"فيه قوة تُسقط الأسوار".. بهذه الكلمات وصف الشاعر الفرنسي لويس أراغون شاعر العامية المصري أحمد فؤاد نجم، وأطلق عليه الدكتور علي الراعي "الشاعر البندقية"، بينما سمّاه أنور السادات بالشاعر البذيء. لا شك أن "نجم" أحد أهم شعراء العامية في مصر، رغم ثورية كلماته وحديتها أحيانًا، إلا أنه نجح في صُنع اسم بارز في الفن والشعر العربي بالتحديد. لُقّب "نجم" بالفاجومي المصري، ولهذا السبب احتضنته جدران السجن عدة مرات.
يترافق اسم أحمد فؤاد نجم مع ملحن ومُغنٍّ هو الشيخ إمام في فترة الخمسينات والستينات، حيث تلازمت أشعار نجم مع غناء إمام وقتها، لتعبر عن روح الاحتجاج الجماهيري الذي بدأ بعد نكسة 1967. بدأت الأنظار تلتفت إلى شاعر عامي يُعبر بكلماته الثورية عن واقع الشارع المنكوس والمجروح، فكان "نجم" يؤلف، و"إمام" يغني ببساطته المعهودة، ليصنعا اسمًا في عالم الشعر ذا لون مختلف.
من أهم أشعار أحمد فؤاد نجم التي لقيت نجاحات كبيرة: يعيش أهل بلدي، جائزة نوبل، الأخلاق، استغماية، هما مين واحنا مين، الأقوال المأسورة، كلب الست، تذكرة مسجون، الندالة، الثوري النووي.
ويرى أحمد فؤاد نجم أن العامية أهم شعر عند المصريين لأنهم شعب متكلم فصيح وأن العامية المصرية أكبر من أن تكون لهجة وأكبر من أن تكون لغة؛ فالعامية المصرية روح وهي من وجهة نظره أهم إنجاز حضاري للشعب المصري. وأحمد فؤاد نجم شاعر متدفق الموهبة، فقد ألف العديد من الأغاني والتي تعبر جميعها عن رفضه للظلم وحبه الفياض لمصر واستيعابه الكامل للواقع الأليم. من بين من غنوا أغانيه الموسيقي السوري بشار زرقان الذي ربطته به علاقة عمل استمرت لسنوات، حيث سجلا معاً ألبوم "على البال".
رافق عبد الحليم حافظ في ملجأ أيتام الشرقية
بعد وفاة والد "نجم" وهو طفل صغير، انتقل إلى منزل خاله "حسين" بالزقازيق، وكان دائم التردد على كُتّاب القرية كعادة أهل القُرى في ذلك الوتق، وفي سنة 1936 ألحقه خاله بملجأ أيتام بالقرية، حيثُ قابل عبد الحليم حافظ ولم تستمر معرفتهما طويلاً، ليخرج منه عام 1945 وعمره 17 سنة. بعد ذلك عاد لقريته للعمل راعيا للماشية، ثم انتقل للقاهرة عند شقيقه، إلا أنه طرده بعد ذلك ليعود إلى قريته.
رحلته مع الشيخ إمام
عمل "نجم" في معسكرات الجيش الإنجليزي متنقلاً بين مهن كثيرة، منها: مكوجي، ولاعب كرة، وبائع، وعامل إنشاءات وبناء، وترزي.. وفي فايد، وهي إحدى مدن القنال التي كان يحتلها الإنجليز، التقى بعمال المطابع الشيوعيين، وكان في ذلك الوقت قد عَلَّم نفسه القراءة والكتابة، وبدأت معاناته الطويلة تكتسب معنى. واشترك مع الآلاف في المظاهرات التي اجتاحت مصر سنة 1946 وتشكّلت أثناءها اللجنة الوطنية العليا للطلبة والعمال.
"كانت أهم قراءاتي في ذلك التاريخ هي رواية الأم لمكسيم غوركي، وهي مرتبطة في ذهني ببداية وعيي الحقيقي والعلمي بحقائق هذا العالم، والأسباب الموضوعية لقسوته ومرارته، ولم أكن قد كتبت شعرًا حقيقيا حتى ذلك الحين، وإنما كانت أغاني عاطفية تدور في إطار الهجر والبعد ومشكلات الحب الإذاعية التي لم تنتهِ حتى الآن، وكنت في ذلك الحين أحب ابنة عمتي وأتمناها، لكن الوضع الطبقي حال دون إتمام الزواج لأنهم أغنياء".. هكذا قال "نجم" عن أهمّ القراءات التي أثّرت فيه لتخرج فيما بعد في صورة أشعار.
أثناء عمله في معسكرات الإنجليز، اتهموه بجريمة تزوير استمارات شراء، فحُكم عليه 3 سنوات بسجن قره ميدان، وأكد نجم في أحد البرامج أنه كان فعلاً مُذنبًا.
بعد خروجه من السجن عُين موظفا بمنظمة تضامن الشعوب الآسيوية الإفريقية، وأصبح أحد شعراء الإذاعة المصرية، وأقام في غرفة على سطح أحد البيوت في حي بولاق الدكرور. وتعرف على الشيخ إمام في حارة خوش قدم، ليقرر أن يسكن معه ويرتبط به حتى أصبحا ثنائيا معروفا، وأصبحت الحارة ملتقى المثقفين. ونجحا في إثارة الشعب وتحفيز هممه قديما ضد الاستعمار ثم ضد الديكتاتورية الحاكمة ثم ضد غيبة الوعي الشعبي.
في عام 2007 اختارته المجموعة العربية في صندوق مكافحة الفقر التابع للأمم المتحدة سفيرًا للفقراء، وفي عام 2013 فاز بجائزة الأمير كلاوس الهولندية -وهي من أرقى الجوائز في العالم- ولكن وافته المنية قبل استلامها ببضعة أيام.
حصل على المركز الأول في استفتاء وكالة أنباء الشعر العربي. وفي مثل هذا اليوم 3 ديسمبر 2013، توفى الفاجومي أحمد فؤاد نجم عن 83 سنة. وبعد وفاته في 19 ديسمبر مُنح وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى.