قد يكون «قطار الموت» لعبة رائعة تنتشر داخل مدن الملاهي الكبرى، ويُقبل على استقلالها الكبار والصغار حتى يعيشوا المغامرة بسبب سرعة القطارات الجنونية، إلا أنّ القطارات أصبحت أداة للموت السريع في مصر عمومًا ومحافظة الفيوم خصوصًا، فما زالت تحصد أرواح المواطنين دون التفرقة بين كبير وصغير، وتزداد خطورتها مع بدء العام الدراسي، بعد انتشار خطوط السكك الحديدية وسط قرى مركز الفيوم، وأمام المدارس.
ويستغيث أهالي قرى «دوار والشركة والبسيونية وسيلا المحطة» بالمسؤولين يوميًا منذ أعوام بسبب وقوع خط السكة الحديد بين القرية ويقسمها نصفين، وكي يتجه الأطفال للمدارس أو الأهالي لمصالحهم وأراضيهم ومنازلهم، يضطرون إلى عبور السكة الحديد سواء مترجلين أو مستقلين السيارات والدراجات البخارية، أو الدواب، الأمر الذي يتسبب في وقوع كوارث وحوادث يومية بسبب القطار، تحصد أرواح الأهالي الواحد تلو الآخر.
يقول محمد أحمد (57 عامًا) أحد أهالي قرية «دوار» في حديثه لـ«أهل مصر» إنّ القطار في بداية دخوله لمصر منذ أكثر من 160 عامًا كان يُطلق عليه العفريت بسبب سرعته العالية، والوصول للمحطات دون تعب بسهولة كبيرة، ولكنه تحوّل إلى عفريت فعلًا، حيث أصبح يأخذ أرواح المصريين هنا وهناك، ولا يفرق بين كبير وصغير، ولا يمر يوم دون سقوط حالات وفاة دهسها القطار، ورغم تكرار الحوادث في قريتهم يوميًا إلا أنّ مسؤولي المحافظة يتجاهلون شكواهم، ويستمرون في تعريض حياة المواطنين للخطر.
ويتابع «أحمد» أن التلاميذ تصحبهم دعوات آبائهم وأمهاتهم حتى يعودوا في المساء، خاصة بعد تكرار حوادث اصطدام القطارات المفزعة التي انتشرت مؤخرًا حاصدة مئات الأرواح من البسطاء الذين يدفعون ثمن إهمال وتخاذل المسئولين وغياب الرقابة، الأمر الذي ينذر بوقوع كارثة جديدة، وعلى الرغم من صرخات الأهالي فإن الحكومة في وادٍ آخر، مضيفًا أن الذهاب إلى المدرسة رحلة محفوفة بالمخاطر، خاصة أطفال المرحلة الابتدائية ما يمثل خطورة بالغة على حياة الأطفال الذين يأتون إلى المدرسة من الجزر الوسطى.
ويضيف «أحمد» أنّه منذ عدة أيام كانت أسرة قادمة من مدينة الفيوم إلى القرية لتزور أحد أقاربهم المتوفي والمدفون في مقابر القرية، وأثناء عبوره شريط السكة الحديد، ولعدم وجود مزلقان فوجئوا بالقطار يأتي كالصاروخ ولم يتمكن قائد السيارة من عبور السكة الحديد، فأخذه القطار بسيارته لقريتين متتاليتين وتوفي هو وأسرته بالكامل، ولم يمر يوم واحد إلا وكان أحد شباب القرية يعبر السكة الحديد بدراجة بخارية فرحًا باقتراب زفافه، ليدعو أقاربه وأصدقائه، إلا ودهسه القطار وسحقه بدراجته البخارية، وتوفيّ قُبيل حفل زفافه بثلاثة أيام فقط، وبكى عليه أهالي القرية جميعًا.
ويوضح «أحمد» أنّه لا يمر يوم دون وقوع حادث قطار، ووفاة أو إصابة أحد أهالي القرية والقرى المجاورة، مُطالبًا اللواء عصام سعد محافظ الفيوم، بضرورة إنشاء مزلقان على السكة الحديد بالقرية، لإنقاذ أرواحهم وأرواح أطفالهم، مُشددًا على عدم وجود أي معدية أو كوبري أو محطة بالقرية، كما أنّه إذا تم إنشاء كوبري لن يكون عمليًا لأنّ الأهالي يضطرون للعبور للجهة الأخرى بسيارات محملة ببضاعة، فأفضل الحلول هو إنشاء مزلقان يغلق الطريق وقت مرور القطار ويفتحه بعد ذلك.
في سياق متصل، يقول محمد خالد أمين، طالب بالصف الثالث الابتدائي، إنه يشعر بالرعب حين يذهب إلى المدرسة أثناء عبوره شريط السكة الحديد، خصوصًا بعدما صدم القطار تروسيكل يحمل تلاميذ زملائه بالمدرسة العام الماضي، وأنه يقف وينظر جيدًا قبل مروره من على السكة، ليتأكد من عدم قدوم القطار ثم يمر جريًا بسرعة قبل قدوم القطار، قائلًا: "نفسي يعملوا مزلقان نعدي من عليه أنا ببقى مرعوب وأنا بعدي وبجري بسرعة قبل ما القطر ييجي".
وتضيف «أم زياد» أنّهم فوجئوا بمجموعة أشخاص بصحبتهم أعضاء الوحدة المحلية، يقومون بتصوير الطريق وفرح الأهالي كثيرًا متخيلين أنه سيتم إنشاء مزلقان، ولكنهم أصابتهم الصدمة عندما سألوهم فقالوا لهم أنهم يصورونها ليرسلوها للمسؤولين على "الواتس آب" ليتأكدوا من عدم وجود مشكلة، وبسبب عدم وجود ميزانية تسمح بإنشاء المزلقان، وذلك بعدما سألهم المسؤولين عن المشكلة نتيجة نشر أحد الأهالي صورًا لعبور الطلاب السكة الحديد وكتابته شكوى عن ذلك عبر موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك».
وبينما يتحدث الأهالي لـ«أهل مصر» عن معاناتهم، تدخل أحد المارة والتقط طرف الحديث قائلًا: «عايزين مزلقان هيخدمنا كتير أوي، هيخدم 3 عزب السكة الحديد بتمر في نصهم، وبتفصلها نصين، وفيهم 12 ألف ساكن، بينهم موظفين وعُمّال وأطفال كل يوم بيواجهوا الموت مليون مرة، وكل أم بتبقى حاطة إيدها على قلبها ومرعوبة كل يوم من أول خروج ولادها الصبح للمدرسة لحد ما يرجعوا البيت مرة تانية».
ويقول النائب سيد سلطان عضو مجلس النواب عن دائرة مركز الفيوم إنه تقدم بطلب لمكتب وزير النقل لحل مشكلة الأهالي والمطالبة بإنشاء مزلقان أمام عزبة «إدوار» التابعة لقرية البسيونية.
يتابع «سلطان» أن رد الهيئة العامة لسكة حديد مصر، أكد أن قرية البسيونية تقع على خط «الوسطى الفيوم» ويوجد مزلقان جهة الوسطى «مزلقان الناصرية بالكيلو 20» أي يبعد عن القرية مسافة 240 كيلو، ويوجد «مزلقان سيلا شرق بالكيلو 24» أي يبعد 160 كيلو.
وأوضح «سلطان»، أن رد السكة الحديد أكد أنه لا يمكن إنشاء مزلقان جديد على خط السكة الحديد يشكل نقط ضعف في السكة، وخاصة أن الهيئة تتجه نحو تقليل عدد المزلقانات، ونظرًا لتوصيات النيابة العامة بالقضية رقم 14 لسنة 2012 عن حادث تصادم قطار رقم 16 بأتوبيس مدارس، وفي حالة الضرورة يتم دراسة عمل كوبري أو نفق.
نقلا عن العدد الورقي.