نشر الدكتور طارق شوقى وزير التربية والتعليم، على حسابه الشخصى فيس بوك، مقالًا بعنوان "صورتان من الماضي والحاضر ونظرة إلى المستقبل"
وتطرق شوقى فى مقالة للمقارنة بين ماضى نشأته وطفولته التى تربى فيها على القراءة لكبار كتاب عصره كتوفيق الحكيم، و أنيس منصور ومحمدحسنين هيكل، وكيف أسهمت تلك الكتابات فى تكوين شخصيته ووعيه، وبين ما تعانيه الأجيال الحالية من تدنى فى مستوى الثقافة واللغة الركيكة التى تتداول فيما بينهمم.
وقال شوقى"ربيت صغيراً على قراءة المقالات الرصينة لقاماتٍ كبيرة في الصحف القومية والمجلات وقد تعرفت على أسلوب الفيلسوف الكبير توفيق الحكيم على صفحات الأهرام وتابعت بشغف أسلوب الكاتب الموهوب الكبير أنيس منصور وعرفت السياسة من خلال "بصراحة" للكاتب الكبير محمد حسنين هيكل كل يوم جمعة وقد علمني جدي، رحمه الله، وأنا لم اتجاوز السابعة من عمري قراءة "نوابغ الفكر العربي" وسلسلة "إقرأ" وكان يكافئني بقراءة كتب "كامل الكيلاني" قبل نوم القيلولة كل يوم جمعة. قرأت في مكتبات جدي مجلدات عميد الأدب العربي طه حسين ثم العقاد وغيرهم. كل هذا قبل سن الثامنة حين فارق جدي الحياه في منتصف الستينات. لم يحدثني جدي عن "الدرجات" أو "الإمتحانات" يوماً في حياته وإنما كان يفخر بحفيده أمام الناس الذي قرأ لهؤلاء العظماء في هذا السن الصغير بفضل تشجيعه لي وتعليمي أن "قيمة المرء فيما يعلم". ثم أكمل والدي رحمه الله هذا الطريق إذ كان يجل العلم والعلماء وكان يمضي وقته كله في طلب العلم والبحث والتعلم. أفقت من هذه الذكريات لأواجه الواقع الحالي بعد نصف قرن وحزنت لما أصاب العلم والمعرفة والعلماء. أحاول جاهدا أن أفهم ماذا حدث خلال الخمسين سنةٍ الماضية للتعليم والمجتمع والوعي الجمعي. أنا لا اتحدث عن سنوات قضيتها في بيوت العلم وجامعات كبرى في الغرب وإنما اتحدث عن طفولة أفرزت هوية مصرية فخورة بانتمائها العربي ولغة عربية رصينة تعلمتها في مدارسنا الحكومية واستكملتها في مدارس مدينة حلب الجميلة في سوريا الشقيقة.
تذكرت هذا وأنا اقرأ ما نكتبه في صحفنا اليوم وتأملت في ضياع لغة الحوار وإستبدالها بالصراخ والسب ليل نهار على مواقع التواصل الإجتماعي. تأملت أيضاً في تردي اللغة العربية فيما نقول وفيما نكتب ومن العجب أن تتهاوى اللغة الأم ومعها اللغات الأخرى وقد استبدلنا هذا كله بلغة دارجة ركيكة ومصطلحات لا أعلم من أين جاءت وكيف تروق لنا بديلاً عن جمال ورصانة لغتنا الأم. تأملت كيف نتشدق بحرية الرأي ثم ننهال سباباً وتجريحاً في أي صاحب رأي لا نتفق معه وكأن الرأي الأخر عداوة مطلقة تستدعي نواقيس وطبول الحرب. وإذا ضاعت قيمة العلم والمعرفة والحجة والمنطق تحول الكلام إلى حالة عبثية من الضجيج كالتي نعيشها اليوم. لم يعد العلم شرطاً كي نتحدث ونتجادل ولم يعد للمرجعية دوراً في التحقق من أي معلومة ولم يعد للغة وزناً فأصبح الكلام مرسلاً بلا معنى وبلا عمق. في هذا العالم الجديد تغيرت الأدوات وأصبح الصوت العالي أقوى من العلم والمعرفة وإنتصر الإبتزاز الفكري على المنطق والحجة. في هذا العالم الجديد نجد تربةً خصبةً للإشاعات والتشهير وهدم الأمم ولم لا فقد بات الناس لا يسألون سنداً أو مرجعيةً لأي شيءٍ يكتب ولا يحتاج المرء علماً أو مصداقيةً كي يتناول شتى الأمور ولهذا كله نجده يسيراً جداً أن تنتشر الإشاعات والأكاذيب والتحريف والتزييف لأننا لم نعد نحاسب مروجيها وكأننا نجد سعادةً خاصة في تناول سيرة الناس وتحقيق مكاسب خاصة بأقل جهد بإثارة بلبلة دائمة تستنزف الوقت والجهد وتقتل العزائم والهمم.
قد يبدو هذا الحديث حزيناً أو محبطاً ولكن رأيت أن اشارككم صورة من الماضي وأخرى من حاضرنا الذي نعيشه ونكابده معاً، على الأقل كما أراه، لعلنا نتفكر فيما أصابنا ونحاول معاً أن ننقذ أطفالنا الصغار مما أصابنا نحن الكبار. وللحديث بقية إن كان في العمر بقية."