وقف على منصة الجمعية العامة، وكأنه قديس أمام مذبح الرب، يعظ الحاضرين تارة ويهددهم تارة أخرى بقوة وثبات وعنفوان مصطنع، وكان واضحًا للجميع أنه يُعاني من إزدواجية انعكست على حديثه الذي كان يحمل الكثير من اللغط.
كيف تكون أمريكا جهة ملتزمة بتحقيق السلام في المنطقة، وهي من قامت بإغلاق الباب، وسد جميع المنافذ أمام أي فرصة للسلام بإعترافها بالقدس عاصمة "لاسرائيل"، ونقل سفارتها إلى القدس ضاربة كل الاتفاقات بعرض الحائط، ونكرانها لحق العودة ودعوتها للأمم المتحدة بالتنصل من واجباتها تجاه اللاجئيين، ويؤكد ترامب في كلمته أنه ضد عملية السلام وليس راعيًا لها من خلال رفضه للمحكمة الجنائية الدولية وتنكره ضمنيًا بذلك لقرارات الأمم المتحدة.
نجد رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، يشيد في تحالفاته في المنطقة، خاصة بين إدارته ودول الخليج، وفي نفس الوقت يهاجم "أوبك" "بعض حلفائه في الخليج من أعضائها، ويطالبها بتخفيض أسعار النفط، ولمسنا أيضًا في حديثه لهجة آمره، أن على دول بعينها إعادة إعمار الدول التي ألقى بها "ربيعه العربي" في أتون الحرب التي تكفلت دولته في بعض منها بدعم أعضاء النظام لوجستيًا، ودعم النظام في أخرى.
الرجل الذي يهاجم إيران وفي نفس الوقت يتطلع إلى علاقة رائعة معها ويدعوا إلى عزلها، ويهددها ويتوعدها وكأنها هي الدولة الوحيدة التي تمارس وتدعم الإرهاب في المنطقة، ونسى ربيبته "اسرائيل" التي تحمل نفس ما وصف به إيران، ونسى أيضًا أن نظامه السياسي يقوم بما تقوم به أيضًا إيران في دول بعينها وفي كافة ممارساتها.
هاجم العولمة لأن بلاده تنهار بسببها، كي يتملص من مسؤوليته أنه من أسباب هذا الانهيار رغم قصر مدة حكمه حتى اللحظة، وهاجم الاشتراكية من أجل أن ينال من فنزويلا ودول مثلها، وكان ذلك واضحًا في هجومه على "أوبك".
لم نلمس في كلمته سوى الصلف والتهديد والوعيد والتلويح بعصا العم سام في جميع النقاط التي تناولها في كلمته، ولكن كان ينقصه قبعة على رأسه وثبات داخلي راسخ لا مصطنع على المنصة كي ينفي الوهن السياسي والاقتصادي الذي نال منه رغم محاولته تغطيته وإنكاره.