"خالف تعرف".. مثل مشهور قيل قديمًا، إلا أنه أصبح منهجًا للبعض هذه الأيام، لتحقيق شهرة ونجومية، أو لإثارة بلبلة بآرائهم وتصريحاتهم وفتواهم التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" و"تويتر"، أو عبر صفحات الصحف، أو من خلال القنوات الفضائية، التي فتحت لهم أبوابها ليطلقوا "فتواهم"، لتحقيق نسبة مشاهدة عالية وجذب الإعلانات لمحطاتهم.
سعاد صالح:
بدأتها الدكتورة سعاد صالح أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، بتصريحها خلال مداخلة هاتفية لبرنامج عم يتسائلون المذاع عبر فضائية LTC، بشأن حق الرجل رؤية شعر وأيدي وأرجل مخطوبته، حيث قالت إن الزواج لابد له من شروط لإقامته إقامة صحيحة، لاسيما أنه عند الله يسمى الميثاق الغليظ، لافتة إلى أن هذا الزواج يبدأ بـ "الخطبة"، التى تعد هى مقدمة للزواج، مشيرة إلى أن الخطيب له حق شرعى بأن يرى مفاتن جسم خطيبته من شعر وذراعين ورجلين، "الخطيب له أن يرى ذراعى خطيبته من كتفيها وحتى كفى الأيدى، موضحة أنها له أن يراه بملابس أعمالها المنزلي"، مشددة على أن هذا الرأى هو الراجح بين الفقهاء.
ما جعل الكثير يتسائل عن الحكم الشرعي الصحيح في فتوى سعاد صالح، ووردت العديد من الأسئلة إلى دار الإفتاء المصرية إلى أن جاء رد رسمي من الدار حيث قالت:
"لا يجوز لك أن ترى منها سوى الوجه والكفين، فالخطبة لا تحل المخطوبة للخاطب، فالخاطب أجنبي عن مخطوبته، وهي أجنبية عنه كذلك، فلا يجوز له أن يطلع عليها بغير حجابها الشرعي، ولا يجوز الخلوة بها، ولا الاستمتاع بها بمسك اليد ونحوه، ولكن يجوز له مصافحتها على سبيل التحية بغير شهوة، على المختار من جواز المصافحة للأجنبية بصفة عامة، كما يجوز له أن يجلس معها في حضور محارمها، وهي في حجابها للتعرف عليها، وأن يكون الكلام بينهما غير خارج عن ضوابط الشرع الشريف والآداب الإسلامية".
وتابعت "الإفتاء": ينبغي أن يلتزم الخاطب والمخطوبة بتلك الضوابط الشرعية والآداب الإسلامية فيما بينهما، ولا ينبغي لهما الخروج عليها.
المساواه بين الرجل والمرأة في الميراث:
أيام قليلة مرت علي الواقعة حتى بدأ الناس تناسيها، إلا أن الدكتور سعد الدين الهلالي كان له رأي آخر، بشأن تأييده لما أقرته تونس بشأن المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث، وتأكيده على أن ذلك غير مخالف للقواعد الفقهية، ما جعل المؤسسات الدينية وعلى رأسها الأزهر الشريف تنتفض للدفاع عن الثوابت الشرعية، وكان رد المؤسسة الدينية علي الهلالي رد صارم حيث أصدرت هيئة كبار العلماء بيانا تفصيليًا لإنكار فتوي الهلالي وجاء ضمن بيان الهيئة "تابعت هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف باهتمامٍ بالغٍ ما يُثارُ في الآونةِ الأخيرةِ حولَ بعضِ الثوابتِ الشَّرعيةِ المُحْكَمةِ التي يُحاوِلُ البعضُ التحقيرَ مِن شأنِها والاستخفافَ بأحكامِها، بينما يَجتهِدُ آخَرونَ في التقليلِ من قيمتِها، بإخراجِها من إطارِ القطعيَّاتِ المُحكَماتِ إلى فضاءِ الظنِّيَّاتِ".
وأضاف: ومِن تلك القضايا التي زادَ فيها تجاوُزُ المضللينَ بغير علمٍ في ثوابتَ قطعيَّةٍ معلومةٍ مِن الدِّينِ بالضرورةِ، ومن تقسيم القرآن الكريم المُحكَمُ للمواريثِ، خصوصًا فيما يتعلَّقُ بنصيبِ المرأةِ فيه، والذي وَرَدَ في آيتينِ مُحكَمتَينِ مِن كتابِ الله المجيدِ في سُورةِ النِّساءِ، وهو أمرٌ تجاوَزَتْ فيه حَمْلةُ التشنيعِ الجائرةُ على الشَّريعةِ كلَّ حُدودِ العقلِ والإنصافِ.
