حُرمة المسلم غير مقيدة بحياته، بل هي باقية في الحياة وبعد الممات، ويجب صونها والذود عنها في كلّ حال، لكن الباحثون عن الثراء السريع، مهما كانت الوسيلة وأيًا كان الثمن، وتطورت وسائل البحث عن المال، حتى وصلت إلى أبشع جرائم الحياة «نبش القبور»، والاتجار في جماجم الموتى، في الفترة الأخيرة، كانت دوافع نبش القبور متعددة، والأساس فيها سرقة الجماجم، البعض يبيعها لعصابات الاتجار بالمخدرات التي تقوم بطحنها وإضافتها على مواد أخرى لتصنيع مخدر ما، وآخرون يبيعونها لطلاب كلية الطب للتعامل معها، وإجراء التجارب عليها، فيما تستغلها عصابات مع السيدات العقيمات لتتمكن من الإنجاب بعد المرور على الجمجمة، كما يقوم البعض ببيعها إلى الدجالين والمشعوذين المتخصصين في أعمال السحر.
قبل أن يُخيَم الظلام على البقعة الأكثر رعبًا في منطقة حلوان وهي «مقابر عرب راشد» عندما تذهب إلى هناك سوف تنتابك قشعريرة، وتتعطل كل حواسك عن العمل من الرهبة، فور دخول المكان لن تستوعب أن الجميع ينتهي به المطاف إلى هنا، لكن على الجانب الآخر من المشهد ترى حياة تجاور الموت، منازل وعائلات قضت عمرها ما بين الأموات.
«أهل مصر» اقتربت من المكان بخطوات بطيئة، ونظرات متبعادة على مد البصر للبحث عن مكان تواجد التربي المسئول عن حراسة المكان، وبعد دقائق من البحث وجدنا شخصين يقفان بجانب مقبرة يبدو عليها جديدة من ألوانها المختلفة، بقلوب ميتة وبابتسامة ارتستمت على وجوههم يستقبلون الأموات لا يهابون شيء على حد قولهم.
«الجثة بتحلل بعد 6 شهور».. بدأ جابر إبراهيم البالغ من العمر 70 عامًا حديثه الذي يعمل «تربي» منذ إقامته في المنطقة، ويقول: «الناس اللي بتعمل كده وينتهكو حُرم الموتى دول ناس مبتخفش ربنا لأن دي أمانة قدام ربنا إنسان باع ضميره ومصداقيته من أجل المال أو متعة رخيصة في الحياة الدنيا، وينسى عقاب الله لهم في الآخرة».
وأضاف الرجل السبعيني هناك من يقوم بجمع أعضاء من جسم الإنسان «جمجمة المتوفى» ويعمل على طحنها حتى تصبح مثل البودرة ويقوم ببيعها لمدمني المخدرات، وهناك فئة منهم تقوم بنبش المقابر لدفن أعمال السحر والشعوذة.
وتابع التربي أن الجثة تحلل بعد 6 شهور من دفنها، وهناك أجساد وذلك حسب نوع الأرض.. «فهناك أرض تأخذ فترة قليلة لا تتعدى شهرين، وهناك أرض مملحة بتأكل في أجساد المتوفين وهذه تتحلل بسرعة».
«أبو سعيد الدمياطي» في بداية العقد السابع من عمره وقف يتحدث بملامح في غاية الهدوء والطيبة يتحدث بابتسامة صادقه تشعرك أنها تخرج من قلب أغنى رجل في العالم، رغم عمله في مهنة «التربي» منذ وصوله إلى العقد الثاني من عمره مع والده: «أعيش حياة مليئة بالسعادة هنا لأنها هي الأولى والآخرة فالحياة خارج المكان كلها كئيبة» وفور الانتهاء من الحديث عن حياته التي يعيشها بين القبور، بدأ كلامه عن ما سمعه خلال الأيام الماضية عن سرقة الجثث وتقطيعها إلى أجزاء وبيعها إلى طلبة كلية الطب: «الناس دول مقتنعين إنهم هيهربوا من القانون، وبطالب أنهم يتعدموا لأنهم ارتكبو أبشع جرائم الحياة».
وتابع «الدمياطي»: «أنا بقالي كتير عايش هنا مفيش جثة بيتم دفنها إلا بتصريح دفن، وعند عدم وجود تصريح يتم تبليغ الرقابة وتعطيني أوامر بعدم الدفن».
والتقط «ثروت» البالغ من العمر 30 عاماً، ويعمل حارس المقابر، هو المسئول عن المكان طرف الحديث فيقول: «بنسمع عن سرقة المقابر لعدم وجود بوابات كبيرة تحمي جثث الموتى من السرقة»، مضيفًا: «أنا بنزل المقابر لوحدي الساعة 2 بليل عمري ما سمعت أصوات كلها خرفات لأن ربنا هو الحافظ».
ماذا يقول القانون؟
وفي هذا الصدد ينتقد الدكتور السيد عتيق أستاذ القانون الجنائي بجامعة حلوان وجود مادة وحيدة فقط في القانون المصري تعاقب من يقوم بنبش القبور وهي المادة 361 جنحة، بالسجن في مدة تترواح من سنة لـ3 سنين، مطالبًا بتعديل هذه المادة وتبديلها بعقوبة أشد لتبر ذراع كل من تسول له نفسه أن ينتهك حرمة الموتي.
وأوضح «عتيق» في تصريح لـ«أهل مصر» أن المادة 160 من قانون العقوبات المصري تحدد عقوبة نابش القبور بالحبس وبغرامة لا تقل عن 100 جنيه، ولا تزيد عن 500 جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، لكل من انتهك حرمة القبور أو الجبانات أو دنسها، وتكون العقوبة السجن لمدة لا تزيد عن 5 سنوات إذا ارتكبت أي من الجرائم المنصوص عليها في المادة 160 تنفيذًا لغرض إرهابي.
«الجماجم البلاستيكية»
من جهته قال الدكتور نبيل عبد المقصود، مدير مستشفى قصر العيني، إن طلبة كلية الطب يتلقون محاضرة التشريح داخل الكلية، والتي تشمل تعرفهم على الجماجم وأجزاء الإنسان، مشيرًا إلى أن الكلية توفر تلك الأجزاء التي يتعلمون من خلالها.
وأشار عبد المقصود، في تصريح لــ«أهل مصر»، إلى أن الطالب بعد تلقيه محاضرة التشريح يعود إلى منزله، يكون بحاجة إلى وجود تلك الجماجم حتى يستطيع المذاكرة عليها وحفظها وفهمها.
وكشف مدير مستشفى قصر العيني، أن دور الكلية يقتصر على توفير تلك الجماجم والأجزاء الخاصة بالتشريح للطلاب داخل غرفة التشريح فقط، ولا يسمح للطلاب باستعارتها في المنازل، الأمر الذي يجعل بعض الطلاب يلجأون إلى أماكن ووسائل أخرى للحصول على جماجم وأجزاء بشرية حتى يتمكنوا من المذاكرة عليها في المنزل.
وعن لجوء الطلاب إلى المقابر للحصول على جماجم أو جثث للتشريح، يقول الدكتور نبيل عبد المقصود، إن هذا كان يحدث قديمًا، ولكن حاليًا مع وجود جماجم وأجسام بلاستيكية، تباع في أماكن مخصصة لها، أصبح من النادر لجوء الطلاب إلى المقابر.
ولفت عبد المقصود، إلى أن الجماجم والأجسام البلاستيكية، تتسم بأنها تشبه الطبيعية إلى حد كبير، وبالتالي تسهل على طلاب كلية الطب فهم وحفظ مواد التشريح الخاصة بهم.
- «الائتلاف السلفي»: إجراء الدراسات على الجثث حرام
يقول الدكتور وليد إسماعيل مؤسس الائتلاف السلفي «المسلمين للدفاع عن الصحابة وآل البيت» إن استخراج الجثث بعد الدفن لإجراء بعض الدراسات عليها والتي تخص كليات الطب حرام شرعًا حتى أن الشخص المتوفى إذا أوصى قبل موته بإخضاع جسده للمناقشات العلمية وإجراء التجارب عليه حرام شرعًا، وأن الأهل بتنفيذ الوصية أثموا لأن الجسد بعد الوفاة ليس ملكًا لأحد وأنه بعد الوفاة يكون الجسد أمانة حتى الدفن.
«الإفتاء»: حرمة المسلم غير مقيدة بحياته
وردت دار الإفتاء المصرية عبر موقعها عن استخراج الجثث بعد الدفن، والذي عرف بنش القبور قائلة: إن الله تعالى جعل حرمة المسلم من أكبر الحُرمات، وأوجبها صوناً على المسلمين والمسلمات، وهذا ما فهمه السلف قبل الخلف؛ فقد روى ابن حبان والترمذي بإسنادٍ حسن أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما نظر يوماً إلى الكعبة فقال: (ما أعظمَكِ وأعظمَ حُرمتِكِ ! والمؤمنُ أعظم حُرْمةً مِنْكِ).
وأوضحت «الإفتاء» أن حرمة المسلم غير مقيدة بحياته، بل هي باقية في الحياة وبعد الممات ويجب صونها والذود عنها في كلّ حال، وعلى كلّ حال، ولا شك أن في نبش القبور ونقل ما فضل من آثار الموتى في الألحاد، انتهاك حرمةٍ أوجب الله تعالى حفظها وصيانتها والدفاع عنها.
نقلا عن العدد الورقي.