"قلعة الجبل" أو قلعة صلاح الدين الأيوبي، هي أبرز وأشهر وأضخم بناء أثري عرفته الآثار الإسلامية ومصر الإسلامية، والذي شارك في بناءها وتطويرها سلاطين وملوك من عصور مختلفة، وبالطبع فإن جميع الأثار والأبنية والميادين، التي تحيط بها لها مكانة خاصة شاهدة على تاريخ عريق.
ويعد ميدان "صلاح الدين الأيوبي" الذي سمي بهذا الإسم خطأ نسبة إلى صلاح الدين، من أشهر الميادين في التاريخ الإسلامي، والذي شهد العديد من المناسبات والاحتفالات الرسمية ومواكب الإنتصار والحج التي مرت به، مما دفع السلطان الناصر محمد ابن قلاوون الذي أنشأ هذا الميدان بإحاطته بسور لحماية الميدان، ولكن كعادتنا الحديثة في إهمال كل ما هو قيم وثمين، يتحول هذا الميدان إلى مقلب قمامة كبير ومثوى للحيوانات الضالة من الكلاب والقطط وكذلك مدمني المخدرات في القاهرة القديمة .
"أهل مصر" اتجهت في جولة وسط الميدان وخلف سجن "أراميدان" والمنشية، لمشاهدة الأثار التي لم تجد من يحنو عليها ويخلصها مما توصلت إليه من وضع محزن.
في البداية من ميدان صلاح الدين الأيوبي، حيث النافورة التي تعود للعصر العثماني، والتي افتتحها محافظ القاهرة في عام 2015، لتقودنا بعدها الرائحة النفاذة التي ملأت أركان الميدان إلى السور الذي تطل عمدانه برأسها شامخة رغم الوضع المهين الذي آلت إليه، لنشاهد صورة متباينة الملامح تعلوها المأذن وعمدان السور العظيم بجانبه أكوام القمامة ومصنع البلاط والرخام وبالأسفل أكوام الرمال.
" بقايا مزلقان تعلوها الرمال والحشائش.. وسيارات محترقة عبارة عن قطع غيار لا تصلح .. أكوام من الرمال .. بلاط وألواح رخام فوق بعضها البعض .. وعربة فول تكسوها الرمال والحشرات" .. كان هذا المشهد الأول الذي يلفت النظر للوهلة الأولى، فلم تكن المنازل العشوائية التي أحاطت بالسور كافية لتشوية هذا الميدان الأثري، ولكن كان الوضع أسوأ مما يتصوره إنسان، فأكوام القمامة تعلوها الحيوانات الضالة من الكلاب والقطط يشكل صدمة لكل من يعلم قيمة هذا المكان وتاريخه .
كان العاملون بمصنع الرخام ينظرون نظرات متقطعة في دهشة أثناء إلتقاط الصور للسور والميدان، ولكن حيرتهم تلاشت بعدما اتجهنا إليهم وسألناهم عن المكان وإخبارهم بتاريخه، حيث أنهم لم يخطر ببالهم أن هذا الميدان يعود لعهد الناصر محمد بن قلاوون، وكانت البداية مع أحد العمال بالمصنع، الذي قال أنه يعيش منذ صغره في حي السيدة عائشة ويأتي يوميا لعمله بمصنع البلاط، موضحا أنه ينهي عمله في السادسة مساءا.
وأوضح الشاب صاحب الـ25 عاما، أنه لم يكثرث بأهمية السور، وكان يظنه إمتداد لسور مجرى العيون، قائلا : " كل اللي أعرفه أن السور ده بقية سور مجرى العيون والحكومة هدته"، حتى أنه لم يعرف تاريخ سور مجرى العيون، ولكنه عاش حياته بالسيدة عائشة وسط المقابر وكل معلوماته عن المكان أنه مكان عمله بالنهار، ويتجمع به المدمنون كل ليلة لتناول المخدرات والإستروكس.
فيما قال زميل له يعمل معه في مصنع البلاط : "المكان ده خطر يا أبلة .. امشي من هنا قبل ما الدنيا تليل عليكي .. العيال بتيجي بليل تشرب استروكس وحشيش هنا"، موضحا أن الوزارة لا تهتم بهذا المكان ولا تتجه إليه أى أفواج سياحية قائلا : "القلعة قدامهم .. هيجوا هنا ليه" .
وتابع الشاب العشريني الحاصل على دبلوم صناعي، أن المحافظ جاء مرة في عام 2015 لإفتتاح النافورة، ولكن الوضع عاد لما هو عليه في السابق، لافتا إلى أنه في أيام ثورة يناير ارتكبت عدة جرائم قتل في هذا المكان .
وعن بقايا المزلقان، يقول أحمد، أن هناك قطار بضائع كان يمر منه في خمسينات القرن الماضي، ولكنه لم يمر الآن، فيما فسر لنا وجود السيارات المهجورة في الميدان، موضحا أنها سيارات قام أصحابها بعمل حوادث، أو ربما تم سرقتها وبيع القطع الثمينة بها وتركها في هذا المكان الذي يتم هجره ليلا، أما عن عرب الفول فيقول أن صاحبها توفي ولم يعلم أحدا شئ عن أبناءه ولماذا تركوها كل هذه السنين في هذا المكان، قائلا : "ماحدش بيسأل عن حاجة زي كدة .. المكان قريب من مقلب القمامة أى حد يرمي فيه حاجة عادي.. وفي شباب بتبات هنا ساعات .. بنيجي الصبح بنلاقيهم نايمين في الزبالة".
ويقول د.محمد حمزة وكيل كلية الآثار جامعة القاهرة ، أن ميدان صلاح الدين الأيوبي، الذي أقامه السلطان الناصر قلاوون تحت القلعة يمتد بعد جنوب باب الغرب بثلاثين متراً، ويمتد جنوباً إلى قريب من باب القرافة بميدان السيدة عائشة، وهذا الميدان من حقوق القلعة وكان له أسوار وأبواب منها باب يطل على الرميلة وباب جهة باب القرافة، ولا يزال يوجد للآن جزء من بداية سور الميدان الغربي ومسجل كأثر برقم 617.
أضاف دكتور "حمزة" يعرف هذا الميدان الآن بميدان صلاح الدين. وباب القرافة هو أحد أبواب القاهرة الخارجية القديمة، وكان أهل القاهرة يخرجون من هذا الباب إلى جبانة الإمام الشافعي التي كانت تعرف بالقرافة الصغرى، وكان الباب القديم مجهولاً حتى كشفه المرحوم المهندس عباس بدر.
وتابع وكيل كلية الآثار، أنه يشغل جزءاً من الميدان الآن من الجنوب للشمال منتزه عام وخزان مياه وبعض البيوت والورش والمصانع ومحطة سكة حديد القلعة ومتحف مصطفى كامل ومحطة أتوبيس القلعة.
واستكمل "حمزة" حديثه لـ"أهل مصر" كان ميدان "الرميلة" صلاح الدين الآن، متنزه جليل، مارس فيه السلاطين الأنشطة وكان له استخدامات أخرى مثل الاستخدام في صلاة العيدين، وفي عمل المواكب السلطانية والاحتفالات، وفي استقبال واستضافة الرسل والسفراء، وفي استعراض الجيوش وغير ذلك.
وتأتي تسمية الميدان بالرميلة لأن أرضه والأرض المحيطة به كانت واقعة بين شرفين (هضبتين) عاليين هما الشرف الذي بنيت عليه قلعة الجبل شرقا، والشرف الآخر هو الذي بنيت عليه قلعة الكبش، وكان الميدان ملتقى وامتداد لرمالهما وترابهما فسمي باسم الرميلة، وأحياناً كان يطلق عليه الرملة، وكان اسم الرملة يطلق أحياناً على الطريق الصاعد من ميدان الرميلة إلى باب المدرج بالقلعة ويمثله الآن سكة المحجر خصوصاً في النصف الثاني من عصر المماليك الجراكسة.
وأوضح أستاذ الآثار، أن هناك مصلى اسمه "مصلى المؤمني" كانت تخرج منه الجنازات لكبار رجال الدولة في عصر سلاطين المماليك، وكانت المنازل التي تبنى خلف السور تسمى "بظاهر السور السلطاني"، وسمي السور الذي بناه قلاوون باسم "سور الميدان" .