الحكايات عن نصر أكتوبر العظيم لا تنتهي، ورغم مرور 45 عامًا على الملحمة إلا أن المجند فاروق محمود نائل، ابن محافظة المنيا، ما زال يتذكر تفاصيل ما حدث كأنه كان بالأمس، يجلس في منزله المتواضع ليسرد لـ«أهل مصر» جانبًا من البطولات التي حدثت أثناء الحرب والتي كان شاهدًا عليها ومشاركًا في بعض منها.
يحكي المجند فاروق محمود، أنه التحق لخدمة الجيش المصري في يوم 6 يناير من عام 1968 وكان ضمن أول دفعة تم تأهيلها بعد نكسة 1967 وأطلق عليها «دفعة صلاح»، وفيها تم تجنيد الشباب الحاصلين على المؤهلات العليا ليكونوا على أتم استعدادًا لاستيعاب التطور التكنولوجي في الأسلحة حينذاك.
يتابع «محمود» أنه كان يعمل بمشروع السد العالي ومكث في الخدمة العسكرية 5 سنوات، لم يكن هناك تسريح للمجندين وخلال تلك الفترة التي تسبق نصر أكتوبر كان الجيش يعطي تسريح مؤقت أو تسريح على الاحتياط كنوع من التمهيد للحرب وتكرر ذلك كثيرًا مع كل المجندين، وكان وقتها العدو الإسرائيلي يقوم ببناء السواتر الترابية على أشده.
يتذكر «محمود» جانبًا من خطة «الخداع» الذي أوهمت الجيش الإسرائيلي، حيث نظم الجيش رحلة عمرة شارك فيها القيادات والضباط وأسرهم وبعض المجندين، وكان عددهم 34 فردًا، إضافة إلى تنظيم دوري كرة قدم وألعاب على الجبهة ليوهم العدو بأنه لا توجد نية للدخول في حرب معه، إلى أن جاء يوم العبور حيث اجتمعت قيادات الجيش بالجنود، وطلبوا رفع درجة الاستعداد لأقصى درجة وتكرر ذلك عدة مرات، يقول: «أخبرونا أن هناك احتمال لعبور خط بارليف اليوم ولكن لم نصدق وقتها لأن ذلك كان يحدث وفي النهاية يخبرونا بأنه تدريب على لحظة المعركة ولكن فوجئنا بقائد السرية لأول مرة يطالبنا بالجلوس على الأرض ويخبرنا باحتمالية الحرب، وأعطى تعليمات بمن يرغب في الإفطار ووزعوا وجبات لكل مجند لكنني رفضت الإفطار»
يضيف «بطل أكتوبر»: «حينما دقت الساعة الواحدة والنصف حضرت قيادات الجيش للتفتيش على جاهزية المجندين والضباط ثم اختفوا تمامًا وبعدها بعشر دقائق تحولت قناة السويس بطولها 168 كيلو إلى خلية نحل من المقاتلين وقتها شعرت فعلا أننا نتأهب لخوص الحرب».
ويتابع «محمود»: في تمام الساعة الثانية إلا خمس دقائق هز صوت الطائرات المصرية سماء سيناء، على ارتفاع منخفض وبصيحات «الله أكبر» التي زلزلت الأرض، لتبدأ أول موجة لعبور خط بارليف وشرفت بأن أكون من بينها وكانت عبارة عن مجموعة مجندين يستقلون قارب نيلي لعبور الضفة الشرقية وكان السلاح المكلف بحمله هو مدفع مضاد للدبابات وكان وزنه 305 كيلوجرمات بخلاف الذخيرة وأدوات المجند الحربية وجاكيت النجاة للصعود على خط بارليف لتدمير نقاط تمركز العدو.
يقول المجند فاروق محمود إن خط بارليف لم يكن عبارة عن ساتر ترابي فقط بل كان به نقاط صعبة الاختراق على مساحات كبيرة بناها العدو، عبارة عن حواري ضيقة مسقوفة من قضبان السكه الحديد وبلوكات حجرية حولها أسلاك شائكة من الخارج وأنابيب «اللابالم» وهي عبارة عن مادة تشبه الحديد وأطرافها قرب سطح المياه يصهرها العدو في حال محاولة الجيش اختراقها إلا أن المهندسين الأبطال قاموا بفك أطرافها ليلة العبور ولكن هذه الخنادق كان لابد من تدميرها كليا فهي مخزن للمدفعية الثقيلة الخاصة بالعدو.
وذكر المجند أحد المواقف البطولية، قائلًا إنه كان يحارب في قطاع شمال سيناء وكان معه زميله في نفس القطاع، واقتربت منه دبابة فهاجمها ولكنه لم يصب الهدف وقتلوه لأن جهاز التصوير المستخدم في المدفع يطلق وميض ضوئي بعد الضرب منه، فرأيت العدو وحددت مكان الدبابة وكانت على بعد 500 متر مني ولكني انتظرت حينما رأيت دبابة ثانية خلفها أصابها أحد الجنود المصريين بعطب فاضطروا الجنود للنزول منها ليركبوا الدبابة الثانية وعقب ذلك أطلقت عليهم المدفعية وأصبت هدف العدو وقتلت 6 أفراد ودمرت الدبابة.
نقلا عن العدد الورقي.