تتجه أنظار العالم غدا الخميس إلى بريطانيا حيث يجري الاستفتاء التاريخي الذي يحدد مصير عضوية بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي، في واحد من أهم الأحداث الفارقة التي تشهدها البلاد على مدار تاريخها.
"هل يجب على بريطانيا أن تبقى عضوا في الاتحاد الأوروبي؟" سؤال بسيط يجيب عليه البريطانيون لكن تلك الإجابة ستحدد مصير واحدة من أهم الدول الأوروبية وسيمتد أثرها إلى باقي القارة الأوروبية كافة.
تظهر استطلاعات الرأي تقاربا شديدا في أوساط البريطانيين بين معسكري المؤيدين والمعارضين لبقاء بلادهم داخل الاتحاد الأوروبي، مما يصعب التنبؤ بنتيجة الاستفتاء، غير أن المراقبين يتوقعون أن الاعتبارات الاقتصادية قد تجعل المواطنين الذين لم يحسموا أراءهم يميلون لصالح الاستمرار في الاتحاد.
أما على المستوى الأوروبي فقد كشف استطلاع موسع للرأى أجرته مؤسسة بيرتلسمان الألمانية تأييد أغلب مواطنى دول أوروبا لإبقاء بريطانيا على عضويتها داخل الاتحاد حيث صوت 54% من مواطنى أوروبا لصالح استمرار عضوية بريطانيا بينما صوت ٢٠٪ لصالح خروجها من الاتحاد الأوروبي.
ويحظى استفتاء بريطانيا باهتمام دولي ملحوظ نظرا للأهمية الكبرى التي تتمتع بها بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي والتداعيات الخطيرة التي قد تنتج في حالة اختيار البريطانيين مغادرة التكتل الأوروبي.
وفي هذا السياق يؤكد مؤيدو البقاء أن بريطانيا دولة ذات ثقل داخل الاتحاد الأوروبي وبالتالي فإن الانفصال بينهما لا يصب في مصلحة أي من الطرفين. فمن ناحية يرتبط الطرفان بعلاقات اقتصادية وثيقة حيث يشكل اقتصاد بريطانيا سدس الاقتصادات الأوروبية مجتمعة، ويبلغ حجم الاستثمارات الأوروبية في بريطانيا نحو 700 مليار دولار أي ما يعادل نحو 50% من إجمالي الاستثمارات. كما أن 47% من صادرات بريطانيا موجهة إلى الاتحاد الأوروبي الذي يضم نصف مليار مستهلك، في الوقت الذي تستقبل لندن منه 53% من وارداتها. وهناك ثلاثة ملايين وظيفة مرتبطة بصورة مباشرة أو غير مباشرة بهذه الصادرات والواردات، وتعتمد تلك الوظائف على استمرار عضوية بريطانيا في الاتحاد.
وبناء على ذلك ونظرا للارتباط الوثيق بين الطرفين توقع المراقبون أن قرار المغادرة سيشكل خسارة كبيرة للاقتصاد البريطاني، حيث يؤكد هؤلاء أن انضمام بريطانيا إلى الاتحاد الأوروبي قد أدى إلى زيادة صادراتها بنسبة 55% أما الخروج من الاتحاد فقد يحمل البلاد خسارة في ناتجها المحلي الإجمالي قد تتراوح بين 0.8% إلى 2.2% بحلول العام 2030. كما أن عدم الوصول إلى السوق الأوروبية المشتركة قد يؤدي إلى خسارة بريطانيا العديد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي يأتي معظمها من الاتحاد فضلا عن أن هذا الانسحاب سيجبر لندن على إعادة التفاوض حول العديد من الاتفاقيات الثنائية مع الدول الأخرى في الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى إعادة النظر في سلسلة القوانين والتشريعات التي تربطها بالاتحاد.
أما على الصعيد السياسي فإن خروج بريطانيا من شأنه فقدانها لوزنها السياسي داخل القارة الأوروبية وتراجع مكانتها على الساحة الدولية لأنه يعني بقاءها لاعبا وحيدا معزولا في العالم.. كما أن هذا الخروج سيؤثر سلبا على الاتحاد حيث أنه سيعطي انطباعا سلبيا عن أوروبا وقد يؤدي إلى اهتزاز صورة الاتحاد على الساحة العالمية ويجعل منه قوة من الدرجة الثانية.
كما أن انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من شأنه تشجيع دول أخرى على إجراء استفتاءات جديدة لمغادرة الكتلة الأوروبية خاصة في ظل الأزمات المتفاقمة التي تواجهها أوروبا حاليا وتراجع شعبية مشروع الوحدة الأوروبية وانتشار البطالة في العديد من الدول الأعضاء وتزايد استياء المواطنين من سياسات الاتحاد التي أصبحت أكثر تدخلا وتقييدا لحياة الأوروبيين. وفي حالة وقوع ذلك فإن هذه المغادرات الجديدة ستتسبب في انهيار هذا التكتل الأوروبي مما قد يخلق خللا كبيرا في ميزان القوى العالمية.
في مقابل ذلك يرى معارضو استمرار بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي أن قرار الانسحاب سيجلب لبلادهم مكاسب أكثر بكثير من أي خسائر قد تتكبدها نتيجة المغادرة. فهذا القرار سيسمح - من وجهة نظرهم - لبريطانيا باسترداد إسهاماتها في ميزانية الاتحاد الأوروبي والتي تبلغ نحو12 مليار دولار سنويا واستخدامها على نحو أفضل، كما سيؤدي بدوره إلى رفع حجم ناتجها المحلي من 0.6% إلى نحو 1.6% بحلول العام 2030.
إلى جانب ذلك، فإن قوانين الاتحاد الأوروبي تفرض الكثير من الأنظمة والقواعد التي تحمّل الاقتصاد البريطاني تكاليف تصل إلى 50 مليار دولار سنويا ولا تساهم بأي تقدم لهذا الاقتصاد. كما يرى أنصار هذا المعسكر أن انسحاب بريطانيا من الاتحاد سيمكنها من استعادة السيطرة على حدودها والحد من الهجرة من جميع البلدان خاصة بعد أن تزايدت أعداد المهاجرين بأكثر من الضعف خلال الفترة من 2004 حتى 2015 ليبلغ ثلاثة ملايين شخص ويؤكد أنصار هذا المعسكر أنه إذا استمرت بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي فإنها ستشهد وصول أكثر من خمسة ملايين مهاجر في السنوات الخمس عشرة المقبلة مما سيشكل عبئا لا يحتمل على قطاعي الصحة والتعليم.
وأخيرا يرى أنصار الخروج أن مغادرة بريطانيا للكتلة الأوروبية ستجعلها قادرة أكثر على الحفاظ على نفوذها وسيادتها خارج الاتحاد انطلاقا من كونها قوة نووية كبرى وعضو مؤسس في مجلس الأمن وحلف الناتو.
وما بين مؤيد ومعارض تبقى نتائج الاستفتاء غير محسومة حتى اللحظة الراهنة غير أن المؤكد في هذا المشهد أن بريطانيا مقبلة غدا على مفترق مصيري في تاريخها قد يؤدي إلى تحولات جذرية تغير مسار القارة الأوروبية بأكملها.