منصور الصويم الروائي السوداني الشهير: الكراهية بين شعبي وادي النيل مستحيلة.. نعيش زمن الرواية.. والسياسة تخلق حساسيات (حوار)

منصور الصويم
منصور الصويم

حاوره في القاهرة : محمد مختار

بين الرياض ومكة والخرطوم وكازبلانكا لم نتوقف عن التواصل بالهاتف أو بوسائل التواصل الاجتماعي، في كل اشكال التواصل وحتى عن بعد تشعر بأنفاس منصور الصويم الدافئة تمنع عنك كل شعور باليأس أو الاغتراب في مجتمعات تعيش مفعمة بأزمات لا تنتهي، اتفقنا على اللقاء ولم نحدد أين نلتقي، ثم كانت المكالمة من القاهرة، رقم هاتف لا اعرفه يتصل بي لأجد على الجانب الآخر منصور الصويم يقول إنه في القاهرة لساعات، كنت في مناسبة اجتماعية هو يعرف أهميتها، تركتها وتركت المدعوين، وانطلقت بأقصى سرعة نحو ميدان التحرير، التقيت منصور وأفضيت له بهمي، عبرت عن هاجس الخوف من أن جدار من الكراهية بين الشعبين المصري والسوداني يرتفع بفعل فاعل، فكان رده الملئ بالتفاؤل والتحدي معتبرا أن هذه الكراهية مستحيلة : ( لا توجد كراهية الشعب السوداني كله في مصر الان .. هي محاولات ومؤامرات إعلامية بفعل فاعل لن يكتب لها النجاح)، ومَنْصُوُر الصويم روائي سوداني، يعد واحدًا من أبرز الروائيين السودانيين على مستوى السودان والوطن العربي.[1] فاز بعدة جوائز محلية وإقليمية في مجال الرواية، حيث فاز بـجائزة الطيب صالح للإبداع الروائي والتي ينظمها مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي في السودان في عام 2005 عن روايته "ذاكرة شرير، والتي تمت ترجمتها إلى اللغة الفرنسية، كما فاز بمنحة آفاق عام 2013 التي يقدمها "الصندوق العربي للثقافة" عن روايته "آخر السلاطين"، أيضاً فاز بجائزة هاي فيستفال بيروت 39 عن مجمل أعماله.، أهل مصر حاورته حول واقع ومستقبل الرواية السودانية فكان هذا الحوار:

- كيف تري واقع ومستقبل الرواية في السودان وفي العالم العربي؟ ولماذا لم تتنشر الرواية السودانية في شمال افريقيا على الرغم من انها معروفة في الغرب؟

بلا شك أن الزمن الآن "زمن الرواية" سواء أكان في السودان أو عربيا وعالميا، وهذا يعود بالطبع للطبيعة المرنة للرواية وقدرتها الهائلة على استيعاب الأجناس الأدبية الأخرى، والامكانات التي توفرها في مساءلة ونقد الواقع في أبعاده الوجودية والاجتماعية وحتى الكونية، فما تلاحظه الآن من اهتمام متعاظم بكتابة الرواية وعملية نشرها وما يصاحب ذلك من مسابقات ترصد له جوائز بآلاف الدولارات؛ كل ذلك يؤشر إلى أنها الشكل الأدبي الذي يتناسب مع أذواق وميولات هذا العصر بكل تحولاته المتسارعة، ولو أردت التخيصص أكثر لقلت لك أن السودان يشهد الآن "ثورة" روائية، فبين كل ثلاثة كتب جديدة لا بد أن يكون هناك اثنان ينتميان إلى جنس الرواية. 

في عدد من تجاربك ما يشير لجوانب من سيرتك الذاتية.. كيف ترى حدود الفصل بين السيرة الذاتية للكاتب وتجاربة الابداعية؟ 

من الطبيعي للكاتب أن يمتاح من محيطه ومن تجاربه وما تختزنه ذاكرته من أحداث وصور، نعم قد تظهر ملامح تشير إلى شيء من السيرة الذاتية للكاتب مثلما قلت؛ لكن ما يميز كتابة الرواية عن كتابة السيرة الذاتية أن الخيال يمتزج بالسرد الروائي ويعمل على تبديل الوقائع والأحداث وحتى سمات الشخصيات وفقما يتطلب منطق السرد للعمل المحدد، فما يبدو أنه سيرة ذاتية ليس بالسيرة الذاتية الخالصة وإنما تخيلط من اشتغال الذاكرة وسيولة الخيال ممزوجا بآليات وفنيات الكتابة الروائية.

الرواية السودانية تتجه لان تكون رواية افريقية الثقافة والتوجه والمشاعر؟ هل تري ان هناك حساسية من بعض المبدعين السودانيين تجاه المكون العربي في الثقافة السودانية؟

لا أعتقد أن المسألة تقاس بهذه الطريقة، فالرواية السودانية رواية أفريقية في الأصل بما أنها تعكس ثقافة شعب ضاربة في العمق الحضاري الأفريقي، فكما هو معلوم أن الحضارة السودانية القديمة "الكوشية والنوبية" من أقدم الحضارات ليس في أفريقيا فقط وإنما في العالم أجمع، نعم الأداة التي تبرز هذه الرواية هي اللغة العربية – وهي مكون أساسي من الثقافة السودانية الأفريقية – لكن ذلك لا يعني بتاتا انفصال هذه الرواية عن أفريقيتها الحاضنة.

 أما حديثك عن حساسية البعض من المكون العربي في الثقافة السودانية فذلك شأن آخر لعبت فيه السياسة الدور الأكبر، لاسيما في ظل سيطرة الإسلاميين على السلطة طوال ثلاثين عاما ومحاولتهم فرض ثقافة بعينها في مقابل الثقافات الأخرى، ومن هنا ربما بدا للبعض وكأن هناك اتجاه للانسلاخ من المكون العربي والإبقاء على المكون الأفريقي فقط، وهذا لن يحدث في رأيي لأصالة كلا المكونين ولأنه من الأفضل للجميع أن يسود مبدأ الاعتراف الثقافي المبادل في ظل دولة مدنية يحكمها القانون. 

- بين القاهرة وباريس والرياض وعواصم اخري ارتحلتم، كيف اثر الترحال للعمل أو الزيارة على أدب منصور الصويم؟

بلا شك كان لهذه التنقلات والرحلات أثر كبير في إثراء تجربتي وفي تعريفي على تجارب الآخرين والتحاور معاهم، وهذا الأمر ساعدني كثيرا في فهم العالم والأشياء من حولي بصورة أفضل، فوجودي في مدينة الرياض مثلا ولسنوات امتدت إلى أكثر من خمس أعوام أفادني في تكسير الكثير من الصور النمطية عن الآخر وطبيعته، كما أفادني كثيرا في التعمق أكثر في الطبيعة المعقدة للبشر... والبشر هنا من كل الأطياف والأجناس.

- هل الاغتراب عنصر مؤسس في بنية الرواية السودانية أم أن الاغتراب يحبط المبدعين ويقطع تواصلهم مع بيتئهم الاصلية التي يبدعون من خلال عناصرها؟

الأمر يتوقف في رأيي على طبيعة المبدع وكيفية تعامله مع تجربة الاغتراب بكل ما تحمله من قسوة ومعاناة. هناك من استطاع أن يجتاز هذه التجربة ويستمر في الكتابة وهناك من جرفه التيار وتوقف. عني شخصيا للأمر يتعلق بـ "مشروع" ولا يخضع لشروط تأتي من خارجه، فأنا استمر في الكتابة أيا كان الأجواء المحيطة، محاولا في قدر الإمكان الاستفادة من كل التجارب التي أعبرها أو تعبرني في إنماء واستمرار هذا المشروع.

نقلا عن العدد الورقي.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً
عاجل
عاجل
البنك المركزي يقرر تثبيت أسعار الفائدة على الإيداع والإقراض.. للمرة الخامسة على التوالي