مأساة حقيقية، ومشهد صادم يصعب تحمله، لمواطن مسن تحول بين ليلة وضحاها إلي مشرد بشوارع الإسكندرية، دون مأوي أو ملبس أو مأكل أو شراب، لينتهي به الحال بأن يكون مُلقى بين القمامة لا يقوى علي الحركة، أجهده المرض من ناحية، والبرد القارس ينهش جسده من ناحية أخرى، واتخذ من القمامة سريرًا يفترشها وينام عليها، ويشارك القطط فضلات وبقايا الطعام من القمامة.
في منطقة محرم بك بوسط الإسكندرية، وتحديدًا في نهاية شارع شجرة الدر بالقرب من شركة الإسكندرية للزيوت، ينام "محمد محمد علي" يبلغ من العمر ٦٧ عامًا، وسط أكوام من القمامة ومياه الأمطار، لا يقوى على الحركة، لا يمتلك سوي "بطانية" قديمة متسخة، لا تكد تطاق رائحتها يحتمي بها من مياه الأمطار وشدة البرد، في حياة صعبة وظروف معيشية قاسية ومشهد غابت عنه الإنسانية، مصيره مصير عدد كبير من المواطنين المشردين في الشوراع، دون وجود رقابة من الجهات المختصة لحصرهم وتقديم الرعاية الصحية والعدالة الاجتماعية لهم.
"أنا تعبان.. أنا هنا بقالي أزيد من شهر ومفيش حد سائل فيا.. أروح فين أنا مش لاقي مكان أروحه" كانت الكلمات الأكثر وضوحًا التي تمتم بها الرجل المسن، وخرجت منه بصعوبة، مجموعة من الكلمات صارعت هزال جسده المتعب، مستغيثا بمن يقترب منه ويتحدث إليه بأن ينقذه مما يعانيه من ألم وعذاب جراء هذه المعيشة الغير آدمية بالمرة.
وقال هشام صلاح الدين، أحد أهالي الإسكندرية، يعمل مهندس ديكور، إنه قد تواصل أمس مع أحد المسؤولين بفريق التدخل السريع بوزارة التضامن الاجتماعي لإنقاذ الرجل المسن وسرعة نقله إلي أحد دور الرعاية للمسنين وأخبره بحالته الصحية الصعبة، إلا أنه فوجئ برده الصادم: "لقد تواصلنا مع الحالة منذ عدة أيام ورفض نقله"، مضيفا أنه قال للموظف المسؤول بأنه يقف حاليا أمام الحالة وأن المواطن يستغيث ويطلب نقله لتلقي العلاج اللازم وتوفير مأوي له، فرد عليه قائلا: "مش عندي في التضامن لإن الراجل عايز يتعالج".
وأضاف "صلاح الدين"، لـ "أهل مصر"، أنه طلب من المسؤول بالوزارة إرسال سيارة إسعاف لنقل المواطن المسن وأنه سيرافقه إلي المستشفي لسرعة علاجه إلا أنه رفض ذلك، مضيفا: "يعني نسيبوه يموت وتأكله الفئران!"، لافتا إلي أن المواطن يتجاوز عمره الـ 70عاما ولا يجد طعاما أو شرابا: "لو حد وضع له أكل يأكل منه وإذا لم يضع أحد له شئ يأكل من الزبالة.. ونائم علي الأرض وبجواره بطانية متسخة لا تطاق رائحتها ولا تليق بتغطية كلب وليس إنسان!".
وتابع أن المواطن المسن لا يستطيع السير على قدميه ولا يقوي علي الحركة ولكنه يتحدث بصعوبة، ونائما وسط القمامة لا حول له ولا قوة، وتحيط به القطط والفئران وتحاصره مياه الأمطار، مناشدا وزيرة التضامن الاجتماعي غادة والي، وجميع الجهات المعنية، بسرعة التحرك لإنقاذ المواطن من الموت المحقق وتوفير مأوي له من خلال نقله إلي دار رعاية للمسنين ليعيش حياة إنسانية كريمة، قائلا: "اتقوا الله في شيخوخته".
وفي الساعات الأولي من صباح اليوم الإثنين، أمر محمد كمال الدين، وكيل وزارة التضامن الاجتماعي بالإسكندرية، فريق التدخل السريع بالنزول الفوري للحالة والتعامل معها.
وأوضح وكيل وزارة لتضامن الاجتماعي، أنه تبين أن المواطن يدعي "محمد محمد علي" يبلغ من العمر ٦٧ عاما، من منطقة غربال، ولا يحمل بطاقة رقم قومي، ولديه مشاكل أسرية علي إثرها ترك المنزل منذ ثلاثة أشهر، مضيفا أنه تبين عدم تضارب أقوال المواطن حيث تأكد أنه مريض نفسي وتم التوجه به إلي مستشفى المعمورة للأمراض العقلية وفق بروتوكول التعاون المبرم بين المديرية والمستشفى لحين استقرار الحالة ثم نقلها إلي دار رعاية اجتماعية.