مكتب للرسائل، يقول، إنه عمل 10 رسائل لمكتب على مدار 12 سنة، منها 6 رسائل ماجيستير، و4 رسائل دكتوراة، وحصل عن بعضها على مبلغ 10 آلاف جنيه، وعن بعضها 20 ألفًا.

ويضيف «إبراهيم»، إنه بهذا حصل على الدكتوراة 4 مرات، وعلى الماجيستير 6 مرات، ولكن بأسماء أخرى، وهذا كان لفترة طويلة مصدر رزقه.

وعن سبب التنازل عن حقه الأدبي والعلمي، قال إنه لا يهتم بذلك الأمر؛ لأنه حينما فقد مصدر رزقه، صار مضطرًا لذلك، وهو ليس نادمًا على ذلك.

خالد سمير: "بيزنس" الماجستير والدكتوراه نتيجة طبيعية لغياب البحث العلمي

بدون دراسة ولا أي مجهود يذكر، فقط بفكرة عابرة ومجموعة من الأموال، أصبح بإمكان أي شخص في وقتنا الحالي الحصول على شهادة مزورة بصورة أكثر احترافية يصعب كشفها، ليختصر بها سنين من الدراسة في غضون أيام، ليصبح في نهاية الأمر مجرد " تستيف أوراق" .. هكذا وصف الدكتور خالد سمير، أستاذ جراحة القلب بجامعة عين شمس، ظاهرة "بيزنس" رسائل الماجستير والدكتوراه التي انتشرت بكثافة هذه الفترة.

يقول الدكتور خالد سمير، في حواره مع "أهل مصر"، إن انتشار أسواق الاتجار بالعلم وتزوير شهادات الماجستير والدكتوراه، هو نتيجة طبيعية لتحول الدراسات العليا في مصر إلى مواضيع غير علمية، فالباحث الذي يقدم على الدراسات العليا في مصر، يكون هدفه إما الترقي الوظيفي أو للوجاهة الاجتماعية التي تمكنه فيما بعد من الحصول على ألقاب، فلم يعد هناك بحث علمي حقيقي، ولا مشاريع علمية ممولة، أو مسابقات يتقدم إليها الباحثون لمدة معينة لشغل الوظائف.

فما يحدث حاليًا يتمثل في التسجيل للدراسات العليا والماجستير دون وجود أي دراسة، وبمواضيع ليست بها أية جدوى أو إفادة للمجتمع والواقع، هذا بالإضافة إلى عدم وجود بحث علمي حقيقي ولا تجارب، فأصبحت الأمور مجرد " تستيف أوراق"، يتم كتابتها بصورة أكثر احترافية من التي يمكن أن يقوم بها باحث حقيقي.

وعن السبب في انتشار تلك الظاهرة في مصر، يقول أستاذ جراحة القلب، إن الأمر كان في بداية الأمر يقتصر على العرب والأجانب المقيمين في مصر والراغبين في الحصول على شهادة معتمدة من إحدى الجامعات المصرية، ليتحول الأمر بعد ذلك إلى انضمام الباحثين المصريين لتلك القائمة بل وازداد عدد المصريين المقبلين على تلك الأسواق أكثر من العرب والأجانب.

ويكمن السبب الرئيسي وراء انتشار تلك الظاهرة هو أن الدراسات العليا في مصر أصبحت تقتصر على الجانب النظري فقط، وبالتالي أصبح من السهل انتشار مثل هذه الأسواق للاتجار بالعلم من خلالها، فأصبحنا نبيع شهادتنا لمن يدفع من العرب وغيرهم، حسبما وصف سمير.

وبالنسبة لكلية الطب وطلابها، فالوضع مختلف، حيث كشف الدكتور خالد سمير، عن أن مصر تعتبر البلد الوحيد التي تعترف بالأبحاث الأكاديمية مثل الماجستير والدكتوراه كدرجات علمية إكلينيكية، فلا يوجد علاقة بين البحث الأكاديمي والتدريب التخصصي في الطب، لذلك تستقبل كلية الطب تسجيل بأعداد رهيبة للماجستير والدكتوراه، بدون وجود بحث حقيقي لذلك، وتفسير ذلك أنهم يقوموا بتدريب إكلينيكي بالمستشفيات، وليس بحث أكاديمي، ونتيجة لذلك أصبح لدينا عشرات الآلاف من الأبحاث التي تسجل سنويًا مع عدم وجود أبحاث حقيقية تفيد المجتمع.

يقول سمير: "لكي يحصل الطبيب على ترقية، لابد من الحصول على شهادات، فتحول الموضوع إلى بيع شهادات من أجل الحصول على ترقية ، فالطب من أكثر المجالات معاناة من هذا النوع من السماسرة، ولكن لابد من إيضاح الأمر في تلك النقطة، حيث أن هذا لا يتعلق بحياة الناس في المجتمع، فالماجستير في كليات الطب هو شهادة أكاديمية بحثية، ليس لها علاقة بالتدريب العملي في الطب، وتحدث المخاطرة بحياة الناس، عندما يمنح الماجستير درجة أخصائي للباحث".

