"عودة ماسة "كوهينور" إلي الهند ستجعل المتحف البريطاني خاويًا من النفائس..لذا لن تعود"، هكذا رد رئيس وزراء بريطانيا "ديفيد كاميرون، علي "حملة كوهينور"، التي أطلقها نجوم بوليوود وبعض مشاهير ورجال أعمال بالهند، للمطالبة باستعادة ماسة "كوهينور" ذات 106 قيراط، والتي سرقتها الشركة الهندية الشرقية البريطانية، إبان الإستعمار البريطاني للهند عام 1850 م، وأهدتها إلي ملكة بريطانيا "الملكة فيكتوريا"، لتُرصع بها التاج الملكي.
استمدت الحملة اسمها من اسم ماسة "كوهينور"، وتنظر الحملة للماسة علي أنها جزء من تاريخ وثقافة الهند، يجب أن تُستعاد مرة أخري، لذا قامت برفع دعوى قضائية للمحكمة العليا في لندن من أجل استعادتها، وفي حالة فشل هذه الخُطوة، ستتجه الحملة إلي رفع القضية أمام محكمة العدل الدولية، وفقا لتصريحات صحفية لأعضاء الحملة بصحيفة "تايمز أوف إنديا".
وشدد المحامي المكلف بالقضية في بريطانيا، علي أهمية التركيز علي القانون الذي أصدرته منظمة اليونسكو عام 1970م، وأوصت فيه بضرورة إستجابة الدول الاستعمارية لمطالب الدول المُستعمَرة بإعادة ما نُهب منها، وأشار إلي أن ماسة "كوهينور" تُعد من المقتنيات الفنية والأثرية الثمينة التي استولى عليها الُمستعمِرون البريطانيون من الهند، مما سيدفع المؤسسات الوطنية في المملكة المتحدة إلى إعادتها.
وليست هذه المرة الأولي التي تُطالب فيها الحُكومات الهندية المُتعاقبة، باستعادة ماسة "كوهينور"، لكنها في كل مرة لم تجد سوي الرفض من بريطانيا، ففي عام 2013 نقلت صحيفة ديلي ميل البريطانية، تصريحات لـ ديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا، خلال زياراته إلي الهند، "إن الألماسة الضخمة التي أجبرت بلاده الهند على تسليمها خلال الحقبة الإستعمارية ووضعت في تاج الملكة الراحلة اليزابيث الأولى لن تُعاد للهند".
وردًا علي أحد الصحفيين بشأن المُطالبة بإستعادة الماسة، قال كاميرون: "أنا لا أؤمن بالإعادة ولا أظن ذلك أمرًا معقول"، وأضاف "لا أعتقد أن هذا هو النهج الصحيح"، وأوضح "الإجابة الصحيحة هي أن المتحف البريطاني وغيره من المؤسسات الثقافية تعمل بالضبط ما يجب فعله، وهو أن تتصل بغيرها من المؤسسات حول العالم للتأكد من أن الأشياء التي نمتلكها ونعتنى بها بشكل جيد، نتشاركها بشكل ملائم مع شعوب بقية العالم".
وفي عام 2010، أجري كاميرون، حوارًا مع إحدي القنوات الهندية، والذي أكد فيه رفضه لإستعادة الهند "ماسة كوهينور"، وأوضح أن مثل هذه الخُطوة ستجعل المتحف البريطاني خاويًا من النفائس، لأنها ستفتح الباب لمطالب مماثلة من مستعمرات بريطاينا السابقة في أسيا وأفريقيا.
وفي عام 1997، حينما زارت الملكة اليزابيث الثانية دولة الهند للإحتفال بالذكرى الـ 50 لإستقلال الهند عن بريطانيا، طالب العديد من الهنود عودة الماسة، بمن فيهم حفيد زعيم الإستقلال المهاتما غاندي توشار غاندي–الذي قال "أطالب بعودتها للتكفير عن الماضي الاستعماري البريطاني ".
وأيضًا في عام 1990 م كتب المبعوث السامي الهندي في لندن "جولديب نايار" مقالًا صحفيًا قال فيه إنه حينما زار برج لندن برفقة عائلته، حاول مضيفوه الإنجليز قيادته بعيدًا عن الجوهرة المذكورة لأنهم كانوا يشعرون بالخجل "من احتمال رؤيتي لجوهرة ثمينة سرقوها من بلادي".
كما طالبتا بها حكومتا الهند وباكستان عام 1976 م، وتم الرفض أيضا من قبل رئيس وزراء بريطانيا آنذاك " Jim Callaghan جيم كالاجان"، وكتب إليهما "لست بحاجة إلى أن أذكر لكم، كم من الأيدي مرت بها ماسة "كوهينور" خلال القرنين الماضيين، وأن نقلها إلي بريطانيا جاء بناء علي معاهدة سلام مع مهراجا لاهور، لإنهاء حرب 1849 م".
" كوهينور Kohinoor"، هى " نور كوه " بالفارسية و" كوه - نور" بالهندوسية، وتعني "جبل النور"، لاوهي واحدة من أشهر وأكبر قطع الألماس التي عرفها العالم، يرجع مصدرها إلي ولاية "أندرا براديش" في الهند، وهي من أقدم مناطق استخراج الألماس في العالم، إمتلكها العديد من الحكام من الهند إلى الفرس والمغول وحاربوا من أجلها حربًا مريرة، تقول الأسطورة أنها تجلب سوء الحظ للرجال، بينما تجلب الحظ عندما تحتفظ بها النساء، وتم العثور عليها منذ أكثر من 5000 سنة، فإحدى الأساطير الهندية تقول أن إله الشمس قدمها هدية للأرض.
لكن التاريخ يذكر أن ماسة "كوهينور" ظهرت علي مسرح الأحداث بالهند، في عهد السطان المسلم المغولى "بابور Babur"، إبان فتحه "دلهي" في إبريل عام 1526، وقد عُثر عليها فى قلعة "أجرا"، بعد تقارير مفادها أن القلعة تحتوي علي كنز ثمينًا، ويشار أيضًا إلى أن الماس كانت مملوكة من قبله لـ"راجا" أمير ملوي المدينة المصرية في 1306 م، وكان يقدر وزنها آنذاك بـ 789 قيراطا، وقد حكم بابور الهند أقل من أربع سنوات، حيث مات في ديسمبر 1530 م، بعد مرض لم يمهله طويلًا، وإنتقلت الجوهرة بعده إلى ابنه "همايون"، ثم إلى مجموعة أُخري من ملوك المغول، بمن فيهم " شاه جيهان" الذي بنى تاج محل، ورصع عرشه الشهير "عرش الطاووس" بماسة "كوهينور" التي إحتلت مكان إحدى عيني الطاووس، وبعد وفاته إنتقلت إلى ابنه "أورانجازيب"، حيث عرفها العالم حين تفاخر السلطان بها أمام الرحالة الفرنسى "تافرنييه" الذى وضع أول رسم توضيحي لها.
وقد تعرضت ماسة "كوهينور" للتشويه على يد قاطع الماس من البندقية، يدعي "هورتنسيو بورجيو"، حينما أسند إليه السلطان قطعها وصقلها، فظل يعمل عليها لمدة ثلاث سنوات، واتضح أنه قليل الكفاءة والمهارة في قطع الألماس، حيث أفقدها الكثير من وزنها لتصبح 280 قيراطا، وطولها 4.05 سم وعرضها 1.58 سم، ولما علم السلطان بالأمر غضب وكاد يقطع رأسه.
نهاية وجود "كوهينور" فى الهند جاءت فى عهد الملك المغولي "محمد شاه" الذى توج إمبراطورًا على دلهي في سبتمبر 1719 م، وقد نشبت حربًا بينه وبين الملك الفارسى "نادر شاه أفشار" عام 1739 م، ليحتل أفغانستان وينهب دلهي، كما استولي علي كنز "عرش الطاووس" المغولي.
بالإضافة إلي إستلائه علي ماسة "كوهينور"، ومن ثم ينتهي عهدها بالمغول وتنتقل إلي حوزة الإمبراطورية الفارسية، وعندما وقعت الماسة في يدي "نادر شاه"، شده بريقها، فقال متعجبًا: "كوهينور" أي جبل النور بالفارسية، ومن تلك اللحظة إكتسبت الماسة اسمها.
بعد إغتيال "نادر شاه" وقعت الماسة فى يد أحد قواده وهو"أحمد شاه عبدلى" الذى أصبح ملكًا على أفغانستان، وبعد وفاته تنازع أبناءه علي خلافته، واستقرت الماسة فى يد ابنه "شاه شجاع ميرزا"، وبسبب الصعوبات التي صادفها للمحافظة على ملكه، فإنه منح الماسة للمغامر السخي رانجيب سينج "مؤسس الدولة السيخية"، في مقابل تخليصه من الأسر الذي تعرض له علي يد أخيه "محمود شاه".
وبعد أن آلت الماسة إلي "رانجيب" قام بترصيع عمامته بها، ثم ما لبث أن أمر بصنع عصبة قماشية خاصة بالذراع، وثبت كوهينور عليها، وظلت معه عشرين عاما حتى وفاته عام 1839 م.
وفي عام 1849 م، إبان الإستعمار البريطاني للهند، تسلمت شركة الهند الشرقية البريطانية، الماسة بناء علي معاهدة أُبرمت بين مهراجا لاهور "داليب سينج"، في أعقاب الحرب البريطانية ضد دولة السيخ، وقد نصت المُعاهدة على تسليم الألماسة المسماة "كوهينور"، والتي أخذها رانجيب سينخ من شاه شجاع، إلى ملكة إنجلترا".
بعدها انتقلت ماسة "كوهينور" إلي بريطانيا، لتتسلمها رسميا الملكة فيكتوريا، فى يوم 3 يوليو في احتفال خاص أقيم في قصر باكينجهام، وقدر جواهرجى الملكة وزنها آنذاك بـ 186 قيراطًا، وفي عام 1851م، وعرضت الماسة في معرض كبير بلندن، وأعيد قطعها إلي الشكل البيضاوي عام 1852م، تحت إشراف الصائغ الهولندي "السيد كانتور"، لتفقد الماسة 42% من وزنها، فيصبح وزنها 105 قيراط.
كانت أول من تزينت بماسة "كوهينور" الملكة الكسندرا في عام 1902، ثم الملكة ماري في عام 1911، ثم رُصع بها الصليب المالطي للتاج الملكي للمكلة اليزابيث "الملكة الأم" عام 1936م، حيث ظهرت به أثناء مراسم تتويج الملك جورج السادس عام 1937 ثم ارتدته الملكة اليزابيت الثانية أثناء مراسم تتويجها عام 1953، وحتي لاتُصاب المملكة بلعنة الماسة، فقد أقرت أن لا يرتديها سوي الملِكات، وفى عام 2002 انتقلت "كوهينور" إلي خزانة عرض موجودة بسرداب يسمونه "بيت الجوهرة" فى برج لندن الشهير.