حادثة غرق سفينة التايتنيك تصنف ضمن قائمة أسوأ الكوارث البحرية في تاريخ البشرية، إلا أن الصحافة قد تتسبب في تغير حياة إنسان فقد ترفعه لأعلى عليين أو تهبط به لأسفل سافلين، فالناجي الياباني الوحيد من مأساة التايتنيك لعبت به الصحف لعبتها، وخلال ليلة من شهر أبريل سنة 1912، اصطدمت السفينة بجبل جليدي في عرض المحيط الأطلسي أثناء إبحارها بين مدينتي ساوثهامبتون الإنجليزية ونيويورك الأميركية حيث لم يمض إلا 5 أيام فقط منذ دخولها الخدمة لتتسبب في مقتل ما لا يقل عن 1500 من ركابها.
ففي رحلتها الأولى ما بين إنجلترا والولايات المتحدة الأميركية، سافر على متن التايتنيك أكثر من 1300 راكب ، وحوالي 2200 شخص على متنها باحتساب الطاقم متعدد الجنسيات، وكان من ضمنهم ياباني واحد حمل اسم ماسابومي هوسونو حيث عمل كموظف لصالح وزارة النقل اليابانية.
تواجد ماسابومي هوسونو بالإمبراطورية الروسية لإجراء عدد من البحوث عن برنامج السكك الحديدية الروسي، منذ عام 1910، وأثناء عودته إلى موطنه توجه إلي بريطانيا قبل استقلاله السفينة كمسافر من الدرجة الثانية.
وكان الياباني هوسونو داخل غرفته تزامنا مع بدء وقوع الكارثة حيث كان نائما ليصحو على صوت طرق على بابه ليتفاجأ بمضيفة قدمت له سترة نجاة وطلبت منه مغادرة المكان والتوجه نحو سطح السفينة.
ورفض المسئولون في بادئ الأمر السماح له بالتوجه للسطح ظنا منهم أنه مسافر من الدرجة الثالثة ، ولم يتمكن من مغادرة الطوابق السفلية، ولاحقا تمكن من الوصول لسطح السفينة عقب استخدامه لمسلك آخر، وبالفعل نجا من موت محقق حيث عثر بمحض الصدفة على مكان شاغر بأحد قوارب النجاة قبل لحظات من إنزاله، ليبلغ لاحقا الولايات المتحدة الأميركية ثم يعود بعدها إلى وطنه.
ورحّبت الصحافة اليابانية بعودة هوسونو سالما وأجرت معه العديد من اللقاءات ولقّبته بالطفل الياباني المحظوظ، وبناء على ذلك كسب هوسونو بعض الشهرة في بلاده، إلا أن شهرته لم تدم طويلا، فبعد فترة نشرت الصحف الأميركية تقارير فظيعة حوله.
حيث أكّدت شهادة أحد الناجين الأميركيين، قيام هوسونو بدفع بقية المسافرين لأجل الحصول على المكان المتبقي بقارب النجاة قبل لحظات من إنزاله، متجاهلا بذلك قاعدة منح أولوية الصعود على قوارب النجاة للأطفال والنساء، ونشرت صحيفة أمريكية أخرى تقريرا مشينا عنه، مؤكدة على تنكره وارتدائه ثياب امرأة للنجاة.
ومع وصول هذه التقارير الأميركية اليابان، أصبح ماسابومي هوسونوأكثر شخص مكروه بوطنه، ووصفه الجميع بالجبان واتهموه بالتنكر لتقاليد الساموراي وقواعد الشرف، مؤكدين على وجوب إقدامه على الانتحار عند وقوع الكارثة، وتهجّمت الصحافة اليابانية عليه واتهامته بالجبن والخيانة، وتعرّض هوسونو للطرد من وظيفته قبل إعادة انتدابه لاحقا بسبب خبرته.
وتواصل إزدراء ماسابومي هوسونو إلى حين وفاته خلال شهر مارس سنة 1939 عن عمر يناهز 68 سنة ولم تتردد الصحافة اليابانية في التذكير بقصته وتلقيبه بالجبان، ليعاني لما تبقى من حياته من نظرة المجتمع السيئة والتي امتدت لتطال بقية أفراد أسرته.
وبعد وفاته بعقود، نشر بعض أحفاده رسالة كتبها ماسابومي هوسونو إلى زوجته عقب حادثة غرق التايتنيك نقل من خلالها أهوال ما حصل تلك الليلة، إضافة إلى القصة الحقيقية لكيفية نجاته، وبناء على ذلك استعادت عائلة هوسونو شرفها بعد سنوات طويلة من الكره والإهانات.