ويأتي السؤال المنتظر، ما الحل؟، يقول أستاذ جراحة القلب، أن الحل يس بإلقاء القبض على هؤلاء السماسرة ، فهذا لا يعد حل جذري للموضوع، حيث من الممكن أن يقوم أفراد آخرون بعمل تلك الشهادات بالمجان، كنوع من أنواع المساعدة للطلبة، فالمشكلة هنا تكمن في أساس البحث العلمي الخاطىء من البداية.

وإذا أردنا أن نقضي على تلك الظاهرة، فلابد من أن يكون التدريب التخصصي في كليات الطب، عن طريق شهادات إكلينيكية مثل الزمالة أو البورد، وهو تدريب إكلينيكي موجود في كل دول العالم لا يوجد به أبحاث، وأن ينتهي الاعتراف بالماجستير والدكتوراه كشهادات إكلينيكية، على أن تكون في الكليات العلمية الأخرى الأبحاث عن طريق مشاريع بحثية مرتبطة باحتياجات المجتمع، وأن تكون ممولة سواء من المجتمع المدني أو من الجامعات، ويتم نشر تلك الأبحاث دوليًا، ويكون الحصول على الترقيات عن طريق النشر الدولي.

عميد حقوق القاهرة: دورنا يقتصر على التدقيق في اختيار الباحثين والموضوعات

وفي بحثنا عن "بيزنس" رسائل الماجستير والدكتوراة، واجهتنا العديد من الأسئلة، منها هل تعي إدارة وعمداء الكليات بالجامعة بأن هناك سماسرة لرسائل الماجستير والدكتوراه ووجود مكاتب لهم حول سورها؟، أيضًا ما دور الأساتذة المشرفين على الرسائل من باحثين لم يفعلوا شيئًا في أبحاثهم سوى سداد النقود؟ وكيف يتقدم باحث لنيل درجة الماجستير عن بحث لم يفعله ورغم ذلك يحصل عليها؟ وكيف تواجه الجامعات تلك الظاهرة؟، كل هذه الأسئلة جاوبنا عليها الدكتور صبري السنوسي، عميد كلية الحقوق بجامعة القاهرة.

وقال السنوسي، في بداية حواره مع أهل مصر، إن الجامعة يكون عليها مسؤولية التدقيق في اختيار موضوعات الأبحاث التي يتقدم بها الباحثون، أيضًا التدقيق في اختيار الباحثين، وأن يكون هناك عناصر شخصية يجب على المشرفين على الأبحاث أن يتبعوها ويدققوا بها في شخصية الباحث، ويتمثل ذلك في معرفة إذا كانت الشخصية جادة ولها هدف من البحث العلمي أم لا.

وأضاف عميد كلية الحقوق، قائلًا: "أنا لا أنفي المسؤولية أنه يحدث تساهل أحيانًا، مما يجعل الباحثين يلجأون إلى هؤلاء السماسرة، ولكن دورنا يقتصر على التدقيق في اختيار الباحثين والتدقيق في الموضوعات التي يناقشونها"، مشيرًا إلى أن من يقوم بمثل هذا العمل، فهو يعد باحث سارق للرسائل العلمية، ولابد من محاكمته ومعاقبته، ليس فقط من القانون الجامعي، وإنما من القانون الجنائي أيضًا، فالمسؤولية والعبء مشترك بين إدارة الجامعة والقانون.

وعن كيفية القضاء على تلك الظاهرة، اقترح السنوسي، مواجهة تلك الظاهرة بصورة قانونية قوية، يتم تطبيقها على كل الكليات والجامعات، فمن خلالها لن يتمكن أي شخص من التسجيل بالماجستير بسهولة كما هو موجود، وإنما سيقتصر على الباحثين الجادين فقط، كما أنه إذا تم اتباع هذا الأسلوب بشكل سريع ، فإنه سيعمل على تقليص عدد الباحثين المقدمين بكل كلية، وأيضًا سيقل عدد السماسرة، لأنهم لن يجدوا نوعية الطلبة التي تلجأ إليهم، حتى إذا وجدوهم فإنهم لن يلاقوا قبولًا في الجامعات بتلك الشهادات المزورة.

ولفت عميد كلية الحقوق بجامعة القاهرة، إلى أن الشخص السارق للأبحاث، هو شخص ضار للمجتمع وأفراده، لكونه باحث سارق علميًا يعتمد على الغش والنصب لقيادة المجتمع، حيث يكون هدفه هو أن تتم معاملته كشخص يحمل ماجستير أو دكتوراه، ومنها بالتعيين في مناصب عليا، أو أخذ الاستشارات منه، وهو في الأساس قائم على الغش والنصب، وللأسف باتت هذه الظاهرة منتشرة وبقوة في مجتمعنا الحاضر.

نقلا عن العدد الورقي.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً