رويترز: العقوبات الأمريكية تضغط على العلاقات الاقتصادية مع إيران في دبي

صورة ارشيفية
كتب : رويترز

لعشرات السنين، ظل سوق مرشد بمطامعه الإيرانية، ولافتات متاجره المكتوبة باللغة الفارسية، مركزًا للتجارة على نطاق صغير مع إيران، عبر متاهة من الأزقة المتشابكة في دبي القديمة، غير أن هذا الحال بدأ يتبدل، إذ أغلق حوالي عشرة في المئة من المتاجر في هذا الحي، الذي كانت الحركة لا تهدأ فيه أبوابه، أو رفعت عليه لافتة ”للإيجار“.

وأصبح التجار الهنود والباكستانيون الآن يفوقون الإيرانيين الذين كانوا يهيمنون على المنطقة عددًا.

ويقول من بقي من الإيرانيين، إن تداعيات العقوبات الأمريكية زادت من صعوبة أداء أشغالهم، ومنذ عهد بعيد ظلت دبي حلقة من حلقات الوصل الرئيسية بين إيران والعالم الخارجي، غير أن حركة التجارة بين الجانبين، تباطأت مع اقتراب سريان العقوبات.

وتستهدف العقوبات التي فرضت في أوائل نوفمبر، وفي أغسطس الماضي، العملة الإيرانية الريال والسيارات والمعادن وقطاعي النفط والبنوك.

ولا يخضع الزعفران والملابس والأغذية المصنعة التي يبيعها الإيرانيون في السوق مباشرة للعقوبات، غير أن التجار يقولون إن أوضاع نشاطهم ازدادت سوءً.

وقد ازدادت ممانعة البنوك في الإمارات العربية المتحدة، بما فيها بنوك دبي للعمل مع الإيرانيين، خوفا من تعريض نفسها لتدابير قانونية أمريكية، كما أن انخفاض قيمة الريال بنحو 70 في المئة مقابل الدولار الأمريكي هذا العام، جعل التعامل مع إيران محفوفا بالمخاطر.

وقال رجل الأعمال أفتاب حسن عضو مجلس الأعمال الإيراني في دبي، إن أصحاب العقارات في السوق يعرضون التنازل عن إيجار شهرين من المستأجرين المحتملين.

وأضاف حسن ”أغلق كثيرون من الإيرانيين متاجرهم“، إذ وجدوا صعوبة في أداء الأعمال في دبي، وأضاف أن البعض ينظر في إمكانية الرحيل عن المدينة بحثا عن قواعد أخرى لنشاطه.

كما تهدد العلاقات المصرفية المتدهورة، تجارة أكبر حجما هي تجارة إعادة التصدير التي تشمل نقل بضائع دول أخرى إلى إيران من خلال موانئ دبي ومطاراتها.

وفي الماضي، كانت هذه التجارة تشمل السيارات وقطع غيارها والأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية والآلات والزجاج ومنتجات البلاستيك.

وتوضح بيانات صندوق النقد الدولي، أن 29 في المئة من واردات إيران التي بلغت قيمتها 71.5 مليار دولار في العام الماضي مرت عبر دولة الإمارات، غالبيتها العظمى عن طريق دبي التي لا تكشف عن بيانات التجارة مع إيران في حينها.

وانكمشت حركة التجارة استيرادا وتصديرا بين إيران والإمارات إلى 1.75 مليار دولار في يوليو، من 2.49 مليار دولار في ديسمبر كانون الأول الماضي. وفي عام 2014، في ذروة فترة العقوبات السابقة على إيران، كان حجم التجارة الشهرية يبلغ 1.92 مليار دولار في المتوسط.

وقال مهرداد عمادي الاقتصادي الإيراني الذي يرأس قسم تحليلات مخاطر الطاقة في شركة بيتاماتريكس الاستشارية في لندن، إن ضعف الريال بفعل اقتراب سريان العقوبات أضر بحركة التجارة لأن إيران قللت الواردات لزيادة كلفتها.

وأضاف ”عندما يكون لديك انخفاض هائل في قيمة العملة فإن أسعار الواردات ترتفع، ولا تزيد الأجور بالسرعة نفسها في إيران، ولذلك يضطر الناس لخفض الإنفاق“.

صعوبة العمل المصرفي

قال عمادي إن بنوك المنطقة انتابها القلق من الروابط مع إيران بفعل زيارات قام بها مسؤولون من وزارة الخزانة الأمريكية لمنطقة الخليج هذا العام لبحث التطبيق القانوني للعقوبات. وأضاف أن ذلك زاد من صعوبة ترتيب المدفوعات لتغطية حركة التجارة.

وقال إيراني يعمل مديرا لمتجر للأعشاب والبهارات في سوق مرشد إن البنوك في دبي لم تعد تفتح حسابات للإيرانيين دون الحصول على توقيع ثان من أحد مواطني الإمارات والمطالبة بسلسلة من الوثائق.

وأضاف أن التحويلات المالية الدولية من خلال البنوك أصبحت مستحيلة إلى حد بعيد.

وهذا الشهر قال مبارك راشد المنصوري محافظ مصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي إن بنوك الإمارات تتوخى الحذر في التعامل مع إيران بفعل احتياجها للحفاظ على علاقاتها مع بنوك المقاصة في الولايات المتحدة.

وقال إن بنكين إيرانيين هما بنك ملي وبنك صادرات اللذان يخدمان الإيرانيين في الأساس سيواصلان العمل في الإمارات.

وأحالت حكومة دبي الاستفسارات عن العقوبات إلى وزارة الاقتصاد الإماراتية. وقال مسؤول في الوزارة إن الإمارات ملتزمة التزاما كاملا بالعقوبات الأمريكية.

وقال البنك المركزي الإيراني الشهر الماضي إن بنوك الإمارات لم تعد تسهل التعاملات للتجار الإيرانيين. ونقلت وكالة الجمهورية الإيرانية للأنباء (ايرنا) عن البنك قوله إن طهران تسعى إلى بدائل في المنطقة لتحل محل الإمارات كمركز للتعاملات المصرفية.

البحث عن بدائل

أعاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض العقوبات في محاولة لتقييد برامج طهران الصاروخية والنووية وتقليص نفوذها في الشرق الأوسط لا سيما دعمها لأطراف في سوريا واليمن ولبنان.

ويمثل فرض هذه العقوبات في الأساس تكرارا للتدابير التي فرضها الرئيس السابق باراك أوباما فيما بين عامي 2012 و2015 وذلك رغم أن المسؤولين الأمريكيين يقولون إنهم يعتزمون أخذ إجراءات إضافية.

وقد تحملت دبي العقوبات السابقة إذ تعود الروابط التجارية التي تربطها بإيران لأكثر من قرن من الزمان، كما أن عدد الإيرانيين فيها يقدر بنحو 200 ألف نسمة أو أكثر، أي ما يربو على خمسة في المئة من إجمالي عدد السكان.

واكتشف رجال الأعمال سبلا لمواصلة العمل. فقد استخدم بعض التجار الإيرانيين أفرادا من جنسيات أخرى لنقل الأموال إلى الخارج وأبرموا صفقات مقايضة يتم فيها تبادل سلع دون دفع أي مبالغ بالعملة الصعبة.

غير أن إدارة أوباما لم تطبق العقوبات بصرامة، الأمر الذي سمح ببقاء عدد صغير من القنوات المصرفية والتجارية مفتوحة.

وفي مجلس الأعمال الإيراني، تراجع عدد الأعضاء إلى حوالي 50 بعد أن كان 500 في عام 2011.

وقال حسين أسرار حقيقي رجل الأعمال الإيراني وعضو المجلس الذي يعيش في دبي منذ 37 عاما إن ذلك يرجع في جانب منه إلى أن مؤسسات الأعمال ترفض أن يرتبط اسمها بالمجلس خلال العقوبات.

وأضاف أن البعض ينتقلون إلى أماكن أخرى مثل تركيا أو أوروبا.

وقال ”المستثمرون يبحثون عن أفضل الظروف الممكنة لأداء أعمالهم وكسب عيشهم وعندما يواجهون مثل هذه الصعوبات.. يبحثون عن البدائل“.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً