اعلان

أديب الشارع.. حكاية حسان بائع الكتب الأمي الذي علمَّ مفكرين وأساتذة جامعات.. صور

مثقف من جيل السبعينيات، حرمته الظروف الأسرية من الحصول على حقه في التعليم، فامتهن منذ صغره العديد من المهن بغرض الحصول على المال الذي يقيل به أسرته من عثرات الفقر، وفجأة تغيرت حياته حين التحق بصفوف القوات المسلحة ليؤدي الخدمة العسكرية، قصة "حسان محمد"، بائع الكتب المتجول، وصاحب الـ68 عامًا، والذي منحه المارة ومن يبتاعون منه الكتب لقب "أديب الشارع"، واستعان به مفكرين وأساتذة في الجامعات المصرية، وذلك من كثرة شغفه بالإطلاع والقراءة؛ تنقلها "أهل مصر" في السطور التالية.

معنى الحياة

بدأت قصة "حسان"، منذ خمسينيات القرن الماضي، حين كان صغيرًا وحرم من الالتحاق بالمدرسة نظرًا لظروف عائلته الاقتصادية التي لم تكن تسمح في ذلك الوقت بأن يتعلم، ويقول حول هذا: إنه عمل وهو صغير في العديد من المهن كي يتمكن من مساعدة عائلته في مواجهة ظروف الحياة والتغلب على الفقر الذي كان يحيط بهم في ذلك الوقت، ثم التحق بصفوف القوات المسلحة ليؤدي الخدمة العسكرية وداخل الجيش تعلم القراءة والكتابة على يد زملائه المجندين الذين أتاحت لهم ظروفهم العائلية الالتحاق بالمدارس قبل الانضمام للجيش. 

"حسان"، يؤكد أنه شعر بعد اتقانه الكتابة والقراءة بـ"معنى آخر للحياة"، حيث لم يعد ذلك الشاب الذي يعمل دون هدف، ولذلك وبعد أن قضى سنوات خدمته العسكرية، في سبعينيات القرن الماضي، أصر على أن البحث عن عمل في أي مجال متعلق بالثقافة، وبالرغم من عدم تمكنه من تحقيق هذه الأمنية لأنه لا يحمل أي مؤهل علمي، لم ييأس، واختار أن يصبح بائع كتب متجول، فأشترى عربة يد صغيرة ذات عجلات ثلاث، ووضع بداخلها مجموعة من الكتب ليصبح بهذا أول بائع كتب متجول بالجيزة.

كتاب بـ"تعريفة"

ظل "حسان" يتجول منذ سبعينيات القرن الماضي بعربته في شوارع القاهرة، يبيع الكتب متنقلًا من ميدان التحرير، إلى شارع القصر العيني، والسيدة زينب، قائلًا: "كنت بشتري كتب بتعريفة، وأبيعها بشلن"، إلى أن استقر به المقام منذ 12 عامًا وحتى الآن أسفل كوبري الدقي بالجيزة، حيث اضطر مع كبر سنه وعدم قدرته على التنقل لمسافات كبيرة إلى الجلوس بجوار كتبه التي يفترش بها مساحة من الأرض.

وعند وصولك إلى كوبري الدقي، ومنذ الوهلة الأولى، يلفت "عم حسان" نظرك؛ حيث تجده جالسًا ممسكًا في يده كتابًا يقرأه بتركيز يفقده الشعور بكل ما يدور حوله، حتى تلك الضوضاء التي تحدثها السيارات والمارة لا تأخذه من عالم القراءة الذي اختار أن يبقى فيه طواعية.

"حسان"، أوضح أنه بمجرد أن يفترش كتبه على الأرض، ينشغل بقراءة الكتب والمؤلفات المتنوعة بين السياسة والأدب والطب والدين والتاريخ، غير عابئ بحراسة بضاعته التي يبيعها، مؤكدًا "أن القارئ لا يسرق، والسارق لا يقرأ"، كما أن الكتب لم يعد لها قيمة تغري البعض لسرقتها. 

التطور التكنولوجي

رياح التطور التكنولوجي أتت بما لا تشتهيه سفن "حسان"؛ حيث عزف الناس عن شراء الكتب، بعد أن أصبحت القراءة من خلال الإنترنت أمرًا سهلًا ولا يكلف الشخص أي أعباء مالية، إضافة إلى ارتفاع أسعار الطباعة والورق وغيرها.

يتذكر "حسان"، ما يسميه بـ"الأيام الخوالي"، حين ذاع صيته كواحد من أشهر بائعي الكتب في القاهرة، قائلًا: "اتعلمت من مدرسة الحياة اللي كان من المستحيل تعلمهولي المدارس، وكثرة قراءتي في الكتب جعلتني معروفًا وسط النخبة المثقفة، وكثيرًا ما أستعان بي أساتذة الجامعات في حل ألغاز بعض القضايا المهمة وأرشدتهم عن أهم المؤلفات التي يجدون فيها ما يبحثون عنه، وأفخر أن هناك مفكرين وأدباء تربوا على يدي، كما توطت علاقتي بالكثير من أعضاء مجلس الشعب حين كنت أبيع الكتب بالقرب من مقر البرلمان قبل سنوات طويلة مضت".

أديب الشارع

النخبة المثقفة، الذين كانوا يستعينون بـ"حسان" في أبحاثهم أطلقوا عليه "أديب الشارع"، بعدما لمسوه من تبحره في الثقافة بشتى مجالاتها؛ فهذا الرجل يمتلك موهبة أنه بمجرد أن يقرأ أي كتاب في أي مجال يحفظه عن ظهر قلب؛ إلا أنه أصبح الآن يشعرة بالحسرة على تلك الأيام قائلًا: "حال الثقافة أصبح متدهورًا، وعدد القراء في تراجع ملحوظ، والسبب في هذا هو الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، وللأسف أنا أعرف مثقفين كبار كانوا محبين للقراءة والآن تركوا الكتاب ولجأوا إلى الانترنت".

"أديب الشارع"، يشير إلى أن "القراء الحقيقون كانوا في السبعينيات والثمانينات، لأن مصر كانت تمتلك في ذلك الوقت مفكرين عظماء أمثال الشيخ محمد الغزالي، صاحب الفكر المعتدل، والدكتور عبدالحليم محمود، والشيخ محمود شلتوت، ونجيب محفوظ، ويوسف السباعي، وعباس محمود العقاد"، مؤكدًا أن غالبية الكُتاب في وقتنا الراهن "ضعفاء"، والسبب في هذا "إن أي شخص يمتلك 5 الآف جنيه، يطبع كتابًا باسمه، ويصبح كاتب".

"حسان"، لديه 4 أبناء، 3 شبان وفتاة، الابن الأصغر منهم يدرس في الصف الثاني الإعدادي، والباقين تخرجوا من جامعة الأزهر، وحول هذا يقول: "ربنا كرمني وقدرت أربيهم أحسن تربية، وأولادي الكبار بعد ما اتخرجوا من الأزهر طلبوا مني إن أعتزل المهنة وأقعد في البيت، وبيضغوا علىَّ عشان أبطل الشغل؛ صحيح هما خايفين على صحتى وقاصدين يريحونين لكن أنا روحي في الشارع ولو يوم ما نزلتش الشغل ممكن أموت".

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً