تزامناً مع الذكرى الـ40 لمعاهدة كامب ديفيد ومع تصاعد الأوضاع في القضية الفلسطينية، أعادت صحيفة "أودياتور أونلاين" السويسرية إلى الأذهان معاهدة كامب ديفيد التي أبرمتها مصر وإسرائيل وصفتها بأنها مثالاً يجب أن يحتذي به العالم بأكمله لتحقيق عملية السلام.
وقالت الصحيفة إن مصر استطاعت أن تخضع إسرائيل لشروطها في تحقيق عملية السلام باتفاقية كامب ديفيد، وهذا كان ذكاء الرئيس الراحل محمد أنور السادات عندما قرر الذهاب إلى الكنيست الإسرائيلي، حيث علق وزير الخارجية الإسرائيلي "موشى ديان" أثناء محادثات السلام التي استمرت 13 يوماً في "كامب ديفيد" بأن إسرائيل"لم تتوقع أبداً أن تبادر مصر بالسلام، خاصة بعد إصرارها على عدة شروط أستطاعت للأسف إخضاعنا لها"،كان هذا التصريح في سبتمبر 1978، بعد 10 شهور من رحلى الرئيس السادات التاريخية.
وتساءلت الصحيفة، لماذا لم تستطع الدول المتنازعة في سوريا الوصول إلى حل إلى الآن.. رغم أن آلية الاتفاق في معاهدة "كامب ديفيد" كانت بسيطة، و حقيقى أنها كانت من الناحية السياسية والدبلوماسية والاقتصادية كانت مكلفة ومحفوفة بالمخاطر،لكنها تمت في الأخير؟، واستطردت الصحيفة قائلة: نعم كانت المعادلة الأساسية بسيطة وهي أن تعترف إسرائيل بفلسطين، وتنسحب إسرائيل من سيناء بعد اتفاقية كامب ديفيد، التي أعادت مصر فتحها في عام 1967، لكنها لم تكن سهلة على "تل أبيب"، لذا يجب أن ،اخذ من تلك التجربة مثالاً حياً عن أن الرؤساء هي من تسطيع صناعة دول قوية، مثلما يحدث الآن ففي سوريا لا يستطيع الرئيس بشار الأسد أوالرئيس الفلسطيني عباس أبو مازن إنقاذ دولهم من "فك الإرهاب" وفي المقابل مازالت تسطيع مصر منذ معاهدة "كامب ديفيد" أن تعلم العالم درساً في محاربة الإرهاب بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وبالعودة إلى معاهدة "كامب ديفبد" يجب تسليط الضوء على أن محادثات السلام لم تكن صعبة على إسرائيل فقط، بل على مصر أيضاَ عندما قابل الرئيس الراحل محمد أنور السادات معارضة بعض قيادات المجتمع المصري للمعاهدة حيث استقال حينها وزير الخارجية إسماعيل فهمي من منصبه لأنه كان ضد زيارة السادات لإسرائيل، ورفض وزير الدفاع محمد الجمسى لأنه رفض اتفاقية كامب ديفيد، وبالإضافة إلى هذه المقاومة من معسكره، كانت هناك معارضة إسلامية وحزبية،كما تمت إدانة السادات كخائن من قبل العالم العربي كله - برئاسة الجامعة العربية ، التي استبعدت مصر ونقل مقرها من القاهرة إلى تونس.
أما عن إسرائيل فاتفاق السلام الأولى في البلاد كان في إسرائيل رفضتها أعضاء رئيسيين في حزب الليكود مناحيم بيجن رئيس الوزراء، بما في ذلك رئيس الكنيست ورئيس الوزراء المستقبلي اسحق شامير، الذي كان قد امتنع عن التصويت على التصديق على الاتفاقية، ووزير الدفاع في المستقبل موشيه آرنس الذين صوتوا ضد، خاصة بعد طلب السادات بأن تتضمن اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية التزامًا إسرائيليًا تجاه الفلسطينيين يشكل تحديًا للاتفاقية.
أما من جهة اللوجستيات التي كانت من الصعب تحقيها أيضاً، تطلب الاتفاق سحب قوات عسكرية إسرائيلية كبيرة و 18 مدينة مدنية، ومن الناحية المالية ذهبت إسرائيل للبحث عن استبدال المطارات العسكرية الأربعة التي بنتها في سيناء وللنفط الذي أقامته هناك، فالاتفاق لم يتجاهل أي من هذه القضايا.
لكن الرئيس السادات استطاع أن يجلب السلام لدولته ولم يتلفت لكل هؤلاء بل التفت فقط للمصلحة العامة على المدى البعيد وهذا ما لم تدركه الدول "المنكوبة" حتى الآن، وليس هذا فقط بل اعترفت إسرائيل بالوحدة الوطنية للفلسطينيين وسحبت سكانها العسكريين والمدنيين من سيناء، واستطاعت مصر أن تكون منزوعة السلاح في سيناء، وفي المقابل قامت الولايات المتحدة ببناء مطارات جديدة في صحراء النقب الإسرائيلية، وفي عام 1980 تم افتتاح السفارات في القاهرة وتل أبيب، في حين أن فلسطين وسوريا "المنكوبتين" الآن اضاعا فرصتهما في تحقيق السلام حينها مثل مصر لتشبث كلاً من البلدين بعقائد واهية لم تجلب لشعبهما سوى الدمار.
وأضافت الصحيفة باختصار، كان اتفاق "كامب ديفيد" تحفة من التوازن الدبلوماسي والذكا السياسي، فقد نجحت المعاهدة بالفعل ومازالت قائمة حتى الآن، وليس من العدل التغاضي عن التبعات الجيدة لهذا الاتفاق الذي نجحت مصر أيضاً في تحقيه حتى الآن، حيث تبحر السفن الإسرائيلية في قناة السويس وتقود مصر محادثات السلام حتى الآن في فلسطين على سبيل المثال، التقى في شهر أغسطس الرئيس الفلسطيني "أبو مازن" ، ورئيس جهاز المخابرات العامة المصري، مع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو وكبار المسؤولين في أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية للعمل على وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس.
بالإضافة إلى ذلك ، تحدت مصر بشكل فعال رؤية الشرق الأوسط الجديد الذي دعا إلى التكامل الاقتصادي في المنطقة واستطاعت وضع قدمها بين الدول الكبار بشأن الوضع الاقتصادي في فترة قصيرة، ونتيجة لذلك ، نمت التجارة بين مصر وإسرائيل وامريكا حتى بلغت 50 مليون دولار في عام 2003 إلى أكثر من 500 مليون دولار في عام 2011.
واختتمت الصحيفة قائلة أن الذكاء في تلك "المعاهدة" التي كان ينظر إليها الرئيس الرحل السادات هو تحقيق الانتصار على المدي البعيد وليس القريب فقط، ولقد حققت مصر ذلك، حيث صمدت الاتفاقية وتبعاتها 40 عاما ولا تزال صلبة.