على الرغم من العلاقات الطيبة التي تجمع بين مصر وروسيا، إلا أن هذا لم يمنع الأخيرة من المضي قدمًا في مشروع يبدو أنه سيهدد قناة السويس، تأمل به أن تحول نظر التجارة العالمية إلى قناة حديثة الولادة بطول 7200 كيلو متر مربع، تربط بين الدب الروسي ودولة إيران العدو الأكبر لدول الخليج، و لكن بالطبع سيفشل ذلك حيث أن قناة السويس على الخريطة تتمسك بفرصها الكبيرة لجذب المزيد من التجارة خاصة بعد افتتاح «تفريعة» في أغسطس 2016، لكن التهديد الذي تمثله قناة «روسيا - إيران» لم يعد خفيًا على أحد.
وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي افتتح العام قبل الماضي «تفريعة» جديدة لقناة السويس بتكلفة 8 مليارات دولار، لزيادة حركة السفن في القناة بالاتجاهين، وهو ما ترتب عليه زيادة إيرادات قناة السويس.
مخطط لضرب الاقتصاد المصري
وكشفت صحيفة «ذا دورين» الروسية عن اجتماع دار في العاصمة الأذربيجانية باكو ضم كلاً من روسيا وإيران العام الماضي لمناقشة استكمال بناء الممر البديل لقناة السويس، وهذا الممر المائي يصل طوله إلى 7200 كيلومتر، ليربط شمال أوروبا بالهند، والخليج العربي عبر إيران، وروسيا وأذربيجان، ليصبح أحد أرخص الطرق من قارة آسيا إلى أوروبا، ما سيُمكن الدول الأوروبية وروسيا من الاتصال عبر الخليج العربي وخليج عمان بطريقة اقتصادية، هذا الممر الذي سيمر جزء منه، على طول الساحل الغربي لبحر قزوين، من روسيا إلى إيران، عبر الأراضي الأذربيجانية.
وتعد الأهمية الاستراتيجية لإيران أن العمل على هذا المشروع يمكن من خلاله أن تتحكم هذه الدول في حلقة وصل بين شرق آسيا والمحيط الهندي والخليج من جهة والدول في شمال شرق ووسط أوروبا من جهة أخرى، كما تراه إيران بعد اكتماله بديلاً لمصدر الدخل النفطي الأساسي، بسبب التوقعات بأنه سيحتل مكانة متقدمة عالميًا في تجارة المرور الدولية، لأنه سيقلص الوقت والمسير في نقل البضائع والحاويات من أوروبا إلى الخليج وجنوب آسيا.
أما على الجانب الروسي سيمنح روسيا مدخلًا استراتيجيًا لمياه المحيط الهندي، وهو ما سيعزز النفوذ الروسي بين الدول التي تعمل على تقليل الاعتماد على خط قناة السويس المصرية، بسبب موجة الكساد العالمي التي أجبرت شركات النقل إلى البحث عن ممرات أوفر، فعلى سبيل المثال تعتزم الصين حث شركات الملاحة على استخدام «الممر الشمالي الغربي» عبر القطب الشمالي لتقليل الزمن الذي تستغرقه الرحلات البحرية بين المحيطين الأطلسي والهادئ.
وهذا الطريق الجديد يمكنه حمل البضائع من الهند إلى أوروبا، مع توفير 50% من الزمن الذي تحتاجه عن طريق ممر قناة السويس.
وخلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2017، تم شحن ما يقرب من 8 ملايين طن من البضائع عبر الممر الشمالي الشرقي، الذي تجاوز بالفعل حجم السجل في العام الماضي بنسبة 8.3٪، وشهدت إحدى مرافق الميناء الرئيسية في القطب الشمالي الروسي، ميناء مورمانسك، زيادة في حجم البضائع بنسبة 60.1٪ على أساس سنوي.
وبلغ إجمالي الكمية 7.3 مليون طن من البضائع المشحونة على طول الممر الشمالي الشرقي، لكن حتى رقم العام الماضي يمثل جزءاً ضئيلاً مما يمكن أن تكون عليه الإمكانات الكاملة للطريق الشمالي الجليدي، ولكن الخطة هي الوصول إلى 40 مليون طن من البضائع بحلول عام 2024 ومضاعفة هذا الرقم بحلول عام 2029.
وتصل التجارة «الروسية - الصينية» إلى 80 مليار دولار هذا العام ومن المخطط أن تصل إلى 200 مليار دولار بحلول عام 2020، بينما انخفضت التجارة مع أوروبا بالفعل بمقدار 100 مليار يورو خلال 3 سنوات إلى 228 مليار يورو في نهاية عام 2016.
