كلما مررت بشارع 26 يوليو في منطقة بولاق أبو العلاء، لتشاهد الكثير من عمليات الهدم، إلا أن ما يلفت الانتباه وجود مبنى كبير على طراز فريد يوضح عظمة هذا البناء المتهالك والذي إن رأيته من بعيد تغطيه الغبرة وتحيطه أعمال البناء والترميم، وللوهلة الأولى تحسبه مبنى قديم آيل للسقوط، مبنى المركبات الملكية، يقع بجانب مسجد السلطان أبو العلاء، هو واحد ضمن أهم وأكبر متحفيين أسسوا على طراز خاص للاحتفاظ بالمركبات الملكية بمختلف أنواعها.
تجولت كاميرا "أهل مصر"، حول المتحف لمشاهدة جدرانه التي تدل على فن رفيع، ومنقوش عليها تشكيلات معمارية وكرانيش كبيرة بارتفاع 15 مترا عن سطح الأرض، كما تحتوي جدار الواجهة على حليات هندسية، على هيئة رؤوس أحصنة بالحجم الحقيقي للرأس وبجانبها كرانيش على شكل أوراق نباتية وزهور، أمام الباب الحديدي ينقسم إلى جزئين، الجزء العلوي على شكل دائري به حصانين متقابلين والجزء السفلي عبارة عن سياج على شكل مربعات.
وبجانب المتحف ساحة واسعة استخدمت كجراج لصف السيارات، حالت دون الوقوف أمام شرفات المتحف التي صممت أيضا على طراز رفيع، فهي عبارة عن كرانيش على شكل مزهريات تعلو الشرفات التي صممت على شكل دائري.
_ المتحف مقفول من 16 سنة
استكملت "أهل مصر" جولتها لسؤال أحد العاملين بالمتحف عن سر إغلاقه بهذا الشكل، لنتفاجأ أن المتحف مغلق منذ 15 عام وتعرضت مقتنياته للكسر أثناء عملية الترميم، فيقول أحد العاملين: أنه من المقرر أن يفتتح المتحف في هذا الشهر الجاري، مؤكدا أنه كان من المقرر أن يفتتح في عام 2011، لكن الثورة حالت دون ذلك، لافتًا إلى أن هناك خلاف بين وزارة الآثار وبين شركة "حسن علام" المسئولة عن ترميم المتحف.
أما أحد البائعين أمام المتحف في شارع 26 يوليو، يقول إنه في شهر فبراير الماضي أحسوا بحالة من القلق داخل المتحف عرفوا بعدها أن أحد التماثيل الأثرية تعرض للكسر على يد أحد العاملين بالترميم.
_ تاريخ المتحف
ويعد متحف المركبات الملكية ببولاق، أحد متحفين بالقاهرة خصص لعرض مركبات أسرة محمد علي، قبل استخدام السيارات الحديثة والثاني بقلعة صلاح الدين.
ويجسد متحف بولاق التحولات التاريخية بمصر في عهد الخديوي إسماعيل، عندما أصدر أمرا بإنشاء مبنى خاص بالمركبات الخديوية وأطلق على إدارة هذا المبنى ''مصلحة الركائب الخديوية''•
ووقع الاختيار على بقعة في حي بولاق ليكون قريب من السراي بجزيرة الزمالك أمام بولاق، وكان الوصول إليها يتم عبر كوبري قصر النيل المشيد في عهد إسماعيل.
فيما بعد تغير اسم "مصلحة الركائب الخديوية" إلى إدارة الإسطبلات الملكية، إبتداءً من عهد الملك فؤاد ابن اسماعيل، وتنوعت مع هذا التغيير مصادر الحصول على المركبات فبعد الاعتماد كليا على العربات الفرنسية خلال عهد إسماعيل، أخذ المسؤولين عن هذه الإدارة يحصلون على عربات بالمواصفات المطلوبة من الورش المصرية، وكانت تسحب بعد شرائها إلى ورش إدارة الاسطبلات فيتم تعديل الهيكل وتنجيد الفرش وتدهن بالطلاء اللازم ثم توضع عليها التيجان الملكية البارزة وتصبح بعد ذلك معدة للاستعمال.
وفي عهد السلطان فؤاد الأول أيضا، أعيد تنظيم الركائب لتزود بالخيول العربية وبطواقم فنية من المصريين بعد أن كان الأجانب هم الذين يتولون صيانة المركبات.
وارتبطت مصلحة الركائب الخديوية بأهم الأحداث في عهد اسماعيل خاصة، احتفالات افتتاح قناة السويس، حيث شهدت الركائب أيضا استخدام عربات نزهة بمناسبة افتتاح القناة حيث نظمت جولة لملوك وأمراء اوروبا بين آثار مصر ومعالمها إمتدت حتى أسوان.
_ عربات تاريخية
يحتفظ متحف بولاق للمركبات الملكية بعدد وافر من نماذج العربات التي عرفتها مصر أفخمها، على الإطلاق عربة ''الا لاي الكبرى الخصوصي'' التي شهد فيها إسماعيل، افتتاح قناة السويس عام 1869، واستخدمها فؤاد الأول وفاروق ابنه في إفتتاح جلسات البرلمان واستخدمها الأخير في زفافه على الملكة ناريمان عام 1951 .
وتتميز هذه العربة المطلية باللون الأسود، بأربعة فوانيس من النحاس المذهب والبللور، يضاء كل منها بشمعة واحدة تعكس قوة ضوء تعادل خمس لمبات قوة كل منها 60 شمعة، ويعلو كل فانوس تاج من النحاس المطلي بالذهب وإلى جانبها عربات من طراز مختلفة استخدمها زوار مصر خلال افتتاح قناة السويس ومنها عربة خصوصي وهي عربة مكشوفة تشبه القارب وعربة كوبية كانت مخصصة لأفراد حاشية الخديو عند استقبال الأجانب.
وهناك عدة عربات من الطراز المعروف باسم "لاندو" وكانت تستخدم عند استقبال الزوار الأجانب لمصر وتتقدم المحمل المخصص لحمل كسوة الكعبة المشرفة وهي عربات ذات ''كبود'' أو غطاء جلدي يمكن طيه وفي إحدى هذه العربات غادر الزعيم أحمد عرابي مصر عند نفيه.