اختار البريطانيون بالأمس الخروج من الاتحاد الأوروبي، تاركين بذلك القارة العجوز علي وشك الانهيار، بعد أن صوتوا لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، إذ بيَّنت نتائج 90% من المناطق البريطانية التي شملها التصويت تقدم خيار الخروج بنحو 52% مقابل 48% لصالح خيار البقاء.
وحصل معسكر الخروج على أكثر من 16.784 مليون صوت، وهو ما يضمن له الفوز في الاستفتاء، لتكون بريطانيا بذلك أول بلد يخرج من الاتحاد الأوروبي بعد تواجد 43 عامًا.
وبعدما كان التنافس شديدًا بين خياري البقاء والانسحاب في الساعات الأولى لفرز الأصوات، وتقدم خيار الاستمرار بنسبة 50،08%، تغيّرت المعطيات في الدقائق الأخيرة من الساعة الثانية صباحًا، وتقدم خيار الانسحاب إلى حين تبيَّن أنه سيكون الرابح في الاستفتاء.
وبموجب النتيجة الرسمية لنتائج الاستفتاء التاريخي فإن 52% من الناخبين صوتوا لصالح الخروج من الاتحاد فيما لا يزال يتعين فرز عدد ضئيل جدًا من الأصوات، وشهد الاستفتاء نسبة مشاركة كبرى بلغت 72،2%.
وجاء علي رأس ضحايا الاستفتاء ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني الذي أعلن عزمه الاستقالة مشيرًا إلى أن عملية الخروج من الاتحاد سيقودها رئيس وزراء آخر وكان يأمل من الاستفتاء أن ينهي الخلافات حول الاتحاد الاوروبي التي كانت تسود حزب المحافظين منذ الثمانينات ووقف صعود حزب "يوكيب" الذي فاز في الانتخابات الأوروبية في 2014.
ويجري التداول باسم بوريس جونسون زعيم التيار المحافظ في معسكر مؤيدي الخروج من الاتحاد لخلافة كاميرون، إلا في حال فضلت قيادات الحزب شخصية أكثر اعتدالًا من رئيس بلدية لندن السابق الذي يتهمه البعض بالانتهازية.
وتراجعت بورصة طوكيو بنسبة 8%، فيما سجلت أبرز بورصات أوروبا تراجعًا كبيرًا عند الافتتاح، ما ينذر بـ«جمعة سوداء» في أسواق المال العالمية مع قرار خامس قوة اقتصادية في العالم الخروج من الاتحاد الأوروبي، في خطوة غير مسبوقة خلال 60 سنة من تاريخ إنشاء التكتل الأوروبي.
ورغم التهديدات بكارثة اقتصادية تحدث عنها المعسكر المؤيد للبقاء في الاتحاد والمؤسسات الدولية، فضل البريطانيون تصديق الوعود باستعادة استقلاليتهم إزاء بروكسل ووقف الهجرة من دول الاتحاد الأوروبي والتي كانت المواضيع الرئيسية في الحملة المضادة.
وقرروا الانحساب من مشروع انضموا إليه في العام 1973 بعد أن رأوا فيه بشكل أساسي سوقًا موحدة كبرى، لكن بدون الخوض في المشروع السياسي.
وقال زعيم حزب «يوكيب» المناهض لأوروبا نايجل فاراج إنه بدأ «يحلم ببريطانيا مستقلة»، مؤكدًا أن النتيجة تشكل انتصارًا للأشخاص الحقيقيين والناس العاديين.
كما سيهدد قرار الخروج من الاتحاد الأوروبي من جانب آخر وحدة المملكة المتحدة، إذ أعلنت رئيسة وزراء اسكتلندا نيكولا سترجون الجمعة أن اسكتلندا «ترى مستقبلها ضمن الاتحاد الأوروبي»، ممهدة بذلك الطريق أمام استفتاء جديد حول الاستقلال.
وفي ايرلندا الشمالية، دعا «الشين فين» المؤيد للبقاء في الاتحاد الأوروبي إلى تنظيم استفتاء حول إيرلندا موحدة.
ويشكل القرار نكسة كبرى للاتحاد الأوروبي الذي يعاني من أزمة المهاجرين واستمرار الأزمة الاقتصادية.
وفيما تشهد الحركات الشعبوية تقدمًا في أنحاء أوروبا ويجمعها انتقادها لبروكسل، يمكن أن يؤدي قرار البريطانيين إلى خطوات مماثلة لاحقة في دول أخرى.
ودعت زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي مارين لوبن على الفور إلى استفتاء في فرنسا، كما طالب النائب الهولندي عن اليمين المتطرف غيرت ويلدرز بالأمر نفسه لهولندا.
ثم أعلنت وزارة الخارجية الألمانية أن وزراء خارجية الدول الست المؤسسة للاتحاد الأوروبي سيعقدون اجتماعا السبت في برلين للتباحث في تبعات الاستفتاء البريطاني.
وقالت الوزارة في بيان أن «وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينامير سيستقبل السبت 25 يونيو وزراء خارجية فرنسا (جان مارك ايرولت) وهولندا (بيرت كوندرز) وإيطاليا (باولو جنتيلوني) وبلجيكا (ديدييه رينديرز) ولوكسمبورغ (جان اسلبورن) لإجراء مشاورات ومن أجل التباحث حول قضايا الساعة في السياسة الأوروبية».
وصرح وزير الخارجية الفرنسي جان مارك آيرولت في تغريدة على موقع «تويتر» الجمعة إن فرنسا تشعر بالأسف لتصويت البريطانيين مع خروج بلدهم من الاتحاد الأوروبي، ودعا أوروبا إلى التحرك من أجل «استعادة ثقة الشعوب».
وأحدث تصويت البريطانيين هزة كبيرة في أسواق المال، إذ تراجعت البورصات الآسيوية كثيرًا، وانخفض سعر الجنيه الاسترليني إلى أدنى مستوى له منذ 1985 وارتفع سعر الين الياباني.
وأعلن البنك المركزي البريطاني أنه مستعد للتحرك لضمان الاستقرار النقدي والمالي للمملكة المتحدة ويراقب عن كثب تطور الوضع بعد قرار البريطانيين الخروج من الاتحاد الأوروبي.
وسجلت بورصات باريس ولندن وفرانكفورت تراجعًا كبيرًا عند افتتاحها الجمعة.
وسجلت بورصة باريس تراجعًا نسبته 7،87% عند الافتتاح، ولندن أكثر من 7%، بينما خسرت بورصة فرانكفورت أكثر من 10%. كما انخفضت أسهم كبرى المصارف البريطانية بنسبة 30% عند افتتاح بورصة لندن.
وأكد المصرف المركزي الياباني «استعداده لضخ سيولة» بالتشاور مع المصارف المركزية الأخرى، بينما قال وزير المالية تارو اسو إنه لن يقف مكتوف اليدين من أجل تهدئة الأسواق بعد قرار البريطانيين مغادرة الاتحاد الأوروبي.
وكان كل القادة الأوروبيين تدخلوا خلال الفترة التي سبقت الاستفتاء لمحاولة إبقاء البريطانيين داخل الاتحاد، نتيجة الإدراك أن خروج بريطانيا سيشكل تهديدًا لنادي الدول الأعضاء.
وحذرت كل المؤسسات الدولية، من صندوق النقد الدولي إلى منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، من أن خروج بريطانيا سيؤدي إلى عواقب سلبية على الامد البعيد ناهيك عن التبعات الاقتصادية الفورية.