تعاني الآثار المصرية وقطاع الآثار الإسلامية من العديد التعديات المختلفة، إلا أن مشروع "القاهرة التاريخية" الذي بدأ منذ التسعينيات كان له الفضل في إزالة هذه التعديات وحقق طفرة كبيرة في النهوض بالكثير من المباني الأثرية وتشريع حزمة من القوانين للتعامل مع هذه التعديات، وكان لـ"أهل مصر" دور في رصد العديد من التعديات داخل قطاع "القاهرة التاريخية" الذي أوضح حجم الخسائر والجرائم التي وجهت عمدًا من بعض المتعديين على آثارنا التي لها قيمة جليلة، ولكن إيمانًا منا كجريدة تحترم المهنية وميثاق الشرف الصحفى كان لابد من تخصيص مساحة للمسئولين للرد على سلسلة التحقيقات التي أجرتها الجريدة.
التقت "أهل مصر" بـأحمد جابر مدير منطقة الأزهر والغورية وشارع المعز لدين الله الفاطمي لتحاوره في العديد من القضايا التي تواجل القطاع الإسلامي ككل وآثار منطقة الأزهر والغورية بشكل خاص.
ــــ تعرضت العديد من الآثار لتعديات مختلفة وكانت ثغرة عدم تسجيل المبنى كآثر تحول دون التصدي لهذه التعديات.. في البداية حدثني عن المعايير التي يسجل على أثرها المبنى كآثر؟
يتم تسجيل المبنى كآثر في حالة إذا كان المبنى ذو طراز معماري فريد من نوعه ويعود لفترة زمنية معينة؛ سواء عصر سلاطين الأيوبيين أو المماليك أو الفاطميين أو أى حقبة تاريخية أخرى، أما فكرة مرور مائة عام على المبنى يحوله لآثر هو معيار غير دقيق وإلا سيتم ضم جميع منازلنا القدية كآثار .
ــــ وهل هذه المعايير تم تطبيقها على مسجد الدعاء؟
بالنسبة لمسجد الدعاء ليس مسجدا آثريا بأكمله؛ وإنما قبة "سودون القصراوي" قبة آثرية، ملحق بها أو بجانبها مسجد الدعاء الذي لا يعد آثرا ولم يسجل على الرغم من أن الواجهة مسجلة ومنقوش عليها آيات قرآنية ونقوش تعود إلى السلطان عباس حلمي الثاني، ولكن المسجد لا يصلح أن يسجل كآثر وذلك لأن جدرانه هدمت وبنيت أكثر من مرة من جانب الأهالي بطراز حديث.
وقبة "سودون القصراوي" تم ترميمها في التسعينيات في إطار مشروع "القاهرة التاريخية" تحت إشراف فاروق حسني مثل مجموعة قلاوون في شارع المعز، إلا أنه مع الوقت تتعرض هذه الترميمات للتلف، وعملنا نحن كجهة آثرية هو إعادة ترميمها وإبقائها على وضعها الذي كانت عليه، حيث نقوم بعمل محاضر ترميم ومخاطبة المسئولين والإدارات المختصة؛ مثل إدارة الحرف الأثرية المسئولة عن ترميم الأخشاب من الأبوابة والمشربيات، أما إذا كانت التلفيات في في الجدران والأحجار فيتم مخاطبة الإدارة الهندسية للمشروعات.
أما فكرة وجود ضريح النبي بنيامين أخو النبي يوسف عليهم السلام، فهي مجرد دراسات أحدهم تؤكد والأخرى تنفي، ودور الآثار هنا هو مخاطبة إدارة الحفائر لتبت في الأمر إذا كان هناك شواهد أثرية تحت هذه الأضرحة أم لا.
ــــــ هناك العديد من التعديات التي تتم وتؤثر على الآثار مثل الأبنية الملاصقة للمباني الأثرية.. كيف يتم التعامل معها؟ ولماذا هي قائمة حتى الآن؟
التعديات على المباني الأثرية متنوعة؛ منها مبان مواجهة ومبان مجاورة ومبان ملاصقة للآثر، وقانون حماية الآثار يلزم المفتش باتخاذ الإجراءات اللازمة حيال أى تعدي وهناك عقوبات وقوانين تفرض على المتعدي نفسه، ودور مدير المنطقة الأثرية هو مخاطبة عدة جهات منها شرطة السياحة والحي التابعة له المنطقة الأثرية، مثل حي وسط القاهرة المسئول عن منطقة الحسين والغورية، ويتم عمل محاضر للمتعديين، لأننا ليس لدينا قوة تنفيذية لإزالة هذه التعديات .
وهناك عدة لوائح تنظم عملية البناء عموما في إطار محيط "القاهرة التاريخية" تحدد حجم الإرتفاعات اللازمة لهذه المباني واستخراج التصاريح اللازمة من وزارة الآثار قبل الحفر والبناء، حيث أن الحفر عموما في هذه المنطقة خطر يداهم الآثار الإسلامية، فربما تكون هناك شواهد آثرية تحت الأرض والحفر بطريقة خاطئة يؤثر عليها، كما أن الحفر الخاطئ قد يؤدي لإنهيار المباني الآثرية المجاورة لها، كما أن أغلب المنازل والمباني في هذه المنطقة قديمة وآيلة للسقوط، فيتم تعويض الملاك ماديا عن هذه المنازل في إطار تقنين عملية البناء وسط القاهرة التاريخية.
ــــ بيت مدكور هو بيت آثري له تاريخ طويل ومع ذلك تم هدمه وسط حالة من الغموض.. ما تعقيبك؟
من الصعب الحديث عن آثر خارج نطاق المنطقة المسئول عنها، ولكن من المؤكد أن المسئول عن هذه المنطقة اتخذ كافة الإجراءات اللازمة لحمايته.
ــــــ المساجد الأثرية مثل "سام بن نوح" و"الفكهاني" في شارع الغورية ودرب سعادة تغرق في مياه الصرف الصحي والمياه الجوفية .. كيف تعاملت كمسئول مع هذه الأزمة التي تهدد بانهيار المساجد؟
المياه الجوفية صداع مزمن في رؤوس مسئولي قطاع الآثار الإسلامية ووزارة الآثار ككل، علي أنا كمسئول إتخاذ جميع الإجراءات اللازمة وبالفعل يتم شفط المياه بصورة مستمرة عن طريق آلالات الشفط والخاصية الشعيرية التي تفصل بين الحجر وبين المياه والتي توضح الأماكن التي توجد بها مياه جوفية، ولكن المياه الجوفية لا يوجد علاج قطعي لها، فكلما تم شفطها تخرج ثانية، وهذا لا يعد إهمال من الإدارة، فهذه المشكلة يتم حلها بصفة يومية ويتم غتخاذ جميع الإجراءات الوقائية .
ــــ مفتش الآثار يعاني ما بين الحفاظ على الآثار المسئول عنها وما بين المتعديين من الباعة الجائلين الذي يحصنون أنفسهم حيال أى قوة من القانون لإزالة تعدياتهم .. كيف يتم التعامل مع الباعة الجائلين المتخصصين في بيع الملابس الداخلية في مدخل الغورية؟
شارع المعز له طبيعة خاصة وهذا يجتذب الباعة الجائلين، والمسئولية ليست منحصرة على مفتش الآثار فقط، فنحن نقوم بتقديم البلاغات اللازمة لشرطة السياحة وبالفعل يتم غزالة هذه التعديات ولكنها تعود مرة اخرى وهذه هي دورة يومية نقوم بها ما بين البلاغات والإزالات وعودتهم مرة ثانية، ودور المفتش هو منع اى تعديات من دق مسامير أو حديد أو وضع الإستندات بشكل يؤثر على المباني الأثرية.
ـــــ هذا بالنسبة للباعة الجائلين أما بالنسبة للوكالات والمحال التجارية التي تعد آثارا هي الأخرى فهي تعود للسلطان الغوري مؤسس وكالة الغورية في الأساس .. ما وضعها القانون؟ وكيف يتم التعامل مع التجار؟
لا يوجد مالكين لهذه الوكالات .. لا أحد يملك آثرا" .. الوزارة تستخدم نظام التقنين في التعامل مع المؤجرين لهذه الوكالات.
قبل قانون حماية الآثار كانت وزارة الأوقاف مسيطرة على أغلب هذه الوكالات منذ أكثر من 70 عاما، فكانت هناك عقود إيجار أو عقود إنتفاع مدى الحياة، وبالتالي التجار مازالوا يشغلون هذه الوكالات أبا عن جد، ولكن عندما تحولت هذه الوكالات لتكون تحت إشراف وزارة الآثار بدأت الوزارة تتخذ إجراءات لتغيير هذا الوضع القائم، حيث قامت الوزارة بنزع بعض هذه الوكالات من المؤجرين، وبالفعل هناك اجتماعات داخل الوزارة للنهوض بشارع الغورية ليكون مثل شارع المعز لدين الله .
ـــ شارع "الصليبية" في السيدة زينب على الرغم من أنه يحتوي على العديد الآثار الهامة إلا أنه ملئ بالتجاوزات.. ما تعليقك؟
مدير منطقة السيدة زينب والخليفة مسئول عن التجاوزات، ولكن أؤكد أنه اتخذ جميع الإجراءات اللازمة وفي النهاية الأمر راجع للقوى التنفيذية، وبالفعل هناك العديد من الإزالات تمت لكثير من التعديات، فهناك خطة امنية لإزالة جميع هذه التعديات بشكل لا يؤثر على المباني الأثرية .
ـــــ دائما ميزانية وزارة الآثار عائق يقف أمام عملية ترميم الكثير من الآثار.. لماذا لم تفكر الوزارة في مشاريع خارج الصندوق لعمل ميزانية خاصة بها؟
هناك إدارة في وزارة الآثار مخصصة لتنمية الموارد؛ وأكثر الأماكن الأثرية مفتوحة للتصوير بمبالغ تحددها الوزارة، والصور التذكارية تعد بندا في لائحة كاملة من تصوير الإعلانات والأفلام والمسلسلات والبرامج، وهذه العقود تكون موسمية أحيانا في شهر رمضان.
ودور مفتش الآثار هنا هو ملازمة فريق العمل للمحافظة على الآثر الذي يتم التصوير فيه، كما أنه يقوم باقتراحات للأماكن التي يرى فيها أنها مناسبة للتصوير ويتم طرحها في مزايدات ومناقصات للإستفادة من هذه الآثار .
وفي النهاية أؤكد أن وضع الآثار الإسلامية أحسن من ذي قبل وتحسن كثيرا، وأوعد القراء أن النقاط التي تحدثنا فيها خلال الحوار سيتم ترميمها وسيكون حالها أحسن من ذي قبل.