يبدو أن خلف البوابات المزينة والقاعات الفارهة، ذات الأضواء المتلألة في جنبات قصر فندقي فخم يطل على البحر في الدوحة، حكايات عن واقع مظلم يعيشه العمال الفقراء الذين أتوا من بلدان بعيدة لكسب الرزق، لكنهم وجدوا أنفسهم في أحد حقول السخرة في قطر، التي لا تزال تثير جدلا بشأن الظروف الظالمة للعمال الأجانب، حسب ما كشف تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.
ويرتفع أحد الفنادق الفخمة، كقصر فاخر في حكاية خيالية، على جزيرة صناعية متصلة بالساحل في العاصمة القطرية، الدوحة.
وبينما تصطف في مواقف الفندق، سيارات الفيراري والرولز رويس، يتدلى النجف من سقف يبلغ ارتفاعه 20 مترا في البهو المبني بالرخام، حيث يجد الزائر أسعار الجناح الملكي تتجاوز 16 ألف دولار أميركي.
ويشتهر الفندق الذي افتتح عام 2015 بشعبية وسط النخبة في قطر، حيث تتجمع العائلات الثرية في عطلات نهاية الأسبوع، للاستمتاع بغرفه الفخمة وموقعه على شاطئ البحر.
ومع ذلك، فالحياة مختلفة جداً بالنسبة للرجال والنساء الذين يقومون بحراسة السيارات، وتنظيف الغرف وتزيين المساحات الخضراء، وفق ما يؤكد تقرير الصحيفة البريطانية.
فيأتي هؤلاء العمال من بعض أفقر مناطق العالم - جنوب آسيا وشرق وغرب أفريقيا والفلبين، بعد دفع رسوم توظيف كبيرة يصل بعضها إلى 5 آلاف دولار، من أجل العمل في وظائف بسيطة على أمل سد رمق عائلاتهم.
ويعد دفع رسوم إلى وكلاء التوظيف لتأمين وظيفة في قطر، ممارسة منتشرة على نطاق واسع، لكنه يترك العمال عرضة لأعباء ثقيلة من الديون والعمل القسري.
ويتعين على حراس الأمن العمل لفترات تزيد على 12 ساعة، في درجات حرارة تصل إلى 45 درجة مئوية، بينما يحصلون في المقابل على أجر لا يزيد عن 12 دولارا، وهو تقريبا سعر كأس عصير طازج في الفندق الفخم.
ويقول البعض للصحيفة، التي لم تنشر أسماءهم الحقيقة حتى لا يتعرضوا لأذى، إنهم عملوا لمدة ثلاثة أو أربعة أشهر دون إجازة ليوم واحد، لكنهم يتعرضون لخصم في الراتب لمدة خمسة أيام، إذا ما تم ضبط أحدهم نائما خلال مناوبته.
وتكشف المقابلات التي أجرتها الصحيفة مع 19 موظفاً في الفنادق، عن انتهاكات لقوانين العمل في قطر، بما في ذلك المرتبات التي تقل عن الحد الأدنى للأجور، وأن الاستغلال الموثق لعمال البناء في قطر يمتد أيضا إلى قطاع الضيافة.
ويقول أحد الحراس للصحيفة: "هل سبق لك أن وقفت لمدة 12 ساعة متواصلة؟، مضيفا:" في البداية لم أستطع المشي بشكل صحيح لأنني شعرت أن مفاصلي قد خلعت من مكانها. ولكن كان علي أن أفعل ذلك على أي حال، لأنني يجب أن أستعيد المال الذي دفعته للوكيل من أجل جلبي إلى هنا.. يبدو الأمر وكأنك قد تعرضت لضربة قوية في الرأس ألف مرة".
ويعتبر الفندق علامة تجارية حصرية وراقية، مغروسة في التراث الأوروبي. وعلى عكس العديد من سلاسل الفنادق العالمية، تدير هذه المجموعة فنادقها مباشرة بدلاً من امتياز العلامة التجارية.
لكن معظم العاملين، بما في ذلك حراس الأمن والمنظفون وأخصائيو الحدائق، يعملون من خلال مقاولين من الباطن وليس مباشرة تحت إدارة الفندق.
وقالت المجموعة، إنها بدأت تحقيقا في التقارير بشأن رسوم التوظيف التي يدفعها العاملون في الفندق إلى شركات التعاقد من الباطن، واستعباد الديون الذي يمكن أن ينتج عن ذلك، وكذلك معدلات الأجور التي تقل عن الحد الأدنى، والضغط على العمال من أجل العمل في أيام الإجازة والغرامات المفروضة على النوم أثناء الخدمة.
وقال متحدث باسم الشركة "إن الفندق يأخذ هذه المزاعم على محمل الجد.. نحن ملتزمون بأعلى المعايير الأخلاقية كمشغل فنادق دولية فاخرة. وبالمثل، نتوقع أن تلتزم جميع شركات التعاقد من الباطن بهذه المعايير نفسها. ونظرًا لخطورة هذه الادعاءات، قمنا بإجراء تحقيق وسنتخذ الإجراء العلاجي المناسب كما هو مطلوب."
ونقلت الغارديان عن بوبي ستا ماريا، من مركز موارد الأعمال وحقوق الإنسان قوله، إن "المعايير الدولية واضحة. تقع على عاتق الشركات مسؤولية احترام جميع العاملين في عملياتها وسلاسل التوريد، وليس فقط تلك التي تستخدمها مباشرة. وهذا يعني أن الفنادق يجب أن تستخدم نفوذها مع المتعاقدين من الباطن لضمان معاملة العمال بشكل عادل وعدم استغلالهم ".
