تجمع شخصية المصريين عددا كبيرا من الصفات التي قد تبدو مختلفة تمامًا عن بعضها بعضا، ولكن هناك تغيرات اجتماعية ونفسية تؤثر في الصفات، مما يجعل محاولة تحديد الصفات الأساسية للشخصية المصرية صعبًا للغاية، ولكن يمكن التعرف عليها عبر السلوك العام في المجتمع، وتختلف أراء الأطباء النفسيين حول تحليل شخصية المصريين ومنها أن "الرجل المصري غير متحرش والمرأة مش نكدية".
في البداية أكد الدكتور هاشم بحري، أستاذ الطب النفسي جامعة الأزهر، أن المجتمع المصري مجتمع ذكوري يقدر قيمة الرجل عن المرأة، والغريب أن المرأة نفسها من تفعل ذلك؛ لأنها السبب الرئيسي في إعلاء الرجل عنها بدءًا من مراحل التربية، رغم أن الفتيات أثبتن نجاحًا كبيرًا في مجالات عديدة، فهناك عادات وتقاليد متوارثة بذلك، ولكن بعد الزواج تشكو من سيطرة الرجل فتبدأ السيدات بانتقادهم وهي المعايير المزدوجة في شخصية المرأة.
وأشار أستاذ الطب النفسي إلى أن الرجل المصري عندما يتزوج يحتاج إلى أم وبالتالي يجب عليها أن تكون مُطيعة في كل الأحوال ومبتسمة، ولكن في ظل ظروف الحياة اليومية بداية من اهتمامها بأطفالها وأسرتها وعملها المهني لا يمكن أن تفعل كل ذلك، وبالتالي يبدأ الرجال بالتذمر وأن الست المصرية "نكدية"، وهذا غير صحيح، ولكن في حالة الاكتئاب الموقفي نتيجة الأزمات فهو يُعد أكثر انتشارا لدى السيدات عن الرجال ولا يشترط أن يكون السبب الزوج، ولكن يمكن أن يحدث من خلال العمل أو الجيران وغيرهما نتيجة الاحتكاك والتفاعل مع الأخرين.
في حين أوضح الدكتور محمد سامي، طبيب نفسي بمستشفى العباسة، أن الطب النفسي يحاول النظر إلى كل حالة على حدة حتى يمكن التعامل معها ومعرفة الأسباب والظروف المحيطة لنفسية كل فرد، كما أنه لا يمكن أن نعمم أن الرجل المصري متحرش، ولا يمكن تعميم أن المرأة "مش نكدية"، كل حالة تأتي نتيجة ظروف وأحداث معينة أثرت وتسببت في حدوث ذلك، ولكن في الأساس هناك خصائص وسمات يختص بها الإنسان المصري دون سواه.
وفي السياق ذاته أكد خالد عبد المحسن بدر، أستاذ علم النفس الاجتماعي بكلية الآداب جامعة القاهرة، أن هناك تغييرات خطيرة في نفسية المصريين لعل أول أسبابها الإعلام وما يتم تقديمه على الساحة الفنية من أفلام ذات مستوى مهني متدني لا يرقى أن يراه أطفالنا، ويتم تنشئتهم في جو مليء بالإباحية والبلطجة وانتشار العشوائيات التي تخلق جيلا لا يهتم سوى بالموضة ووسائل الاتصال الحديثة، كما أن هناك العديد من الثقافات المغلوطة وغياب العقاب المناسب للأبناء عند ارتكاب أخطاء فضلاً عن ضرورة وضع معايير للتقويم وضوابط للسلوك العام يبدأ زرعها في طفل الروضة لتجنب أخطار الظواهر الجديدة في المجتمع المصري.
كما أوضح أستاذ علم النفس الاجتماعي أن المنتشر حاليًا بأن الرجل متحرش والمرأة تبعث حالة من النكد والغم، ولكن الأساس في ذلك هو التربية والجيل الجديد الذي يجب أن يتربى على أسس صحيحة، مؤكدًا أن الرجل المصري غير متحرش ولكنه أول من يبادر في الدفاع عن فتاة تطلب مساعدة، فالجدعنة والشهامة صفة متأصلة بالشعب المصري، كما أن المرأة المصرية صبورة ولكنها بسبب ضغوط الحياة أصبحت تعاني من الحزن خاصة فئة الثلاثينيات التي تأخرت في الزواج بسبب الظروف الاقتصادية وارتفاع حالات الطلاق بصورة ملحوظة أو بسبب الضغوط النفسية من الاهتمام بالأسرة وعملها المهني في وقت واحد وهو ما لا يستطيع الرجل القيام به.
وتابع أنه نتيجة كثرة الضغوط والظروف الاقتصادية والاجتماعية التي يمر بها الفرد، ظهرت عدة سلبيات بالمجتمع المصري، ولكن لا يمكن تعميها، فنفسية المصريين متغيرة.
جديرًا بالذكر أنه تم إجراء مسح قومي للصحة النفسية بهدف قياس معدل انتشار الاضطرابات النفسية بجمهورية مصر العربية لعام 2018، وأكد المسح أن 25% من المصريين يعانون من الأعراض والاضطرابات النفسية بمعنى أن 1 من كل 4 أشخاص من المفحوصين لديه عرض أو اضطراب نفسى، وأن الاضطرابات الأكثر انتشارًا هي الاضطرابات المزاجية خاصة الاكتئاب والتي بلغت 43.7%، وبلغت اضطرابات تعاطى المخدرات 30.1٪.
وأضاف أن 0.4 % من الذين يعانون من اضطرابات وأعراض نفسية فقط يلجؤون للعلاج، لافتا إلى أن النسبة منخفضة للغاية مقارنة بالذين لديهم مشاكل أو اضطرابات نفسية 25٪، وكشف المسح أن انتشار الاضطرابات النفسية أكثر في المناطق الريفية منه في المناطق الحضرية، وهو ما يشير إلى الحاجة لتوجيه تخطيط الخدمات النفسية إلى المناطق الريفية، كما كان هناك اختلاف كبير في توزيع المرض النفسي بين الجنسين ومع ذلك فإن الاختلافات لم تكن واضحة بين المتزوجين وغير المتزوجين، ويبدو أن الزواج ليس عاملًا وقائيًا ضد الاضطرابات النفسية كما كان معتقدًا في الدراسات السابقة، كما أنها لا ترتبط بمهنة معينة.
وأشار المسح القومي للصحة النفسية إلى أن غالبية الاضطرابات تظهر في شكل اضطرابات مزاجية وينبغي أن يتم تطوير خدمات الصحة النفسية لتكون على اتصال وثيق من نظام الرعاية الصحية الأولية بالإضافة إلى أهمية تدريب الأطباء على الرعاية الأولية.
واعتبر المسح الوضع الاجتماعي والاقتصادي أحد عوامل الخطر لحدوث الاضطرابات النفسية التي هي أكثر انتشارا في المجتمعات الاجتماعية والاقتصادية المصنفة "منخفضة جدًا" وتكون الأمراض النفسية أكثر ظهورا في فئة العمال غير المهرة في مصر، وتشير هذه النتيجة إلى أن عدم وجود مهنة محددة ترتبط بمزيد من المعاناة الصحية النفسية، كما وُجد أن ممارسة الأنشطة الاجتماعية يرتبط بشكل كبير مع انخفاض انتشار الأمراض النفسية.