«يوليو الحزين»، هكذا وصف البعض، شهر يوليو 2018؛ لما شهدته مصر فيه من حالات انتحار أسفل عجلات المترو، لأناس اختاروا لأنفسهم نهاية مأساوية بأبشع طرق الموت كأنه يعاقب نفسه في لحظاته الأخيرة، مدركين أن آخر لقطات حياتهم مسجلة وسيراها العالم أجمع.
وسجل يوليو حوادث انتحار متتابعة وتعددت الوسائل التي استخدمها المنتحرون في الآونة الأخيرة سواء أسفل عجلات المترو أو الموت شنقًا أو تناول موادا سامة، أو قطع الشرايين، وهو ما دفع الباحثين لرصد معدلات الانتحار في مصر، للتأكد ما إذا كانت الأرقام طبيعية أم مقلقة؟
وسط تضارب الأرقام والإحصائيات، كشف الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أن حالات الانتحار التي شهدتها مصر في الـ3 سنواب الأخيرة لم تتعد 183 حالة، وكان الذكور أكثر إقدامًا على تلك الخطوة "140 ذكرًا مقابل 43 أنثى".
وطبقًا لجهاز التعبئة والإحصاء خلال الـ3 سنوات، انحصرت حالات الانتحار في مصر بشكل كبير في فئة المراهقين ما بين 20 سنة 80 حالة، يليهم الشباب في الفئة الأقل من 40 سنة بـ67حالة انتحار، أما الحالات الأدنى في الأكبر سنًا بعدد 10 حالات.
أصبح الانتحار أسفل عجلات المترو الوسيلة الأبرز التي يلجأ إليها المصريين في الفترة الأخيرة ويضم ضحاياه القائمة الأكبر في الانتحار وكانت آخرهم سيدة ألقت بنفسها في 13 أغسطس الماضي، بمحطة عين شمس في القاهرة وتشكل الحالة الرابعة في شهرين.
وفي مطلع يوليو الماضي، ترك شاب رسالة لأهله أوضح يها أنه سينتحر وألقى بنفسه أسل عجلات المترو بمحطة غمرة.
وفي أواخر يوليو انتحر شاب عمره 17 عامًا تحت عجلات المترو بمحطة المرج، ونفس المشهد تكرر عندما قفز شاب إلى مصيره المُحزِن فى محطة أحمد عرابي.
«الموت من أعلى برج القاهرة»
هربًا من توبيخ والده بسبب امتحانات الثانوية العامة ألقى الشاب المراهق جرجس صاحب الـ19 عامًا بنفسه من أعلى برج القاهرة.
واختار وسيلة مرعبة لإيصال رسالة للدولة والأسر أن "بعبع" الثانوية العامة سبب إنهائه لحياته، وحمل كل من شارك في النظام الذنب.
ما الذي يدفع الشباب للانتحار؟ ما الرسالة التى يوجهها هؤلاء لذويهم؟ كيف نتفادى ذلك؟ سنبحث عن الإجابة لكل ذلك في هذا التحقيق.
أستاذ كشف الجريمة بالمركز القومي للبحوث الجنائية:
الأزمة الاقتصادية بريئة من الانتحار
قال الدكتور فتحي قناوي، أستاذ كشف الجريمة بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، إن حالات الانتحار في مصر فردية لأنها تقتصر على أسباب مختلفة لكل حالة كأسباب "نفسية واجتماعية".
وأضاف قناوي لـ"أهل مصر"، أن الأسباب النفسية والاجتماعية للانتحار تنحصر في الضغوط الاجتماعية التى يواجهها الفرد من حيث قوة تحمله، موضحا أن حالات الانتحار التي وقعت إما بسبب ضائقة مالية أو أمراض عضوية أو التعليم خاصة الثانوية العامة، وآخرها الوقوع تحت تأثير المخدر.
وأكد الباحث الجنائي، أن حالات الانتحار لا تمت للعلاقة الاقتصادية للبلاد بصلة؛ لأن دولة أوروبية من أغنى دول العالم ولكنها تصنف فى المركز الثاني لحالات الانتحار.
وأوضح قناوي، أن إدارة البحث الجنائي ترصد حالات الانتحار من خلال الحالة التى اختار المنتحر أن يموت عليها، موضحًا أنه إذا كانت الحالة شنق أو غرق وغيره نتعرف عليه من الحالة الماثلة أمامنا للجثة.
وأضاف قناوي، أن تقرير سبب الوفاة الذي يأتي إلينا مع الحالة يساعدنا كثيرا في التعرف على نوع طريقة الموت بكونها انتحارًا مقصودًا أم جريمة منفذة.
وناشد الباحث الجنائي، المهتمين بحقوق الإنسان وعلماء النفس والاجتماع، بضرورة دراسة الدوافع التى تجعل أي فرد أن يزهق روحه بكل يسر.
ونوه أن السوشيال ميديا من مسببات الاكتئاب التى تسلب الفرد إرادته وتجعل الانتحار أمام عينه وعقله أمرا سهلا، لافتا إلى الألعاب التى انتشرت في الفترة الأخيرة التى أودت بحياة الكثير من الأطفال والشباب وأثرها على أفراد المجتمع، مطالبا الدولة بتقنين جميع تطبيقات السوشيال ميديا.
وأشار قناوي إلى أنه نظرًا لقلة الوعي الديني والثقافي لدى الأجيال الصاعدة، منسوب حالات الانتحار تزايد في مصر بوقت قصير للغاية.
مصر بنهاية قائمة الدول في حالات الانتحار
وبالاختلاف معه قال اللواء خلف حسين مدير إدارة الرعاية اللاحقة بوزارة الداخلية، إن انتشار حالات الانتحار في مصر بسبب الأمراض النفسية والظروف الاجتماعية.
وأضاف حسين أنه نظرًا لتدين الشعب المصري، تأتي مصر من آخر الدول المصنفة في حالات الانتحار، ونجد قليلًا من النفوس الضعيفة التي تهن عليها نفسها وتزهق روحها.
ووفقًا لزيادة عدد حالات الاتنحار في الآونة الآخيرة، قال الدكتور جمال فرويز خبير في علم النفس، الجو الحار يساعد على الانتحار لما يسببه من حالات اكتئاب وعصبية ويزيد من المشاكل النفسية.
وأضاف فرويز لـ " أهل مصر" أن هناك 3 أسباب نفسية تؤدي للانتحار وهم مرضى الاكتئاب، ومرضى الإنفصام "الهلاوس السمعية"، تدهور سن المراهقة.
واستعرض فرويز أن مرضى الاكتئاب يرى الحياه سوداء ولا متعه فيها، ووجود شخص مثله فيها مصدر تعاسة للبشرية، وفي فكره أنه عندما ينتحر سترتاح منه البشرية وتظل فكرة الانتحار في باله ولا يتخلى عنها بسهولة حتى يقتل نفسه.
وتابع فرويز، أن مريض الانفصام لديه هلاوس سمعية وبنسبة متوسطة تؤدي للانتحار، مؤكدًا أن هناك وساوس تعطي له أوامر بالانتحار مستعينًا بمثال قائلًا: "مريضة هلاوس انتحرت لعدم سيطرتها على ذلك".
ونوه أن مرضى الهلاووس ليس لديهم القدرة على السيطرة على أنفسهم لما تسببه من أذى نفسي وضغط أعصاب، مؤكدًا على ضرورة الذهاب لعلاجه.
وأشار فرويز أنه من أكثر الأسباب المنتشرة فيالفترة الحاليه هي تدهور سن المراهقة قائلًا: " وتبدأ المرحلة من 12 سنة وحتى 30 سنة، لأنهم من السهل الاستسلام والانتحار لما يتعرض له من الضغوط المادية والحياتية أو خلافات مع العائلة، ومع الحبيبة أو الحبيب".
وأوضح فرويز أن حالات الانتحار أكثر وسط الرجال لأنهم يتسخدمون العنف كالأسلحة البيضاء، والفتيات يلجأون للأدوية للانتحار كوسيلة أسرع.
ويمكن للفتيات أن يتراجعن في آخر لحظة كما فعلت آخر حالة انتحار في المترو، الفتاة بعد أن كانت على القضبات حاولت أن تتراجع وتسير الناحية الأخرى، ولكن لم يحالفها الحظ وتم دهسها.
أعراض الانتحار:
واستعرض فرويز أعراض الانتحار قائلًا: "الشخص المنتحر، تجده قبل الانتحار، يعاني من الوحدة والانفصال عن الناس والامتناع عن الأكل والخروج بالإضافة إلى قلة تركيزة والنوم وعندما يتحدث تشعر أنه ليس له رغبة في الحديث".
وشدد فرويز، على ضرورة أن يتلقى المريض فورًا العلاج قائلًا: "نكتب في الروشتة فور ظهور أعراض الميول للانتحار للأهل أن الحالة تحتاج إلى مستشفى نظرًا لوجود أفكار انتحارية ملحة".
واستكمل فرويز أنه فور دخول الشخص المصحة أو المشفى يتم عمل جلسات كهرباء فورًا بدون إذن المجلس الأعلى للصحة النفسية لأنها تعطى لهذه الحالات لإنقاذ حياته.
وأكد فرويز أن علاج الاكتئاب والانفصام جلسات الكهرباء مع أدوية نفسية مضادة للاكتئاب
ونصح "فرويز"، الأهل فور الشعور بأن الابن أو الأبنه مرضى نفسيًا التوجه للمستشفى أو المصحة النفسية لأن المريض النفسي قنبلة موقوتة وتوقع منه فعل أي شيء كالقتل أو الانتحار أو سلوكيات عدائية وعنيفة فلابد من متابعته.
الانتحار أكثر بين الملحدين
وقالت الدكتورة هدى زكريا، أستاذ علم الاجتماع، إن مقولة انتشار حالات الانتحار مصطلح غير علمي، قائلة: "الأسباب الاجتماعية المعروفة علميًا ليست موجودة في مصر ولكنها متداولة في أوروبا وأمريكا".
وأشارت زكريا لـ"أهل مصر" إلى أن ظاهرة الانتحار تنتشر بين الملحدين غير المؤمنين ونحن في مجتمع نسبة الإلحاد فيها قليلة جدًا تكاد لا تذكر، مضيفة أن ضعف الإيمان سبب كبير.
تابعت زكريا أن من ليس لديهم إيمان قوي يستسلم بسهولة قائلة:" ولكن نحن ترعبنا فكرة أننا نموت كافرين لذا ظاهرة الانتحار غير متداولة في مجتمعنا".