تشهد الفترة الحالية أزمة جديدة في المنظومة الصحية، فبعد أن كانت المشكلات تتعلق بالأوضاع الاقتصادية للأطباء وعراقيل الحصول على الدراسات العليا وفرص التدريب ومدى توفير الأجهزة الطبية الحديثة، ظهرت مشكلة عزوف الأطباء عن المهنة، خاصة في التخصصات الحرجة كالجراحة والرعاية والتخدير والعناية المركزة وما يمثله ذلك من خطر كبير على المرضى، لذا قرر "أهل مصر" سبر أغوار عزوف الأطباء عن التخصصات الحرجة.
"بسبب البهدلة".. بهذه الجملة استهل الدكتور إسلام عوض، إخصائي جراحة عامة وجراحة أوعية دموية، حديثه مع "أهل مصر" ليوضح مأساة الأطباء في مصر، بدءًا من سنوات الكلية حتى التخرج والحصول على الماجستير والدكتوراه على نفقته الخاصة بآلاف الجنيهات، وفي النهاية يكون راتبه الشهري 2500 جنيه، وهو ما يحصل عليه الطبيب خلال ساعتي عمل بالخارج.
واشتكى إخصائي الجراحة العامة من كثرة الضغوط النفسية والعصبية التي يتعرض لها الأطباء، فضلاً عن أنه في حالة حدوث أي مشكلة مع الطبيب يجد نفسه وحيدًا، فليس هناك نقابة أو وزارة تساند الأطباء، حيث تحدث إساءات ومضايقات من جانب الأهالي في حالة عدم توفير المستشفى للإمكانيات اللازمة لإسعاف المريض، فلا يواجه المدير أو الدولة هذه المشكلة، ولكن يتحملها الطبيب بشكل مباشر، وبالتالي لا يمكن مقارنة العمل في مصر بالسفر إلى الخارج.
وأضاف أنه لا يوجد نظام تأمين محترم للأطباء يحميهم من مخاطر المهنة التي يتعرضون لها يوميا في كل لحظة من تعاملهم مع المرض، حيث لا توجد في مصر مستشفيات خاصة بعلاج الأطباء كنظائرهم في الجيش والشرطة والقضاء وغيرهم من مؤسسات الدولة، والأغرب أن الحكومة قدرت بدل العدوى للأطباء بمبلغ زهيد من القرن الماضي لا يتعدى العشرين جنيهًا.
وأوضح الدكتور حسن صلاح، دكتور جراحة عامة، أن العائد المادي في المستشفيات الحكومية ضعيف جدا وغير مناسب للأطباء، مؤكدًا أن ظاهرة عزوف الأطباء عن العمل خطيرة، وأن هناك كارثة حقيقية بسبب نقص الأطباء، خاصة في التخصصات الحرجة كالتخدير والطوارئ والجراحة، وفي القريب العاجل سيحدث عجز طبي، مُطالبًا وزارة الصحة بوضع حلول لهذه المشكلات؛ حتى يتمكن الأطباء من أداء عملهم وعدم هروبهم للخارج.
وأرجع الدكتور موريد مكرم ميخائيل، استشاري الجراحة العامة ورئيس قسم الجراحة بمستشفيات وزارة الصحة بالقاهرة وزميل الكلية الملكية بلندن، الأزمة إلى أن المرتبات ضعيفة جدا مقابل الخدمة الطبية التي يقدمها الأطباء للمرضى، إضافة إلى معوقات عديدة في منظومة الصحة وتضييق خناق على الأطباء، فلا يوجد إقبال من الشباب على التعليم والحصول على الزمالة المصرية.
لافتا إلى أن وزارة الصحة تعلم جيدًا هذه المعوقات ولا تفكر في حلها، حيث وصل الحال الآن لأن تطلب مستشفيات جامعية ومستشفيات تعليمية التعاقد مع أطباء، وخاصة في التخصصات النادرة التخدير والعظام والطوارئ، كما أنه يتم التعامل مع الطبيب باعتباره موظفا وليس صاحب مهنة إنسانية.
وذكر الدكتور خليل إبراهيم، باطني، أن رواتب الأطباء ضعيفة، وهناك نقص في الإمكانيات، وخوف الأطباء خاصة في التخصصات الحرجة من مسئولية الخطأ الطبي والمساءلة القانونية وعدم وجود قوانين صريحة وعادلة لصالح الأطباء، فيمكن للمريض أن يتسبب في سوء وتدهور حالته الصحية، وحدوث إهمال واضح من جانبه، ولكن الأهل ترمي التهم على عاتق الطبيب، ويدفع ثمن ذلك، وبالتالي فهذه الفئة في مهنة الطب تُفضل السفر للخارج أو العمل في عيادات خاصة أو مستشفيات خاصة.
وأشار الدكتور كريم مصباح، عضو مجلس نقابة الأطباء، إلى أنه تم استقالة 593 طبيبًا بشريا من وزارة الصحة خلال الشهور الماضية، لافتًا إلي أن هذا معناه أن هناك ٧٥ طبيبًا يتقدمون باستقالاتهم كل شهر، والعدد في ازدياد، وأن معظم هؤلاء الأطباء من التخصصات الحرجة والنادرة.
جدير بالذكر أن الدكتور هالة زايد وزيرة الصحة حذرت من تراجع عدد الأطباء الذين يعملون في المستشفيات، وكشفت أن 60% من الأطباء يعملون خارج مصر، ووجهت رسالة للأطباء مفادها: بلدك علمتك بدون تكلفة عالية، بلدك أولى بيك. مشيرة إلى أن البلد يتيح العمل في القطاع الخاص بالتوازي مع العمل الحكومي، لسد الاحتياجات المالية.