وتابع: فقد سوَّلَتْ لبعضِ الناسِ عُقولُهم القاصرةُ، وخيالاتهم البعيدة عن الشرع وأحكامه، أن الإسلامَ ظَلَمَ المرأةَ حِينَ لم يُسَوِّ بينها وبينَ الرجلِ في الميراثِ تسويةً مطلقةً، وأنه ينبغي أن تأخُذَ المرأةُ -المظلومةُ في زعمِهم!- مثلَ ما يأخُذُ الرجلُ، لا يتميَّزُ عنها في شيءٍ.
لقراءة بيان هيئة كبار العلماء كاملا هنا
لم تكتفي المؤسسة الأزهرية بالرد فحسب بل تبرأت جامعة الازهر الشريف من الهلالي وأكد الدكتور أحمد زارع المتحدث الإعلامي باسم جامعة الأزهر في تصريحات لـ "أهل مصر"، أن تصريحات الهلالي لا تمثل الأزهر الشريف بل تمثل نفسه فحسب.
وأضاف زارع أن مجلس الجامعة انعقد اليوم وأعلن تأييده لبيان هيئة كبار العلماء، وقد صدر بيان رسمي عن الجامعة أكدت فيه تبرأها من أي منتسب إليها يخوض في القطعيات فلا تكون أقواله معبرة عن رأى الجامعة وإنما ممثلة لرأى قائلها فقط، وأن المجلس أكد احتفاظ الجامعة بحقها في اتخاذ الإجراءات القانونية حيال من يخالف ذلك، وأن الأقسام العلمية هي محل النقاش العلمي لا وسائل الإعلام.
أكل لحوم الكلاب والقطط حلال:
كان آخر هذه الفتاوى التي أثارت جدلًا كبيرًا في المجتمع، ما صرح به الدكتور عبد الحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقًا، في مداخلة هاتفية علي قناة ltc ، حيث قال إن أكل لحوم الكلاب والقطط حلال، مستدلًا فى ذلك على أكل خالد بن الوليد "الضب" أمام النبي صلي الله عليه وسلم ولم ينهه عن ذلك.
ليتسائل البعض عن الحكم الشرعي الصحيح في ذلك، ما دفع الدكتور عباس شومان الأمين العام لهيئة كبار العلماء، للرد في هذه المسألة وإيضاح الحكم الشرعي الصحيح، وقال شومان، إن أكل لحم القطط والكلاب حرام والإفتاء به فتنة، وأن مسألة أكل لحم القطط والكلاب وما شابهه كما حدث مؤخرًا على إحدى الفضائيات، من المسائل التي تطرح بين الحين والآخر ولا حاجة لطرحها لما تثيره من لغط مجتمعي بلا طائل.
وأكد شومان، أن الشريعة الإسلامية تراعي الذوق العام وماتقبله النفس السوّية وماتعافه، وتتغير الفتوى في المسائل الاجتهادية متى تغّيرت أعراف الناس وأذواقهم وماتقبله نفوسهم وما تعافه، وهذه الحيوانات مما تعافها النفس السوّية قديما وحديثا، وهذا يقتضي عدم القول بإباحة أكلها.
وأِشار إلى أنه يجب الفصل بين عدة أمور يخلط بعض الناس بينها، منها الربط بين الحديث عن نجاسة هذه الحيوانات وطهارتها وبين حكم أكلها، فالمالكية يقولون بطهارة الكلب ويحرمون أكله على الصحيح، وكذا يجب الفصل بين حكم أكلها وحكم الانتفاع بها، فالقطط ينتفع بها في مكافحة القوارض مثلا، والكلاب يجوز الانتفاع بها في الحراسة والصيد، وتحريم الأكل لا يستلزم تحريم الاقتناء والانتفاع بها، كما يجب الفصل بين تحريم أكل هذه الحيوانات وبين الرفق بها فهو واجب وتعذيبها أو قتلها مالم تكن مؤذية حرام، والرفق بها أدخل رجلا الجنة وتعذيبها أدخل امرأة النار.
وشدد على أن الحديث في مثل هذه الأمور التي لا تمثل مطلبا مجتمعيا، ولا يقع الحرج على المكلفين بترك الحديث عنها، يعد مضيعة للوقت، وفتحًا لباب لغط لا ينقصنا ولا يحتمله الوقت، والأولى بالعلماء العارفين بدينهم ومقاصد شريعتهم، الانشغال بما يلبي حاجة المجتمع، بالتأكيد على الأحكام الثابتة وتعليمها للناس، والاجتهاد في استنباط أحكام تناسب الزمان والمكان وأحوال الناس، فيما استجد من مسائل، وإعادة النظر في أحكام وردت في مسائل قديمة ناسبت زمانا غير زماننا، ومكانا غير مكاننا، ولم تعد أحكامها مناسبة لزماننا ومكاننا وأحوالنا من المسائل الاجتهادية، التي لم تحسم بنصوص قطعية.