118 ألف حالة زواج قاصرات في 2017.. صرخات الأطفال تزلزل أروقة المحاكم.. أسرار البيوت في ساحات التقاضي.. "إثبات النسب" قضية أرهقت الجميع.. والنتيجة: أطفال بلا مأوى

صورة أرشيفية

أطفال في عمر الزهور، بدلًا من أن يلعبوا ويلهوا مثل أقرانهم، اختارت لهم أسرهم مصيرًا آخر، لم يروا في بناتهم المشروع الذي يراه كل أبٍ وأم، يجب أن يبذلوا له الغالي والنفيس، ومنذ الأيام الأولى رأوا بناتهم حملًا ثقيلًا ينتظرون اليوم الذي يتخلصون فيه منه، البنت التي تظل معشوقة أبيها، في مصر يلقي بها أبوها إلى غياهب المجهول؛ ظنًا أنه يضمن لها مستقبلًا مشرقًا كـ"ست بيت وأم"، لكنه لم يفكر كيف لطفلته الصغيرة أن تربي طفلًا وهي لم تبلغ الرشد بعد؟

أطفال بدلًا من أن يملأوا الدنيا لعبًا وضحكًا، صاروا يملأون المحاكم صراخًا وعويلاً، وامتلأت أورقة محاكم الأسرة، مع انتشار ظاهرة "زواج القاصرات"، التي تظهر بشدة في قرى ونجوع مصر وليس الصعيد فقط، بل امتدت إلى الحضر " القاهرة الكبرى" تحت مسميات العيشة الصعبة، و"ضل راجل ولا ضل حيطة"، الكلمة والمثل الذي أضاع مستقبل أطفال ربما كانوا مشروعًا كبيرًا، هل لهذا الكابوس من نهاية؟

"القاصر" هي الفتاة التي لا تبلغ السن القانوني للزواج ١٨عامًا، ما جعل الدولة تسن القوانين لتمنع زواجها، ومعاقبة المسئول عن هذا الزواج، ولكن لم تستطع الدولة القضاء على هذه الظاهرة، الأهالي يلجأون إلى الزواج عن طريق كتابة عقد عرفي وإعلان الزواج دون توثيق العقد، وغالبا ما ينتهي الأمر داخل ساحات المحاكم، لنسمع فيها صرخات وآهات، وبكاء وعويل، على خطأ وقع في لحظةٍ لن يكفيها ندم العمر كله، بعد أن تتحول الفتاة من مرحلة الطفولة إلى زوجة تتحمل مسؤولية بيت وزوج، وأطفال، طفلة ترعى أطفالًا.

ويظل التساؤل مطروحًا، أيعقل أن تدرك فتاة في سن ١٤ عامًا معنى الحياة الزوجية والأمومة؟ وتحمل المسئولية، وكيف تتفهم زوج يكبرها بسنوات؟ فلذلك تنتشر المشكلات والخلافات بمجرد الزواج ولا تتحمل الفتاة العيش وتصبح مطلقة في سن ١٨ عامًا.

محاكم الأسرة امتلأت بقضايا إثبات النسب، وعقد القران للقاصرات، وخاصة بنطاق كرداسة، وبني مجدول، وأبورواش، ونكلا بالقناطر وغيرهم كثير، "أهل مصر" رصدت بعض هذه القضايا التي تنظر أمام محاكم الأسرة.

"اتخطبت وأنا عندي١٠ سنين وتجوزت ١٥ واطلقت ١٨"

"رحاب" ابنة كرداسة، تروي قصتها، تقدم لخطبتها أحد شباب القرية يعمل على عربة نقل، وهي في الصف السادس وعمرها١٠ سنوات، معللة السبب بـ"شدة جمالها"، لا تعرف عن الزواج غير الفستان الأبيض، وتم عقد قرانها عندما أتمت ١٥ عامًا دون توثيق عن طريق مأذون القرية، بحجة أنها عندما تبلغ السن القانوني يتم توثيق الزواج بالمحكمة، وتزوجت في بيت أهله وأصبحت تخدم طوال اليوم، وتلبي طلبات البيت بأكمله بالرغم من ضعف جسدها، وما أن مر على الزواج ٤ أشهر حتى بدأ أهله ينتظرون خروجه من البيت، ويختلقون المشكلات معها، وينتظرون عودة زوجها ليشكون إليه ويحرضونه على ضربها.

وتكمل: "استجاب الزوج وضربني حتى سقطت على الأرض مغشيًا عليَّ من فرط الألم".

لم تتحمل الطفلة والتي أطلق عليها "زوجة" هذه الآلام وذهبت إلى أهلها تستغيث بهم من أجل إنقاذها من هذا الزوج، وهى تحمل في أحشائها جنينا عمره ٣ أشهر، وظلت في بيت أهلها حتى وضعت طفلها، وطوال هذه الفترة لا يسأل عنها ولا عن طفله وبعد إلحاح من أهالي القرية، تم توثيق عقد القران، وطلقها بعد توثيقه بلحظات، ورفعت الزوجة دعوى نفقة متعة برقم ٤٣٥ لسنة ٢٠١٨.

"هويدا".. تقاضي زوجها من أجل إثبات نسب طفلها

جاءت الضحية الثانية.. "هويدا" ١٨ عامًا إلى محكمة الأسرة بشمال الجيزة؛ لرفع دعوى إثبات نسب لطفلها الأول في الدعوى التي حملت رقم ١٨٠٦ لسنة ٢٠١٨.

تقول هويدا في دعواها أمام القضاء، إنها تزوجت في من "عبد البصير. ر" عن طريق العقد العرفي، في سن ١٦ عامًا، وتم إعلان الزواج أمام أهالي القرية، وكالعادة نشبت الخلافات بينهما ولجأت إلى أهلها، وهي حامل في الشهر الخامس، وظلت عندهم حتى وضعت ورفعت دعوى إثبات نسب لطفلها وتوثيق عقد الزواج.

مصرع طفلة أثناء وضعها لطفلها في "نكلا"

في مأساة آخرى، لقيت الطفلة أميرة مصرعها، أثناء وضعها لطفلها الأول بقرية نكلا، التابعة لمركز منشأة القناطر، لعدم تحملها آلام الولادة والطلق.

"أميرة" التي لم تحظ من اسمها بشيء، تزوجت وهي في سن ١٢ عاما من شاب يكبرها بـ ١١ عامًا بقرية نكلا، ومر شهران على زواجها حتى حملت، بعد أن ذهبت إلى الطبيب ليثبت حملها، أكد لها بأن جسدها وعمرها لا يتحملان هذا الحمل، ورفض أهل الزوج إسقاط الجنين، وأكملت شهور حملها حتى جاء موعد الولادة، وذهبت إلى المستشفى، غارقة في دمائها من كثرة النزيف، وما مرت إلا دقائق معدودة حتى لفظت أميرة أنفاسها الأخيرة، وتكتم الأهالي والطبيب على هذا الخبر حتى لا يتعرضوا للمسالة القانونية.

"شيماء": "أهلي ضيعوا أجمل أيام طفولتي"

ضحية أخرى من زواج القاصرات، شيماء صاحبة الـ١٦ عامًا، تزوجت من "محمود. ن" عن طريق العقد العرفي للقاصرات، بمنزل العائلة في بيت واحد، وبعد الزواج بأيام تعرضت للضرب المبرح، من قبل أخواته وأمه، حتى أصبحت في حالة نفسية صعبة، وتركت له المنزل، بعد أن اكتشفت حملها في شهرها الثاني، وعندما وضعت طفلها رفض أن يوثق عقد القران، ورفعت دعوى إثبات نسب لطفلها برقم ٥٩١، وفي لحظة واحدة أصبحت مطلقة، وأمًا لطفل لا تعلم كيف تتعامل معه وتواجه به صعوبات الحياة؟

هذه نماذج لبعض الحالات التي دمر زواج القاصرات حياتهن، ولابد من التصدي لهذه الظاهرة التي تقضى على الطفولة، وزيادة حالات الطلاق، وتكون هناك عقوبة رادعة لكل ما يساعد في هذا الزواج.

آخر إحصائية للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، صدرت في 2018، أكدت ارتفاع زواج القاصرات إلى 118 ألف حالة سنويًا نحو 40% من إجمالي حالات الزواج في مصر، من بينهم 1200 مطلقة، وأكثر من 1000 أرملة.

نقلا عن العدد الورقي.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً