قال الرئيس عبدالفتاح السيسي، إن التكلفة الإنسانية والمالية والأخلاقية التي دفعتها دول المنطقة التي شهدت صراعات وأزمات، أكبر بكثير مما لو كان استمر الوضع فيها دون تغيير، مضيفًا "مش هتكلم عن التكلفة المالية، لكن عاوز أقول يا ترى الطفل اللي قعد في معسكر لاجئين هتطلع شخصيته عاملة إيه؟"، مشيرًا إلى أن التغيير بالقوة يخرج عن السيطرة في غالب الأحيان، ما ينتج عنه عواقب وخيمة، مؤكدًا: "عندما تخرج الأمور عن السيطرة مثلما حصل في دول المنطقة التي شهدت الصراعات، ينتج فراغا هائلا، ما يؤدي إلى تدافع القوى المحلية والأجنبية والخارجية من أجل التدخل في شؤون هذه الدول، وتتداعى مؤسسات الدولة، في مقدمتها المؤسسات الأمنية والقوات المسلحة، ثم تتبعها بقية المؤسسات".
وأضاف السيسي، خلال كلمته في فعاليات جلسة "ما بعد الحروب والنزاعات.. آليات بناء المجتمعات والدول": "بالتحرك غير المدروس في بلادنا اللي مش هقول عنه إنه مؤامرة، بالتحرك ده فتحنا أبواب الجحيم على بلادنا، وكنا مرشحين لده، وقولت من سنتين تلاتة خلي بالكم من الانتحار القومي"، مشددًا، بأن دول المنطقة في حاجة إلى الحوار مع النفس، لكبح جماح التغيير غير المدروس، والذي يسفر عنه انهيار الدول ومؤسساتها، لافتًا إلى أن التغيير غير المدروس يسبب تدمير الأوطان تدميرًا كاملًا "حتى وإن كان بحسن نية"، موضحًا: "مع كل الجهد اللي بنعمله، كل اللي بنتمناه إننا نصل للحالة اللي كنا موجودين عليها قبل 2011 في مصر، وكل الناس الموجودة في الدولة، تقول إن الجهد المبذول غير مسبوق".
وتابع حديثه: "لما فتحنا الباب للفوضى من غير ما نقصد، نتج عنها استخدام السلاح من الجماعات اللي كانت عايشة معانا في مصر وموجودة، بقى في ناس عندها استعداد للقفز على السلطة حتى لو استخدمت السلاح".
وتطرق الرئيس السيسي إلى الأوضاع في سوريا قائلًا: "أقل التقديرات بشأن إعادة الإعمار في سوريا تبلغ 300 مليار دولار، وأقصى تقدير تريليون دولار".
وأضاف: "عاوز حد يقولي أي حكومة في سوريا هتقدر تعمل إيه مع التحدي ده؟ أنتم فاكرين إن حد في العالم هيمد إيده عشان يدفع 300 مليار؟، دول بيتخانقوا على 10 مليار".
واستطرد: "الصراع اللي في العالم على النفوذ والأموال، حد هيديك 300 مليار عشان تصلح بلدك، مش أنت اللي كسرتها، مش أنت اللي خربتها، أنا أصلح لك ليه، أنا أبني لبلدي ولشبابي، أنتم اللي عملتم في بلادكم كده، وأنتم اللي بتخربوا بلادكم"، مؤكدًا أن الحفاظ على الدول الوطنية في ظل ما تعيشه المنطقة من صراعات وحروب، أمر صعب للغاية".
وأضاف السيسي: "كل يوم بنعيش في مرار ومعاناة لأجل ما نحافظ على بلدنا وعلى مصير 100 مليون مصري".
وتابع: "دكتور غسان سلامة بيقول إن ليبيا بتقدر تاخد دولارات من مصادرها البترولية، إحنا في مصر معندناش يا دكتور، كانت هتخرب وتضيع ومترجعش تاني، وملايين المصريين كانوا هيهاجروا في أوروبا أو يضيعوا في البحار والصحراء".
وشدد الرئيس السيسي، على أن الفراغ الذي يسببه التغيير غير المدروس مثلما حدث في دول المنطقة، لا يملؤه إلا "الأشرار".
وحذر السيسي الشعوب قائلًا: "حتى لو الحكام اللي قبل كده مش جيدين، أوعوا من الشعارات والكلام المعسول الذي يؤدي بكم إلى الضياع، اشتغلوا، اصبروا، تحملوا، قاسوا، عانوا، بس متعانوش من الخراب".
وأكمل حديثه: "لو دمرتم بلادكم لن تعود، أفغانستان بقالها 50 سنة لم تعد، كم مليون ماتوا في سوريا والعراق؟، إحنا بنتكلم على إنقاذ أوطان وملايين، إذا كنا بنحترم الإنسانية بجد، وبنقول إننا بشر حقيقيين، قولوا للناس الحقيقة، علشان يبقى عندنا إنسانية بجد مش بندعي الإنسانية".
وتحدث السيسي عن معسكرات اللاجئين قائلًا: "قولي مين يرجع القيم الأخلاقية والإنسانية اللي كانت موجودة في مجتمع بعد ما يدخل في معسكرات اللاجئين 10 سنين؟"، مؤكدًا إنه في فترة ما بعد الأزمات يبدأ الكلام عن هدم مؤسسات الدولة، ومعايير الدولة الضائعة، والقيم الإنسانية التي ستهدر.
وتابع: "أنا عاوز أقول للناس، أنتم لا تقاومون الإرهاب فقط، هذا الأمر تغذية للإرهاب، لأن البشر في الغالب برامج إعادة إعمارهم نفسيًا وإنسانيًا ضخمة جدًا، هيصلحوا الطرق ولا نوفر فرص عمل ولا هنجهز مستشفيات؟ لا ده ولا ده ولا ده".
وقال الرئيس السيسي، إن البنية التحتية التي تحطمت في دول المنطقة التي شهدت الصراعات والنزاعات، هي أصعب إشكالية تواجهها هذه الدول.
وتساءل: "في مصر بنستهلك 3.5 مليار دولار شهريًا، مين يجيبهم لمصر لما تحصل فوضى وخراب، الناس هتعيش إزاي؟".
وأردف: "كلنا محتاجين بما فيهم أنا، نتعلم مقومات الدول والحفاظ عليها لاستمرارها، لإن في كتير من الناس اللي درست كويس مش بتحط الصورة الكلية للدولة، وتعرف إن ده تحدي من أكبر التحديات اللي الإنسانية كلها بتتنافس على استمراره".
وأضاف السيسي: "أنا هنا لكي أسجل أمام الله وأمام الجميع، أن الحفاظ على الدول هو حق من حقوق الإنسان"، متابعًا: "جميع الشباب هنا وفي العالم في حاجة إلى معرفة كيفية الحفاظ على مقدرات الدول".
وواصل: "عندما تخرج الأمور عن السيطرة مثلما حصل في دول المنطقة التي شهدت الصراعات، ينتج فراغا هائلا، يؤدي إلى تدافع القوى المحلية والأجنبية والخارجية من أجل التدخل في شؤون هذه الدول، وتتداعى مؤسسات الدولة، في مقدمتها المؤسسات الأمنية والقوات المسلحة، ثم تتبعها بقية المؤسسات".
وأكد الرئيس السيسي، إن الشعب المصري انتبه للدرس الذي حدث في دول المنطقة بسرعة، بفضل وعيه، قائلًا: "الدليل على وعي المصريين هو إجراءات الإصلاحات الاقتصادية، التي كانت من أقسى الإجرءات في تاريخ مصر الحديث، لو مكنش المصريين استوعبوا وحريصين على بلدهم، كانوا اتحركوا عشان يغيروا".
وتابع الرئيس معلقا على الوضع في سوريا: "بعد النزاع ما ينتهي هيبقى في إعادة الإعمار وهندخل في إشكاليات كتير، عاوز تعمل دستور عشان البناء الدستوري اللي اتحطم، فلما نيجي نعمل تعديل دستوري، هنتخانق شهور طويلة، نعمل دستور ويبقى في عوار، أحسن ما ميكونش فيه دستور ونقعد نتخانق".
وفي نفس الإطار، قال غسان سلامة مبعوث ليبيا لدى الأمم المتحدة، إن من المشكلات والأزمات التي تواجه ليبيا هي أنها أصبحت معبر للمهاجرين غير للشرعيين، وأيضا معبرا للإرهابين، مشيرًا إلى أن ذلك ظهر بعد الهجوم عليهم في سوريا والعراق، حيث بدأ عدد منهم يتخذ من ليبيا ملاذا له بسبب ضعف الدولة حاليا، وهشاشة إمكانية سيطرتها على حدودها.
وأضاف سلامة، خلال كلمته في فعاليات الجلسة، أنه لا يمكن أن يكون نظرنا قصيرا ونقول نحارب الإرهاب فقط علينا أن نبني دولة من خلال شرعية موحدة في ليبيا، لأن الدول الخارجية ستبقى عاجزة عن معالجة الموضوع إن لم يكن لها مخاطب داخلي واحد وشرعي وهو الدولة الليبية التي نحاول اليوم أن نعيدها مرة أخرى.
وتابع سلامة، أن هناك أمورا مشتركة في الأزمات التي يمر بها الوطن العربي، وهناك أزمات خاصة بليبيا فقط، من تدخل العناصر الخارجية بسبب النفط والبترول لأن ليبيا دولة ثرية، مشيرا إلى أن ليبيا تنتج نحو مليون و300 ألف برميل من النفط، وساهم ارتفاع أسعار النفط أن يكون العائد أكثر من 15 مليار دولار في النصف الأول فقط من العام.
وأوضح سلامة، أن المشكلة في ليبيا توزيع العائد النفطي على مختلف الجهات، والحرب في ليبيا هي حرب على الثروات وليست حرب على الأيدلوجيات أو الأفكار أو المناطق، وهي حرب يغذيها التنافس الداخلي على الثروة، وهنا تدخل العناصر الخارجية لأن لها مصالح تتعلق بثروة البلاد الأساسية من النفط والغاز والذهب.
وأكد أن الحوار هو أصعب أنواع النزاع، لأنك في النزاع تخاصم الآخر، أما في الحوار فأنت تخاصم نفسك، لأنه يجب أن تتقبل الآخر، وتستمع إليه وتحترمه.
فيما قال المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، إن الأمم المتحدة عملت على اتباع سياسة الجمع بين أطراف النزاع وجعلهم يتحدثون مع بعضهم البعض بدلًا من الدخول في صراعات خلال السنوات الماضية.
وأضاف دي مستورا: "لقد قمنا بأحد الأشياء التي سيقدرها الرئيس السيسي، لأنها مرتبطة بالخبرات العسكرية، ففي إثيوبيا عانت الدولة من المجاعة وتمكننا من نشر الناتو، حيث نظم طلعات جوية تلقي بالطعام والغذاء هناك، لذلك كان ذلك يستدعي قدرات عسكرية تنقذ الناس، وبهذا انتهت الحرب الباردة".
وتابع: "الأمر الآن صار أكثر تعقيدًا، ولذلك لا ينبغي علينا أن نركز فقط على إعادة الإعمار في سوريا، بل يجب أن نركز على إعادة الإعمار النفسي والاجتماعي، حيث حصدت الحرب أرواحًا كثيرًا، ولذلك نعود مرة أخرى إلى العملية السياسية".
وأكد أنه بمجرد الانتهاء من العملية السياسية في سوريا، فإن الأمور ستعود بنفسها، لأن عددًا من الدول سيشعر بالارتياح، كما أن عددا كبيرا من البلدان الأوروبية تنوي أن تدخل بثقلها في عملية إعادة الإعمار، بدلًا من أن يصبح السوريون لاجئين.
وأوضح: "السوريون يريدون العودة إلى بلادهم، لكنهم يريدون أن يشعروا بأن هناك عملية سياسية تشعرهم بالطمأنينة، وهناك أيضًا عمليات دستورية تهدئ من روع الجماعات المهمشة، وتشرع في إعادة الإعمار الحقيقي، هذا ممكن".
وطالب دي ميستورا الشباب الحاضر بتوجيه بعض الأسئلة إليه، ليقوم شاب ويقدم الشكر له متسائلًا: "كيف لمنظمات حقوق الإنسان التي تدعم الدول بعد الحروب التي شهدتها دول الشرق الأوسط، ومع ذلك نجد صدور بيانات تتحدث عن مفهوم حقوق الإنسان موجهة لدول مثل مصر أثناء ما تواجه مصر الإرهاب والمتطرفين، فنجد بعض المنظمات توجه بيانات لا تتوافق مع الدول التي تواجه الإرهاب نيابة مع العالم، بما لا يتوافق أيضًا ما دعم الأمم المتحدة لهذه الدول في حربها ضد الإرهاب، نحن بحاجة لرد واضح على هذا".
ورد المبعوث الأممي السابق لسوريا، أنه ليس متأكدا من الرسالة التي يود أن يرسلها الشاب مضيفًا: "لو هناك أمر واحد يوحد الدول من بروكسل إلى القاهرة واسطنبول، فهو علينا أن نحارب الارهاب، لكن يتعين علينا القيام بذلك مع احترام حقوق الانسان".
ووجهت شابة آخرى سؤال لـ"دي ميستورا" قائلة: "هل تعتقد أن أمد الحرب في سوريا قد زادت من قوة المجموعات الارهابية التي صارت عابرة للحدود وتهدد الامن والسلم الدوليين؟".
ليجيب ميستورا: "الوضع كان الصراع في بيئة محلية توسع إلى بيئة إقليمية، وانخرط عدد من الدول في هذا الموضوع، وأصبح على الكثير داخل سوريا أن يتركوا الأمر للسوريين، وهو ما يعني السيادة الوطنية وهذا يجب أن يتحقق تحت ظل الانتخابات الوطنية".
وقال المبعوث الدولي ستافان دي ميستورا، إن عندما نصل لنهاية النزاع المعقد في سوريا، لابد من وضع الدستور وأن نبدأ في إعادة البناء، وفي هذه الأثناء نستطيع أن نعد للانتخابات، وجمع كل من تم استبعادهم، وهناك الكثير يشعرون بالإقصاء وأن أصواتهم لا تصل والعملية الدستورية يجب أن تضمن كل الفئات والأطياف، وهذه أفضل طريقة لإحلال السلام.
وأكد دي ميستورا خلال حديثه بجلسة "ما بعد الحروب والنزاعات.. آليات بناء المجتمعات والدول"، على أن كسب الحروب أسهل بكثير ولكن إحلال السلام يتطلب الكثير من العمل، شارحا أن السر في سوريا هو الإدماج، فالأغلبية في سوريا يشعرون أنهم لا يتم إدماجهم، والأقلية هي المسؤلة منذ وقت طويل، والنزاع خلف الدمار الكامل للدولة، ويستفيد منه الإرهابيين، ويجب إدماج الجميع، وإلا من يشعر بالإقصاء سيبدأ تحت اسم آخر من أسماء الإرهاب.
فيما قالت وزيرة التغير المناخي في باكستان زارتاج جول، إنها حضرت منتدى شباب العالم؛ لتمثيل بلادها في هذا الحدث المهم.
ووجهت زارتاج، خلال كلمتها ضمن فعاليات جلسة "ما بعد الحروب والنزاعات.. آليات بناء المجتمعات والدول" ضمن فعاليات منتدى شباب العالم، التحية إلى الرئيس عبدالفتاح السيسي، مؤكدة أن بلادها تعيش مرحلة ما بعد النزاع: "الذين تعاملوا مع اللاجئين يعرفون ما يعني أن تكون لاجئا".
وقالت وزيرة التغير المناخي الباكستانية: "فقدنا مئات الآلاف من المدنيين الأبرياء الذين دفعوا ثمن الحادث الإرهابي في 11 سبتمبر، وكان لا بد أن نتعامل مع من تضرروا من هذه الحرب، حتى الآن ندفع ثمنا باهظا من هذه الحرب".
ودعت زارتاج جول الحاضرين في المنتدى لزيارة باكستان لمشاهدة ما يجرى تحقيقه، والمعايير والمثل الجديدة، وكيفية معاملة الشباب والمرأة، وتمكينهم وما حققوه من خطوات للأمام، مضيفة: "نرجو أن يتقبلنا العالم بتقاليدنا وما حققناه".
فيما أعرب كريستيان دوسي مدير مركز جنيف للسياسة الأمنية، عن سعادته بوجوده في منتدى شباب العالم.
وقال دوسي، خلال كلمته، إنه لا ينبغي أن ننتظر اندلاع النزاعات والحروب حتى نصل للسلام، بل يجب أن نعمل على بناء أسس السلام أولا.
وأضاف أن الشباب يمثل الغالبية العظمى للسكان، وأن القرار 2050 للأمم المتحدة بشأن الأمن والسلم يتمحور حول التركيز على الشباب، وهو محور كل السياسات السلمية، فالعنف والتطرف نابعين من أوساط الشباب، ولا بد أن نتأكد من إدماج الشباب في عمليات حفظ السلام، الآن لدينا استشاريون سياسيون من الشباب، ويتقدمون بآرائهم المفيدة في كل المؤتمرات.
وأوضح أن المحور الثاني هو التعليم، وهو مهم جدا في المجتمعات الهشة، نتخيل أن لدينا هاتف جوال نقوم بتحديثه أسبوعيا فسيعمل بشكل جيد، ما المرة الأخيرة التي قمتم فيها بتحديث هاتفكم الجوال؟، نحن نشرف في جينيف على 80 دورة تدريبية كل عام للشباب، ولو كنا مشغولين بحيث لا نتعلم فلن نحقق طموحاتنا.
وتابع: "من العوامل أيضا هو القيادة، عن طريق العمل على الذات للوصول إلى مرحلة القيادة لدى الشباب، والوقاية من أهم العناصر، هناك السلام الإيجابي، بدلا من النظر لما بعد الحرب، لا بد للنظر إلى الأمم التي تسير على ما يرام، نوعية العناصر لديها مثل الشفافية وسيادة القانون".