في قلب عروس البحر الأبيض المتوسط، يرتفع شامخا بعظمة بنائه، شاهدا على مرور أكثر من خمسة عشر قرنا من الزمان عليه، حيث إنه من أقدم الأعمدة التذكارية وأعلى نصب تذكارى في العالم.
أنشئ عمود السواري بالإسكندرية تمجيدا للإمبراطور دقلديانوس الروماني، ويبلغ ارتفاعه ٢٦,٨٥متر. ولضخامته وتناسق أجزائه لا يزال محل إعجاب الجميع.
أقيم العمود فوق تل باب سدرة، والذي عرف منذ أيام الإسكندر بأنه "أكروبوليس الإسكندرية"، أي المكان المرتفع الحصين الذي تقوم عليه أهم آثارها ومعابدها، وهو نفس الموقع الذي كانت قرية "راكوتيس" الفرعونية تحتله، بين منطقة مدافن المسلمين الحالية والمعروفة باسم "العمود" وهضبة كوم الشقافة الأثرية.
وتعود تسميته بعمود السواري إلى العصر العربي، حيث يعتقد أنها جاءت نتيجة ارتفاع هذا العمود الشاهق بين 400 عمود آخر، بشكل يشبه صواري السفن، فأطلق عليه العرب "عمود الصواري"، والذي تحول إلى السواري فيما بعد.
يقع العمود في مكان متوسط في بهو معبد السرابيوم ـ وهو المعبد الذي سمي في أيام العرب بقصر الإسكندرية - ويقع العمود في مكان بارز بين الآثار القائمة على ذلك التل المرتفع؛ مما يسمح برؤيته من مكان بعيد.
صنع عمود السواري من حجر الجرانيت الأحمر، وجسمه عبارة عن قطعة واحدة طولها 20.75 متر، قطرها عند القاعدة 2.70متر، وعند التاج 2.30 متر، ويبلغ الارتفاع الكلي للعمود بما فيه القاعدة حوالي 26.85 متر.
وجد على قاعدة العمود نقش يوناني، كما وجدت كتلة من حجر الصوان عليها اسم الملك أبسماتيك الأول من ملوك الأسرة الـ26، وعثر في أساسات العمود على كتلة أخرى من حجر الصوان منقوشة بالهيروغليفية، تحمل اسم الملك سيتي الأول من ملوك الأسرة الـ19، وعُثر أيضا في أساس العمود على قطعة مكتوب عليها بالهيروغليفية جزء من اسم الملك سنوسرت الثاني أو الثالث، وكلاهما من ملوك الأسرة الثانية عشرة. وهذه القطعة محفوظة بالمتحف البريطاني.
لم يتم تحديد تاريخ إنشاء هذا العمود على وجه الدقة، لكنه يعود للعصر الروماني.. غير أن الأرجح أنه أُقيم للإمبراطور الروماني "دقلديانوس"؛ تعبيرا عن شكر السكندريين له، لإخماده الثورة التي قام بها القائد الروماني دوميتيانوس في النصف الثاني من القرن الثالث الميلادي، معيدا الهدوء والاستقرار والرخاء إلى المدينة.
عُرف عمود السواري خطأ منذ الحروب الصليبية باسم عمود بومبي، ويرجع هذا الخطأ إلى أن بعض الأوروبيين ظنوا أن رأس القائد الروماني بومبي الذي هرب إلى مصر فرارا من يوليوس قيصر، وقتل بها، ظنوا أن رأسه وُضِع في جرة جنائزية ثمينة، ووضع فوق تاج العمود.