"الله محبة ".. الجملة الأشهر في الإنجيل المقدس والتي تعد جوهر الديانة المسيحية على وجه الخصوص والأديان الثلاثة على وجه العموم بمعانيها وأخلاقيتها الحقيقية وليس كما يروج الحاقدين ومدعين التدين الزائف في كل مكان.
في المستشفى الإيطالي والتي تعد من المستشفيات القلائل في مصر التي تعتمد إدارتها على الراهبات في خدمة وتعليم التمريض التقت "أهل مصر" بـ6 راهبات 3 إيطاليات و3 مصريات في أجواء من الألفة والحب بسكنهن الملحق بالمستشفى وكشفن لنا عن تاريخ خدمتهن وعن تاريخ خدمة الراهبات في المستشفيات كما اكتشفنا أيضًا وجود صداقة قوية ومتينة بينهن وبين أحد الأطباء في المستشفى.
- الراهبات خدمن في الجمعية الخيرية الإسلامية.. وعلمن المواطنين "أصول المهنة"
في البداية تقول "السير بينا" وهي إيطالية الجنسية ولكنها تعيش في مصر منذ عام 1987 عندما أرسلت من الفاتيكان لخدمة التمريض في المستشفى الإيطالي عن تاريخ خدمة الراهبات في التمريض: "بدأت رهبتني الخدمة في البلد منذ عام 1903 وكان عدد الراهبات في ذلك الوقت كبير وعلى الجانب الآخر لم يكن ثمة عدد كبير من مدارس التمريض، وتوجهن الراهبات إلى الخدمة في مستشفيات عدة مثل المستشفى العسكري والجمعية الخيرية الإسلامية بالعجوزة ومستشفى الأمراض العقلية بالمعادي، وتطور الأمر تدريجيًا إلى أن أصبحت الراهبات يعلمن قطاعات من الشعب التمريض وذلك بعد تعاونهم معنا وبالفعل هناك من حصلوا على شهادات في مجال التمريض إلى أن ظهرت مدارس التمريض والتي أصبح معها عدد الراهبات أقل في المستشفيات ما عدا هنا".
وأضافت "بينا " أن قطاعات الرهبنة كثيرة وتضم نشاطات مختلفة، فنحن – الراهبات الإيطاليات - على سبيل المثال نتبع الرهبنة الكمبونية نسبة – نسبة إلى كمبوني – وخدمت تلك الرهبنة في المستشفى الإيطالي منذ بداية نشأتها إلى عام 2007 ومع قلة عدد الراهبات وعدم وجود راهبات جدد أرسلت لنا رئيستنا خطابًا يطالب بانسحابنا من الخدمة ولكن تدخلت السلطات المدنية والكنسية لاستمرارنا في الخدمة وطالبوا بإعطاءنا مهلة عام لنفكر كيف نستمر وبابتكار بدأنا هذا المجتمع المختلف والمتوحد في ذات الوقت من السن والجنسيات والرهبنيات المختلفة. واتحدن لتحقيق هدف معين هو خدمة الإنسان وبدأنا في شكوك من الجميع حول استمرارنا في تلك الخدمة ولكن مع الوقت تحلو الشك إلى حماسة.
- "السير بينا" راهبة إيطالية الأصل.. ومصرية منذ عام 87
تروي سير "بينا" عن بداية وجودها في مصر وتعاملها مع الشعب المصري فتقول: "أنا كنت أعمل بالرهبنة الإرسالية والتي بطبيعة الحال تحكم بألا أظل في بلدي وعندما أتيت إلى مصر في عام 87 دخلت مباشرة في مجال خدمتي وكنت أتعامل مع الشعب المصري عن قرب ووجدت منهم كرم وطيبة، وعلى سبيل المثال عندما كنت استقل أي مواصلة عامة كنت أرى من يترك لي مكانه وعندما كنت أسير وسط الشباب كنت أرى منهم الحماية، وعندما أعود إلى بلدي في إجازة أشعر بأني غريبة فيها لأن حياتي كلها هنا في مصر".
وفي هذا السياق حكت "بينا" عن صداقتها هي والراهبات بالدكتور خالد الباسل وهو طبيب مشهور في الوسط الطبي وعلى علم وخلق أهلاه لترشحه الراهبة -وفق قولها- إلى إلقاء كلمة في مؤتمر بالفاتيكان عن الدين الإسلامي وكان ذلك بناء على طلب السفارة رسميًا: "كان السفير إنجليزي الجنسية وطلبوا مني إن أرشح طبيب مسلم لإلقاء كلمة في الفاتيكان ورشحت لهم الدكتور خالد".
يقول الطبيب خالد: "عندما ذهب إلى السفارة لأحصل على تأشيرة السفر رفض أحد الموظفين – وهو إيطالي ويعيش في مصر – ليسلم بالأمر الواقع، قبل أن تتصل به "بينا" لمعرفة ما حدث بالسفارة فيخبرها بأنه لم يحصل على التأشيرة وهنا اشتكت بينا الموظف لسفير إيطاليا وسفير الفاتيكان ليقول الموظف للطبيب بعد ذلك.. يعني كان لازم تكلم سير بينا"، يتذكر "خالد" موقف إنساني لـ"بينا" ففي أحد أيام أغسطس الحارة كانت تطلي سور السكن بنفسها.
وكشفت راهبة أخرى إيطالية عن كواليس عملها بمستشفى العجوزة التابعة للجمعية الخيرية الإسلامية، فقالت: "كان الراهبات اللاتي يمرضن في هذا المستشفى في ذلك الوقت من إنجلترا وسويسرا، وكان عدد الراهبات يقل وطلبوا من الفاتيكان إرسال راهبات للعمل بالمستشفى وعندما سألوا البابا إن كان لديه مانع فلم يمانع على الإطلاق – كونه تابع لجمعية إسلامية - لأن الهدف هنا سامي ونبيل ونحن نعبد إله واحد والمستشفى الخيري بالعجوزة مستشفى خيري بمعنى الكلمة، فكان يوجد بها 500 سرير لجميع المرضى من جميع التخصصات.
- "السير جوزيبين" تتحدث لغة القلب.. و"ناصرة" جاءت من أقصى الصعيد لخدمة المرضى
أما سير "جوزيبين" لا تتحدث العربية كثيرا لكن تتحدث "لغة القلب" كما وصفتها بينا وهي موجودة بالمستشفى منذ عام 1961. أجدد راهبات المستشفى هى سير "ناصرة" والتي أتت من سوهاج وتحديدًا من مدرسة سان جوزيف للخدمة بالمستشفى الإيطالي، وفي حديث مشترك بين "بينا وناصرة وإليزابيث" والأخيرة راهبة مصرية تتحدث الإيطالية بطلاقة كشفت لنا عن تعلم الراهبات اللغة الإيطالية في المستشفى، وعن اختلاف الرهبنة بين المذهب الأورثوذكسي الذي يأخذ طابع التصوف أكثر ولكن هنا نشاطات إنسانية أيضًا، عن المذهب الكاثوليكي الذي تختلف رهبنته وأنواعها ولكنها موجهة أكثر إلى الصحة والتعليم وذوي الاحتياجات الخاصة.