يعتبر الفرن البلدي "الفلاحي"، أحد العناصر المميزة والجوهرية للريف المصري الأصيل، فضلا عن كونه معبرًا عن الهوية المصرية، فكانت أغلب البيوت القديمة لا تخلو منه، علاوة على وجود بعض الأفران بالشوارع، ليحتل الفرن البلدي مكانة كبيرة، بالإضافة لكونه وسيلة لتجمع السيدات بالقرية، أو على الأقل الأقارب، وذلك للقيام بأعمال "الخبيز" المختلفة، لشتى الأنواع من الرقاق والعيش الشمسي والعيش الردة وغيرها، بالإضافة إلى طهي معظم الأطعمة به، كالبطاطس والأرز المعمر، لذا نستطيع القول بأن الفرن البلدي كان بمثابة عمود المنزل قديمًا.
لكن مع التقدم والتطور التكنولوجي ظهر الفرن الغاز، وغابت عادة بناء الفرن البلدي بالمنازل تدريجيًا، بل كادت تختفي، وبقي كذكرى جميلة للتواصل والتلاحم بين أهالي القرية، حتى ارتفعت أسعار أنابيب الغاز، مما اضطر بعض الأسر بالريف، إلى العودة مرة أخرى لبناء الفرن البلدي، ولكن هذه المرة ليس بالبيوت- التي طغى عليها الطابع الحديث بعد أن كانت بالطوب اللبن- بل بالشوارع المحيطة، ليتحول إلى صدقة جارية بالقرى لخدمة الأهالي بدون مقابل، نظرًا لأن هذه الفكرة تعتبر جديدة نسبيا على القرى، قامت كاميرا "أهل مصر"، بجولة ميدانية لإحدى قرى مركز السنطة، محافظة الغربية، للاقتراب أكثر من فكرة بناء الفرن البلدي كصدقة جارية.
"أنا بانية الفرن ده ثواب، بدون مقابل، واللي عايز بيحجزوا قبلها بيوم"، بهذه الكلمات بدأت "أم هاشم"، 65 سنة، من قرية كفر سالم النحال، التابعة لمركز السنطة حديثها قائلة: "أنابيب الغاز غليت وبعض الناس مبتقدرش تشتريها ففكرت أعمل فرن بلدي هنا في الشارع - بجوار البيت - منها أساعد الناس وفي نفس الوقت أخد ثواب".
أضافت "أم هاشم"، أن الفرن يصنع من أشياء بسيطة، متوفرة لدى الفلاحين بشكل عام بالقرية، وهي الطوب والطين، ويتم تشغيله بالقش أو الحطب أو الخشب.
ومن جانبها أوضحت "أم آيه" إحدى سيدات القرية التي تستخدم الفرن، "قبل ما نحدد يوم معين نخبز فيه، بنستأذن الحاجة أم هاشم قبلها بيوم، وإذا كان فاضي بنخبز فورا، لكن ساعات بنقعد بالكام يوم على ما نلقيه فاضي".
أضافت الحاجة سعدية، "البيوت زمان كانت لا تخلو من الفرن الفلاحي، وكان بيشتغل كل يوم من الصباح للمساء، أما الآن فاصبحوا ينتظروا دورهم ليستخدموا الفرن، وذلك بعد إرتفاع أسعار أنابيب الغاز، الأمر الذي دفعهم للعودة لإستخدام الفرن البلدي؛ لتوفير الغاز".
وأشادت "أم كريم" إحدى سيدات القرية، بدور الحاجة أم هاشم في بناء الفرن البلدي لخدمة أهالي القرية، قائلة: "ربنا يخلي الحاجة أم هاشم اللي بنت الفرن ورجعتنا لأيام زمان على رأي الست أم كلثوم، خاصة في أيام العيد بيكون الفرن زحمة، ومع ذلك بنستنى دورنا، لأن الكحك بيكون ليه طعم تاني فيه، والأطفال بيكونوا سعداء وهما بينقشوا الكحك وبيلعبوا حوالينا".