ومن أجل الوصول إلى الإمكانيات الكاملة للممر الشمالي الشرقي، تخصص روسيا كميات كبيرة من الأموال لتطوير أسطولها الذي يعمل بالطاقة النووية، ووفقًا لبعض التقديرات، سيتعين بناء ثمانية كاسحات ثلجية أخرى بالطاقة النووية إذا أراد الكرملين أن يصل إلى زياداته الطموحة في حجم أحمال الشحن البحري بحلول عام 2029.
وفي الوقت الحالي، تقوم شركة «أتومفلوت» المملوكة للدولة ومقرها مورمانسك بتشغيل اثنين من كاسحات الجليد النووية مع مفاعلات نووية مزدوجة، واثنين من كاسحات الجليد مع مرافق نووية أحادية المفاعل، وتستخدم هذه الكاسحات لضمان أمن السفن التجارية التي تعبر الممر الشمالي الشرقي.
وبالإضافة إلى كاسحات الجليد قيد التشغيل بالفعل، يجري حاليا بناء 14 سفينة تعمل بالديزل، يجري بناؤها جميعًا في أحواض بناء السفن في منطقة سان بطرسبرج في الجزء الغربي من البلد.
تاريخ الممر المائي:
يعود هذا المخطط إلى خريطة قديمة وضعت عام 2000 لإنجازه من قبل إيران وروسيا، إلا أن العقوبات المفروضة على كل من طهران وموسكو حالت دون إتمام الممر في الشمال والجنوب.
وخضعت هذه الفكرة للاختبار عام 2014 عبر نقل بضائع من الهند إلى العاصمة الأذربيجانية باكو وأستاراخان عبر ميناء بندر عباس، حيث أشارت نتائج هذه التجربة إلى أن تكاليف النقل تقلصت بمقدار 2500 دولار مقابل كل 15 طنًا، إضافة إلى أنه استغرق 14 يومًا فقط، في مقابل 40 يومًا عبر طريق قناة السويس.
استحداث الفكرة لعرقلة مساعي مصر في سوريا
خلال الفترة الماضية حاولت مصر جاهدة وقف إطلاق النار بعدة مدن في سوريا عن طريق العديد من المبادرات، وهو الأمر الذي أحبط مساعي إيران في «تشييع» العراق وسوريا واليمن، بعد أن نجحت مصر في الضغط على روسيا مقابل مشاريع تجارية بين البلدين لإنقاذ سوريا من الضياع، وعلى الجانب الآخر سعت مصر للضغط على أمريكا في اليمن وظهر ذلك جلياً من خلال دعوة واشنطن الأطراف المتنازعة في اليمن للحوار لوقف نزيف الدم في البلد المنكوبة، لذا تراءت الفكرة لإيران بإشغال مصر باقتصادها وتهديد ممرها الملاحي المائي «قناة السويس» بممر مائي من شأنه التسبب في الخسارة لمصر على حسب مزاعمها.
وتعمل إيران من خلال روسيا إلى تحسين العلاقة المتوترة للغاية مع الولايات المتحدة لتوسيع المشروع وضرب قناة السويس بشكل أكبر من خلال ضخ أموال للتوسع قناة «بنما» البحرية التي تربط بين المحيطين الأطلسي والهادي بطول 80 كم، وقدمت إيران عرضًا على روسيا لتوسطها بينها وبين الولايات المتحدة لقبول أموال إيران للتوسع في تلك القناة حتى تستقبل سفن يصل غطسها إلى 58 قدمًا بدلاً من نحو 40 قدمًا، والتي تحتاج لذلك 50 مليار دولار، عرضت إيران منها 20 مليار دولار بمساعدة قطر لمحاصرة قناة السويس من الشمال والجنوب.
خريطة سير الممر المائي
المسار الذي تم الاتفاق عليه هو العبور من بحر الخرز عن طريق روسيا ثم إلى الشمال والجنوب وصولاً إلى إيران في مينائي أمير آباد وأنزلي، ومن ثم العبور من الأراضي الإيرانية عن طريق القطارات أو النقل البري وصولًا إلى بندر عباس من هناك إلى دول الجنوب والجنوب الشرقي لآسيا، أو المسار الشرقي عبر المرور من شرق بحر الخزر عن طريق روسيا مرورًا بتركمانستان وصولًا إلى إيران وينتهي إلى بندر عباس.
الرد المصري على تهديد قناة السويس
أكد الفريق مهاب مميش، رئيس هيئة قناة السويس، ورئيس المنطقة الاقتصادية للقناة أن قناة السويس ستظل هي الممر الملاحي الأكثر أمانا والأقل تكلفة على مستوى العالم ولا خوف عليها من الطرق البديلة وذلك بفضل كونها تنتهج سياسات تسويقية مرنة ساعدت على اجتذاب كثير من السفن العملاقة والخطوط الملاحية العالمية، لافتًا إلى تجهيز الممر الملاحي بأحدث العلامات والشمندورات الملاحية ووسائل تأمين السفن.
نقلا عن العدد الورقي.