حب العمل عبادة، ولكن ترك كلية الطب من أجل عمل آخر خطيئة في مجتمع شرقي كمصر، وخطئية أكبر في مجتمع قبلي كالصعيد، عدولا عن كل الأعراف وشذوذا عن كل القواعد وتحطيما للأسطورة المصرية العمية التي تبدأ بمجموع عال في الثانوية مرورا بدخول كلية الطب وانتهاء في عيادة كبرى تدر له كثيرا من الأموال ويتردد عليها أناس من كل حدب وصوب لكي يعالجون.
حسنين محمود أبو زيد، طالب مصري كان يقطن في جنوب المنيا، وأرغمه والده على دخول كلية الطب بعدما استطاع الحصول على 98% بالثانوية العامة، ونزولا على رغبة الوالد التحق حسانين بالطب وهو لم يحبه يوما ولم يكن بينه وبين هذا المجال أي عمار، كان كل هدفه أن يلبي رغبة والده الريفي الصعيدي، كان والده يريد أن يكون ابنه طبيبا معروفا ليسير بين القوم يقول "أنا ابني الدكتور حسانين".
لم يتحمل الأب صدمة ابنه الذي ألقاها في وجهه ليعلن له بصوت جهور "أنا مش عاوز أشتغل دكتور"، رغم تخرجه من قسم الجراحة العامة من إحدى الجامعات المصرية، تمسك "حسانين بموقفه وحصل على الشهادة ووضعها في "الدرج" وسافر مع إخوته إلى الكويت وكانت هذه هي النقطة الرئيسية التي قلبت حياته رأسا على عقب، ويبدأ "حسانين" في العمل بالتجارة التي يعشقها هو وأخوته، ولأن "المصري معروف بجبروته" و"بنفسه في الأكل" و"وشطارته في التجارة"، نجح حسانين هو وأخوته أن يوسعوا نشاط تجارتهم في بيع الأسماك، وأصبحوا أشهر من النار على العلم في دولة عربية شقيقة وباعوا لهم أنواعا من الأسماك الكثيرة كالبلطي والقرموط وغيرها، حتى شربوا المهنة.
11 عاما قضاها حسانين في الكويت يبيع ويكسب، يفترش الأسماك ويأتي له الزبائن حتى قامت ثورة يناير في 2011، فقرر العودة إلى بلده لكي يحتضنه ويتاجر فيها فربما يكون العيش أوسع والرزق أكبر.
عاد حسانين بمفرده تاركا أخوته، عاد ولكن العود ليس أحمد ليجد والده الذي انتظر ابنه طبيبا قد توفى حسرة على ما آل إليه حال الولد، لم تقف الدنيا على أحد تزوج "حسانين" وأنجب ولم يبق له حل سوى أن يمارس مهنته التي تغرب من أجلها وهي بيع الأسماك، فبدء واعتمد على نفسه وقرر أن تكون له تجارته الخاصة بعيدا عن أخوته، وبدأ بمطعم للأسماك في المنيا، ثم توسعت تجارته وأصبح له سلسلة من المحلات لبيع الأسماك في محافظات مختلفة.
يقول حسانين، إنه ظل واء حلمه حتى تحقق، وأنه يقف بنفسه فى محلاته ويسافر بنفسه لمساعدة بعض العاملين لشراء كميات الأسماك إلى جانب أنه يبيع كميات كبيرة من الأسماك إلى صغار التجار والمواطنين بأسعار محدودة غير مغال فيها، حتى استطعت كسب الزبائن، وتقديم أفضل الأنواع للجمهور، وأنه سعيد بمهنته ولم يندم يوما على تركه مهنة الطب وانشغاله بالتجارة رغم إلحاح والده.
ونصح عددا كبير من الشباب، قائلا لهم لا تنتظروا عمل الحكومة واعتمدوا على أنفسكم والطريق ليس مفروشا بالورود ولكنه ملئ بالأشواك، في ظل الظروف الحالية، قائلا مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة.