رحب الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، في كلمته بافتتاح اجتماع الشق الوزاري رفيع المستوى، لمؤتمر الأطراف الرابع عشر، لاتفاقية التنوع البيولوجي، بوزراء ورؤساء الوفود والمنظمات التابعة للأمم المتحدة والمنظمات والجمعيات الحكومية والأهلية، قائلا: أهلا ومرحباً بكم في أرض السلام، مدينة شرم الشيخ.
وأكد أن قطاعات الطاقة والتعدين والبنية التحتية والصناعة والصحة تعتمد على التنوع البيولوجي، والخدمات التي توفرها النظم الإيكولوجية المرتبطة بها، إلا أنها في المقابل تؤثر على تلك النظم بصورة مباشرة أو غير مباشرة من خلال فقدان البيئات أو تلفها أو تجزئتها، وتعطيل عملية التكاثر أو قطع مسارات الهجرة لبعض الأنواع، هذا بالإضافة إلى التغيرات في نوعية المياه وسرعة تدفقها الطبيعي، وتلوث التربة والهواء والماء وما ينتج عنه من تلوث حراري، بالإضافة إلى التأثيرات الكبيرة الخاصة بالتخلص من المخلفات والتلوث الناتج من هذه القطاعات، مما يعود بالتأثير السلبي مستقبلاً على المواد الأساسية لتلك القطاعات، ويهدد استدامتها وهو أساس مفهوم التنمية المستدامة.
وأشار رئيس الوزراء إلى أن جمهورية مصر العربية أولت اهتماما بقضايا البيئة، شاملة التنوع البيولوجي، وخدمات النظم البيئية، وأصدرت التشريعات الوطنية التي تحافظ على البيئة، وصون الموارد الطبيعية، وتعتبر محمية رأس محمد أول محمية طبيعية تم إعلانها عام 1983، تلاها المزيد من المحميات الطبيعية، لتصل إلى 30 محمية طبيعية، تُمثل ما يقرب من 15% من مساحة جمهورية مصر العربية، وقد قامت مصر بتوفير التسهيلات اللازمة لتحقيق أهداف الحماية، والتي شملت تأهيل أكثر من 700 شاب وأصبح لدينا مهنة جديدة تسمى "شباب المحميات"، حصل أكثر من مائة شاب منهم على رسائل الماجستير والدكتوراه، ليقوموا بتنفيذ البرامج الخاصة بالمحميات الطبيعية المحلية، ويشاركوا في إدارة المحميات، بحيث أصبح اكثر من 70% من العاملين بالمحميات من السكان المحليين، والذي يؤكد ضرورة دمج هذه المجتمعات في عملية التنمية، ويؤكد أيضا علي الملكية الوطنية لصون الموارد الطبيعية، كما أصبحوا يشرفون على المشروعات والبرامج الممولة من شركاء التنمية والمنظمات الدولية، هذا بالإضافة إلى وجود لجنة للمرأة بكل محمية، لأن الشباب والمرأة هم عماد العمل في المحميات الطبيعية.
وتوجه مدبولي بالشكر لكل الدول التي ساندت مصر لاستضافتها المؤتمر الرابع عشر للتنوع البيولوجي، وعلي رأسها الأشقاء بالدول الافريقية، مؤكداً أن مصر تنوى أن تساهم بشكل كبير في تحقيق أهداف الاتفاقية أولاً، والمنظمات الدولية سواء على مستوى الحكومات، أو منظمات المجتمع المدني، والتعاون مع كافة الشركاء.
وأوضح الدكتور مصطفى مدبولي أن العالم يواجه اليوم تغيرات وتحديات تنخرط في الطبيعة، والتي تهدد دولنا وتجعلنا نُفكر بمنهجية مختلفة، والدليل على ذلك اجتماع اليوم، حيث إننا لا نتحدث عن التنوع البيولوجي دون النظر إلى القطاعات التي تتأثر بالتنوع البيولوجي، مثل الطاقة والبنية التحتية والصناعة والصحة والتعدين والتنمية الحضرية والمالية، مضيفاً: يُسعدني أن تحتضن مصر اليوم ليس فقط وزارات البيئة، ولكن الوزارات الأخرى، وتلبية الدعوة من قبل حضراتكم يدل على اهتمام ووعي الدول بأهمية هذه القضية.
وفي السياق ذاته، أوضح الدكتور مصطفى مدبولي إن عملية دمج تعميم التنوع البيولوجي في هذه القطاعات، يجب أن تتم من خلال طريقة شاملة وواعية بقيمة وأهمية صون وإدارة التنوع البيولوجي بصورة مستدامة، بمشاركة كافة القطاعات والفئات ذات الصلة والمجتمع المدني والمرأة والشباب، وعلى سبيل المثال تعتبر البنية التحتية قضية أساسية بالنسبة للمجتمعات البشرية، ويعتبر بناء البنية التحتية حيوياً للنمو الاقتصادي، وتيسير كل جوانب الحياة الحديثة، وتشمل البنية التحتية سبل النقل والاتصالات، والبنية التحتية للطاقة التي توصل الطاقة الكهربائية إلى المنازل والأعمال التجارية، والبنية التحتية الحضرية، والسدود، ومحطات معالجة المياه وأنابيب المياه التي تدير إمدادات المياه للاستخدام المنزلي والصناعي والزراعي، مضيفاً أنه من المتوقع أن ينمو قطاع البنية التحتية على نحو كبير على مدى العقود القادمة نتيجة لزيادة السكان، والتنمية الاقتصادية، وحركة التجارة والتحضر المتزايد.
ففي عام 2014، سكن ما نسبته 54 في المائة من سكان العالم في مناطق حضرية، ومن المتوقع أن تصل هذه النسبة إلى 68 في المائة بحلول عام 2050، ونتيجة لهذه الزيادة، تشير التقديرات إلى أن حوالي 70 في المائة من الاستثمارات المستقبلة في البنية التحتية ستركز على المواقع الحضرية، كما سيزداد نمو القطاعات التي تعتمد على البنية التحتية وإنشائها. وتُشير التوقعات إلى أن 25 مليون كيلومتر من الطرق المرصوفة الجديدة و000 335 كيلومتر من طرق السكك الحديدية ستكون مطلوبة بحلول عام 2050. ومن المتوقع أن يتزايد الطلب أيضا على كل من شبكات الطاقة الكهربائية "التقليدية" و"الذكية".
وشدد رئيس الوزراء على أنه من الضروري أن تستخدم الحكومات على كل المستويات مجموعة من الأدوات التي يمكن أن تقلل من الآثار السلبية على التنوع البيولوجي، مثل التخطيط المكاني، والتخطيط الحضري، والتقييم البيئي الاستراتيجي، والتخطيط للتكيف مع تغير المناخ، آخذين في الاعتبار احتياجات وأولويات التنوع البيولوجي، ليس لضمان عيشة كريمة مستدامة للأجيال الحالية، ولكن لضمان موارد طبيعية صحية تحظى بها الأجيال القادمة، ويأتي هذا المؤتمر ليسهم بشكل كبير من خلال مفهوم الدمج في تعزيز رؤية مصر 2030 ولكن على المستوى الإقليمي والدولي.
وقال: جاء اهتمام مصر بقضية البيئة ضمن أولويات التعاون على المستوى الإقليمي والأفريقي والعربي والمتوسطي والوطني لدمج البعد البيئي في البرامج والسياسات الوطنية، ويتجسد ذلك في استراتيجية مصر 2030، والتي تعتمد في طياتها البُعد الاقتصادي والبيئي والاجتماعي، مؤكداً أن القيادة السياسية برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسي، تبذل قصارى جهدها من أجل ضمان هذا الدمج بجميع القطاعات.
وأشار مدبولي إلى أهمية المشاركة الفعالة لكل الدول الأفريقية والعربية في فعاليات هذا المؤتمر، وقد تم تخصيص يوم أمس للشق الوزاري رفيع المستوي لضمان دمج الشواغل الأفريقية في نتائج المؤتمر، والذي نتج عنه خطة عمل طموحة للقارة السمراء من عام 2020 وحتي عام 2030 متضمنة الاولويات الخاصة بالقارة والتي يأتي علي رأسها استعادة تدهور الأراضي والنظم الايكولوجية وغيرها، ولقد تبنت مصر في هذا الصدد منهجاً وطنياً لتحقيق الصون والاستخدام المستدام للموارد الطبيعية من خلال استراتيجية التنمية المستدامة: رؤية مصر 2030، حيث تبنّت مفهوم التنمية المستدامة كإطار عام يُقصد به تحسين جودة الحياة في الوقت الحاضر، بما لا يخل بحقوق الأجيال القادمة في حياة أفضل، ومن ثم يرتكز مفهوم التنمية الذي تتبنّاه الاستراتيجية على ثلاثة أبعاد رئيسية، تشمل البُعد الاقتصادي والبُعد الاجتماعي والبُعد البيئي، وتراعي الاستراتيجية مبدأ تكافؤ الفرص، وسد الفجوات التنموية والاستخدام الأمثل للموارد، بما يدعم عدالة استخدامها ويضمن حقوق الأجيال القادمة في كافة القطاعات التنموية، مثل الزراعة والصناعة والبنية التحتية، والسياحة، والنقل المستدام، وغيرها.
وأوضح أنه تم إعداد هذه الاستراتيجية من خلال عملية تشاركية شاملة، وتعاون ممثلي الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني والأكاديميين والخبراء، وبذلوا جهداً كبيراً لتحديد الملامح الأساسية لمصر المستقبل، وتكللت هذه الجهود في هذه الوثيقة «استراتيجية التنمية المستدامة: رؤية مصر 2030» لتكون الإطار العام المنظم لبرنامج عمل شركاء التنمية لمصر خلال السنوات القادمة.
وقال رئيس الوزراء: إن اجتماعات الشق الوزاري رفيع المستوى خلال اليوم وغداً، والذي يشرف بمشاركتكم سيقوم بمناقشة مجموعة الفرص والنُهج الخاصة بتعميم التنوع البيولوجي في القطاعات التنموية (الطاقة والتعدين والبنية التحتية والصناعة والصحة)، بالإضافة إلى جلسات عامة حول الاستثمار في التنوع البيولوجي من أجل الإنسان والكوكب، التنوع البيولوجي – الحل لمواجهة التغيرات المناخية وتدهور الأراضي، والفرص التمويلية والمخاطر لتعميم التنوع البيولوجي، وإطار ما بعد 2020 للاستراتيجية الدولية للتنوع البيولوجي، والتحالف الدولي من أجل الطبيعة والثقافة بمشاركة كوكبة من الجهات الفاعلة، لمناقشة الإجراءات التي يمكن اتخاذها على مستوى العمليات الدولية، والوطنية، من جانب قطاع الأعمال التجارية، والقطاعين المالي والمصرفي، والجهات الفاعلة الأخرى لزيادة تعميم التنوع البيولوجي في هذه القطاعات، هذا بجانب منتدي القطاع الخاص والتنوع البيولوجي والذي ينظر في الآليات المبتكرة لمشاركة القطاع الخاص في الحفاظ علي التنوع البيولوجي والذي من شأنه ان يُؤثر بصورة إيجابية في النمو الاقتصادي المستدام لدولنا.
واختتم رئيس الوزراء كلمته قائلاً "إنني على يقين بأن اجتماعكم هذا وكذلك مبادرة إعلان شرم الشيخ المطروح أمامكم، سوف يساهمان في إثراء المناقشات خلال الأسبوعين القادمين، خلال المؤتمر، وهو ما سوف ينتج عنه حلول مبتكرة وبناءة تدعم الجهود العالمية لصون التنوع البيولوجي. وأود ان اتوجه بالشكر لكل شركائنا في التنمية والبنوك وسكرتارية الأمم المتحدة، الذين ساهموا في تنظيم هذا الحدث العالمي، ليخرج كرسالة واضحة من أرض السلام الي شعوب العالم للحفاظ على مواردنا الطبيعية، لضمان الأمان والاستقرار لحياة أجيالنا القادمة.