يبدو أن مجلس النواب، في حاجة إلى أن يتمهل ويتأنى كثيرًا قبل إقرار أي قانون يمس الدولة أو المواطنين، ويأخذ نصيبه من المناقشات اللازمة والتوصل إلى حلول توافقية إذا كانت هناك مواد محل خلاف، حتى لا يتفاجئ البرلمان بعودته إليه من جديد، في ظل ازدحام أجندته التشريعية والملفات الجماهيرية الواقعة على عاتقه.
فمنذ أسابيع قليلة، أعاد الرئيس عبدالفتاح السيسي، قانون التجارب السريرة، ورفض التوقيع عليه إلا حين الأخذ بالملاحظات التي أبدتها اللجنة الإستشارية التابعة لرئاسة الجمهورية.
وبعد عام ونصف من تصديق مجلس النواب على قانون الجميعات الأهلية، بعد حالة واسعة من الجدل والإثارة والخلافات والمناقشات الحامية بين نواب البرلمان والمعنيين بعمل الجميعات الأهلية في مصر، والتي انتقلت من قبة البرلمان صباحًا إلى استديوهات مدينة الإنتاج الإعلامي ليلًا عبر برامج التوك شو، وهي المعركة التي حاول فيها البرلمان أن يثبت فيها نفسه، ورفض الانصياع لاعتراضات ومطالب الجمعيات الأهلية، وأقرّ في النهاية هذا القانون، مدافعًا عنه وعن أهميته.
وتكمن اعتراضات العاملين في الجميعات الخيرية والتنموية، حول ما تضمنه القانون من شروط جاحفة حول عمل الجميعات في مصر وأنشطتها ومصادر تمويلها، رأوا معها أنها تغلق الطريق أمام عملهم، وتفرض عليهم عقوبات رادعة، دفعت الكثير منهم أن يتخذ قرارًا بوقف أنشطتهم خوفًا من الوقوع تحت طائلة هذه العقوبات، كما حملت مواده، كلمات مطاطة تحمل أكثر من معنى، وهو ما دفع عدد منهم إلى إرسال اعتراضات إلى رئاسة الجمهورية يؤكدون فيها أن خروج القانون بشكله الحالي، سيقضي على عمل الجميعات الأهلية في مصر، في الوقت الذي تدعو فيه الدولة إلى المشاركة.
لكن الدولة انحازت لرأي البرلمان، وصدّق الرئيس على قانون الجميعات الأهلية وتم نشره في الجريدة الرسمية، في عدد 29 مايو من عام 2017.
ومع زيادة حدة الاعتراضات الرافضة لخروج القانون في شكله الحالي، والتي انتقلت من دائرة الأصوات المحلية إلى دائرة الأصوات الدولية، والتي نقلها ممثلين عن حكومات ووزارات أجنبية خلال لقاءاتهم الرسمية مع ممثلي الحكومة المصرية.
تراجعت الدولة ممثلة في الحكومة آنذاك عن إصدار لائحته الداخلية والخاص بقانون الجميعات الأهلية، وبالتالي أصبح العمل به معطلًا حتى وقتنا الحالي، قبل أن يبدي الرئيس السيسي موافقته على اقتراح تقدم به إحدى المشاركات في فعاليات منتدى شباب العالم، الذي أُسدل الستار عليه منذ ساعات، والذي انعقد في مدينة شرم الشيخ، واستمر لمدة ثلاثة أيام، وأمر الرئيس بتشكيل لجنة وإجراء حوار مجتمعي قبل أن يعود للبرلمان من جديد.
ومنذ ساعات، قررت حكومة المهندس مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، تشكيل لجنة لتعديل القانون رقم (70) بشأن تنظيم عمل الجمعيات والمؤسسات الأهلية، بما يحقق طموحات المجتمع المدني، ويعكس ثقة الدولة فيه، باعتباره شريكاً في التنمية، وفي بناء الدولة. في استجابة سريعة لتوصيات منتدى شباب العالم، وتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية.
وتضمن اللجنة ممثلين عن وزارات: التضامن الاجتماعي، والخارجية، والعدل، على إقامة حوارٍ مجتمعيْ حول هذا القانون، بما يفتح أبواب مساهمة الجميع في بناء الوطن
النائبة سحر عتمان، عضو مجلس النواب، أكدت أن الرئيس عبدالفتاح السيسي أحسن صنعًا عندما استجاب لمطالب الكثير بتعديل قانون الجميعات الأهلية، حسمًا لحالة الغلط والجدل التي صاحبته.
وأضافت:" أن هناك كانت اعتراضات واسعة من النواب أنفسهم، حول بعض المواد والبنود الت تضمنها القانون، لاسيما المواد المتعلق بالإشهار والتسجيل وتلقي التمويلات، مشددة على أن البرلمان سيبحث المواد الخلافية التي سيتضمنها تقرير اللجنة التي تم تشكيلها وسيأخذ بها بعين الاعتبار، حتى يخرج القانون في صورة توافقية.
النائب محمد أبو محمد، وكيل لجنة التضامن الاجتماعي بالبرلمان، قال إن قانون الجميعات الأهلية لم يُطبق بعد نتيجة عدم صدور لائحته الداخلية، وهو ما يمكن تفسيره أن الدولة استجابت لاعتراضات العاملين في مؤسسات المجتمع المدني في مصر، لافتًا إلى أن خلال لقاء جمعه مع أعضاء في الكونجرس الأمريكي عبرّوا عن رفضهم لما تضمنه القانون، وبالتالي فإن مؤسسة الرئاسة كانت تتابع جيدًا كل ما يقال وما دار حول هذا القانون، ورأت عدم إصدار لائحته الداخلية، وهو ما يفهم منه تعطيل العمل بأحكامه.
وأشار "أبو حامد" إلى أن البرلمان خلال مناقشته لأحكام هذا القانون، كان حريص على أن يراعي التحديات التي تواجه الدولة على الصعيد الداخلي، وعلى رأسها الاعتبارات الأمنية التي تمس الأمن القومي، لكن الرئيس السيسي رأى مؤخرًا أن هذه الاعتبارات لم يعد لها محل خلال الظرف الراهن، بعد أن نجحت الدولة في بسط سيطرتها على كل ما يمس أمنها القومي.
وتابع: أن البرلمان سينظر التقرير الذي ستتنتهي منه اللجنة المشكلة من جانب الرئيس، خاصة أن العقوبات التي تضمنها القانون والتي رأها البعض سالبة للحرية، ستكون محل نظر من جانب البرلمان، وإجراءات قبول التبرعات وتلقي التمويلات، وأوجه الأنفاق، وإجراءات التأسيس والإشهار ستكون محل مناقشة من جانب البرلمان.
النائب أحمد أبو خليل، يرى لابد أن تكون جميعات المجتمع المدني شريك أساسي مع الدولة في خطط التنمية والنهوض والإرتقاء بأوضاع المواطنين، خاصة الأطفال والشباب والمرأة، والمساهمة في إعادة البنية التحتية في القرى الأكثر فقرًا والمحرومة من الخدمات، لافتًا إلى أن الرئيس عبدالفتاح السيسي يقدر ويدرك جيدًا أهمية الدور الذي تقوم به جميعات المجتمع المدني في مصر، لذا استجاب لمطالبهم بتعديل البنود الخلافية في القانون، متوقعًا أن يخرج القانون هذه المرة في صورة مُرضية للجميع.