في الوقت الذي تناضل فيه المنظومة الصحية في مصر للوقوف بجانب المرضى سواء بتقديم الخدمات والرعاية الصحية أو توفير الأدوية المطلوبة لقطاع عريض من المواطنين، خرج يطل علينا من جديد تفشي ظاهرة سفر الأطباء للخارج، خاصة دول الخليج؛ للحصول على امتيازات يصعب توافرها في مصر، ووجود تسهيلات تقدمها عدة دول لجذب أصحاب "البالطو" الأبيض عن طريق مقابل مادي مُغرٍ وتوافر الإمكانيات الطبية، فضلاً عن هروبه من الضغوطات النفسية التي تؤثر عليه.
"مصر طاردة للأطباء":
في البداية أوضح الدكتور موريد مكرم ميخائيل، استشاري الجراحة العامة ورئيس قسم الجراحة بمستشفيات وزارة الصحة بالقاهرة وزميل الكلية الملكية بلندن، في حديثه مع "أهل مصر" أنه بالفعل سافر إلى سلطنة عمان للعمل بها لمدة 12 عاماً، وعاد لمصر منذ 6 سنوات، وعن تجربة السفر للخارج أكد أنه لا يوجد دكتور حتى جامعي لم يسافر إلى الخارج، فأغلب الأطباء في مصر سافروا بالفعل لدول الخليج؛ وذلك للدراسة والتعليم بشكل أفضل على يد استشاريين أجانب من أجل الحصول على شهادات علمية أعلى وللتعامل مع منظومة صحية منضبطة، وبالتالي فهناك استفادة أكبر من العمل داخل مصر، فلم تقتصر الاستفادة على الناحية المادية فقط.
الطبيب في الخارج يرى أجهزة حديثة ويعرف كيفية التعامل مع المرضى في حالات مختلفة، لأن الإمكانيات لدينا موجودة فقط في المستشفيات الكبرى حتى مستشفيات الجامعة ليس بها أجهزة كالموجودة بالخارج، كما أن عدد الخريجين كل عام في مصر قادر على تغطية احتياجات دول الخليج بالكامل، لسنا في حاجة لأطباء ولكن لم نوفر لهم حقوقهم الكافية، وبالتالي يسافرون للخارج لأننا بلد طارد للأطباء، فالسنة بالخارج بـ10 سنوات في مصر، فالأطباء يفكرون بعقولهم وليس عواطفهم، كما أنهم يعانون في مرتباتهم؛ لأنها أقل من وظائف أخرى فالعائد المادي غير مُجدٍ، والأطباء الذين يتمكنون من السفر للدول الأوروبية وأمريكا وأستراليا يستقرون ويحصلون على الجنسية، ولا يعودون مرة أخرى.
وأكد مكرم أن دول الخليج جاذبة حاليا للأطباء المصريين ولكن نظرًا للظروف الاقتصادية يكونون في وظائف أقل من مؤهلاتهم لأن السوق عرض وطلب، كما أن مصر الآن تعتبر دولة طاردة للأطباء والمرتبات ضعيفة جدا مقابل الخدمة الطبية التي يقدمونها للمرضى، فهناك معوقات عديدة في منظومة الصحة في مصر وتضييق خناق على الأطباء، فلا يوجد إقبال من الشباب على التعليم والحصول على الزمالة المصرية، كل هذا يتسبب في سفر الأطباء، كما أن وزارة الصحة تعلم جيدًا هذه المعوقات ولا تفكر في حلها، حيث وصل الحال الآن لأن تطلب مستشفيات جامعية ومستشفيات تعليمية التعاقد مع أطباء وخاصة في التخصصات النادرة التخدير والعظام والطوارئ، فضلاً أن نظام التعاقد يكون بشروط الطبيب وبالتالي فهي تخسر.
وطالب استشاري الجراحة العامة، وزارة الصحة بأنها كما تستثمر في المشروعات وإنشاء المباني عليها أن تستثمر في الأطباء من خلال تدريبهم وتأهيلهم لسوق العمل، كما أنه لا توجد عدالة في توزيع الأطباء فهناك مستشفيات مكدسة بالأطباء وأخرى يتم بناؤها بدون أجهزة أو كوادر مُدربة، كما أن المرتبات ضعيفة، فضلاً عن أن تخرج الطلاب من كلية الطب لا يعني معالجة المرضى ولكن معناه بداية تعلم مهنة الطب بالتعامل مع الأجهزة والحالات، لكن البكالوريوس ليس رخصة لمعالجة المرضى، وأصبح المطلوب من الأطباء في مستشفيات وزارة الصحة الحضور والانصراف فقط، فالتقييم ليس بالكم أو الكيف ولكن بدفاتر الحضور، ويتم التعامل مع الأطباء كموظفين، كما أن الحالة الاقتصادية العامة جعلت المرضى لا يقبلون على القطاع الخاص ولكن أصبح ملجؤهم المستشفيات الحكومية وما بها من مشكلات.
وعن اقتراح الحكومة بعدم تجديد إجازات الأطباء العاملين في الخارج كحل للقضاء على أزمة نقص الأطباء في المستشفيات الحكومة، أكد "موريد" أنه لن يؤدى إلا لزيادة نسبة العجز وتقديم الأطباء استقالتهم، قائلًا "قرار هيزود الطين بلة" لا يمكن إجبار الطبيب على الوجود طالما هناك التزامات مالية وتعليمية.
اقتراب العجز الطبي
في حين أشار الدكتور حسن السيد صلاح، دكتور جراحة عامة في مستشفى الشيخ زايد، أن سفر الأطباء للخارج نتيجة الهروب من المعاملة السيئة لهم في مصر واعتبارهم موظفين، ومن أجل الحصول على عائد مادي مناسب للعمل الذي يقدمونه، ويرى أنها ظاهرة خطيرة ويجب على وزارة الصحة وضع حلول لها، مضيفاً أنه في القريب العاجل ستحدث كارثة حقيقية بسبب نقص الأطباء، خاصة في التخصصات الحرجة كالتخدير والطوارئ والجراحة ويحدث عجز طبي.
الخطأ الطبي وعدم حماية الأطباء
وأوضح الدكتور خليل إبراهيم متخصص باطنة وقلب، أن المقابل المادي الذي يحصل عليه الطبيب بعد التخرج من عمله بدوام داخل المستشفيات يكون ضعيف جدا في ظل حالة الاقتصاد المصري حاليا، وخاصة إذا كان الطبيب غير قادر على فتح عيادة خاصة للحصول على أجر ومقابل آخر غير العمل الحكومي، فالمستشفيات الحكومية تُلزم الأطباء بالعمل ساعات إضافية مع عدم توافر الإمكانيات الطبية التي تحسن من خدمته للمواطنين، كما أن الأطباء مهددون بالسجن أو الغرامة في حالة شكوى المرضى، فيُصبح الطبيب الذي يعالج المريض مُعرضا للمسائلة القانونية التي تصل إلى السجن أو الغرامة إذا تم إثبات أنه المخطئ، فضلاً عن عدم توافر القوانين التي تحمي الأطباء من جراء ذلك للوقوف على حقيقة إذا كان خطأ بالفعل أم إهمال من جانب المريض.
صفحات تسهيل السفر للخارج
وانتشرت صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي خاصة "فيسبوك"، للأطباء المهتمين بفكرة السفر، تخصصت في تسهيل سفر الأطباء المصريين خارج مصر، ومن أهمها "الأطباء المهتمين بالسفر للسعودية ودول الخليج" ، "فترة الامتياز" ، "توظيف أطباء خارج مصر"، فضلاً عن وجود عدد من المجموعات مثل "نصائح وارشادات للأطباء الراغبين في السفر إلى الخارج" والتي يهتم بمتابعتها آلاف من الأطباء وحديثي التخرج.