وتعد شهادات العمال بمثابة تحذير صارخ لسلاسل الفنادق الدولية، التي تفتح بشغف عقارات جديدة استعدادا لكأس العالم في عام 2022، والذي أخذ سمعة سيئة بسبب مئات الوفيات بين العمال في أعمال إنشاء الملاعب والبنى التحتية.
ويقول أحد عمال تزيين الحدائق، ويدعى رفيق، إنه كان يعمل في الحدائق المحيطة بالفندق لمدة ثلاث سنوات، لكنه لم يستطع حتى الآن تسديد الديون عليه جراء رسوم وكلاء التوظيف.
فعندما عرض عليه أحد وكلاء التوظيف في بلده العمل في قطر، كان الراتب المقترح 350 دولارا في الشهر، كان الأمر يبدو جيدا بالنسبة له في بادئ الأمر، واستدان من أجل دفع مبلغ 4 آلاف دولار كرسوم توظيف للوكيل، أي ثلاثة أضعاف متوسط الدخل السنوي في بلده.
وفي المطار، قبل ساعات قليلة من مغادرة بلاده، حصل على العقد من أجل التوقيع، ليجد الراتب نصف ما وعده به الوكيل.
ويقول رفيق: "لم يكن لدي خيار سوى التوقيع عليه.. لقد دفعت بالفعل الكثير. اضطررنا للهروب ".
أما زميله في العمل، فقد وقع ضحية لنفس الاحتيال: "لقد صدمت لرؤية العقد.. تملكني الغضب، ثم أدركت مع الوقت أنه لا يوجد ما يمكنني فعله حيال ذلك". ويضيف عامل آخر:" "إنه غش صريح".
ولا يزال راتب رفيق الأساسي 600 ريال قطري فقط (165 دولارا) ، وهو مبلغ يقل كثيراً عن الحد الأدنى للأجور البالغ 750 ريالاً الذي أعلنته الدوحة في نوفمبر الماضي.
وكان الحد الأدنى للأجور جزءًا من حزمة إصلاحات أعلنت عنها السلطات القطرية، في محاولة لدرء تحقيقات الأمم المتحدة بشأن العمل القسري في الإمارة.
وسحبت الأمم المتحدة تحقيقاتها، لكن تقرير الصحيفة البريطانية أثبت أن الأمر لم يتغير في الدولة المضيفة لكأس العالم.
وبالنسبة لحراس الأمن في الفندق، فيعملون ساعات إضافية بنسبة 50 في المئة عما تم الاتفاق عليه في العقد.
وقال أحدهم، ويدعى جيمس، إن الشركة الأمنية التي وظفته دفعت تكاليف توظيفه، لكن ذلك لم يمنع الوكلاء في بلده من التسلل إليه، حيث تعين عليه أن يدفع أكثر من 1500 دولار، الأمر الذي استغرق منه سبعة أشهر لتسديده.
وأضاف:" "عندما جئت إلى هذا (الفندق) بدأت أشعر بالندم على القدوم إلى قطر ... حياتي هنا صعبة للغاية".
ويتعرض حراس الأمن للضغوط من ديونهم وأرباب العمل. وفيما يحصل غالبية العمال على راحة لمدة يومين فقط في الشهر، يقول بعض العمال، إنهم عملوا من ثلاثة إلى أربعة أشهر دون قضاء يوم عطلة واحد.
وقال أحدهم، إنه لم يستطع الحصول على إجازة لمدة 15 يوما إلا بعد 19 شهرا من العمل.
وبحلول الوقت الذي انتهى فيه العمال من أداء واجباتهم وسافروا مرة أخرى إلى معسكر السكن على بعد أكثر من ساعة، أصبح إجمالي عدد الساعات التي يقضونها يوميا في العمل والذهاب والإياب منه، نحو 15 ساعة.
وقال بعض حراس الأمن، إنهم ينامون أربع إلى خمس ساعات كل ليلة، مما يجعلهم يكافحون من أجل الصمود في الخدمة.
وأوضح جون، وهو أحد الحراس في الفندق: "إذا حصلت على يوم عطلة ، فإنني أنام فقط."
والنوم خلال الخدمة بسبب الإرهاق الزائد له ثمن باهظ، بحسب الحارس راجو الذي قال للصحيفة: "غلبنى النعاس أثناء الخدمة في كوخ للحراسة.. أحد الأشخاص من الفندق قام بتصويري وإرسال الصورة إلى رئيسي في العمل، فاقتطعوا من راتبي 200 ريال ( 55 دولارا)"، وهو ما يعادل أجر 5 أيام.
وبالنسبة للبعض، فهناك ثمن نفسي يدفعه العامل أيضًا، بحسب الحارس الأمني تشارلز، الذي وصف شعوره قائلا: "أشعر بالاكتئاب... لا يمكنك أن تعيل عائلتك، ولا تحتفظ بما يكفي لنفسك، بل يصبح الأمر مرهقا للغاية".
وأضاف: "ليس هناك فرصة للمطالبة بحقوقك.. تستيقظ فقط وتذهب إلى العمل وعندما ينتهي وقت العمل، تذهب إلى السكن".