150 عامًا مرت على القاهرة الخديوية صممها المهندس الفرنسي «هاوسمان» جعل منها مزيجًا فريدًا متجانسًا من الطرازات الكلاسيكية، والباروك والروكوكو، والقوطى الجديد وغيرها من المباني التراثية والتي نفتخر بها إلى الآن، إلا أن هناك بعض المظاهر التي شوهت المحروسة في القرن الـ21.
لا تفرق «التكاتك والحمير» بين المناطق الراقية والشعبية في الآونة الأخيرة، فحيثما تولي وجهك تجد من يمطتي عربة كارو أو يلعب «GTA» بمركبة تسير على 3 عجلات تسمى «توك توك»، ليس ذلك فحسب من يخنق القاهرة الكبرى، فأكوام القمامة والباعة الجائلين يطبقون الحصار على المدينة التي باتت على وشك الاختناق، لا يسعفها سوى «مسكنات حكومية» تتمثل في مبادرات لمحاولة المواجهة.
وفي الملف التالي، تحاول «أهل مصر» فك الحصار عن العاصمة التي بدا كأنها تصارع النزع الأخير..
«حطموها حيث وجدتموها».. «عربات الكارو» تخنق شوارع العاصمة: «تحرش وبلطجة ومظهر غير حضاري»
«القاهرة» تكشف خطتها لـ«أهل مصر».. و«عربجية»: متلزمناش
خلف حمار يتحسس خطاه بين زحام السيارات والضجيج الذي لا ينقطع عن شوارع العاصمة، اعتاد «محمد حواس» أن يقود «عربته الكارو» هي بالنسبة له كل ما يملك، فمنذ نعومة أظافره لم يجد سوى حمارًا يطعمه برسيمًا أو بقايا الأكل في صناديق القمامة، رافعًا شعار «هذا ما وجدنا عليه آباؤنا»، يعلوا الضجيج فيرد مخاطبًا حماره أن سير إلى الأمام، متجاهلًا المطاردات التي تنشب من آن لآخر بينه وبين رجال «البلدية» الذين يتحينون الفرصة للظفر بعربة كارو وتطبيق مبادرة لم يكتب لها النجاح بعد «القاهرة بلا كارو».
ذلك المشهد، يمثل الجانب الآخر من أزمة تخنق القاهرة، فمن وجهة نظر «حواس» فإن كل الحق معه في امتلاك عربة كارو لا تكلف الحكومة شيء: «متعلمتش السواقة.. والحكومة عايزة تركبني عربية بأربع كوتشات تكلفني بنزين!»، يقول تلك الكلمات بينما ينظر بتعجب إلى السيارات من حوله التي تبدو سريعة ومن كوكب آخر لا ينتمي هو له.
في عام 2017 أطلقت محافظة القاهرة مبادرة «قاهرة بلا كارو» للحد من انتشارها وإلغاء المظهر غير الحضاري والذي لا يتناسب تمامًا مع المحروسة وما يجب أن تكون عليه.
بعد أن تكرر مشهد عربات الكارو يوميًا في العاصمة خاصة التي تسيئ للمظهر الحضاري لها، أطلقت المحافظة تلك المبادرة والتي تهدف إلى استبدال عربات الكارو بـ«تروسيكل» أو سيارات نصف نقل والربع تتوقف على حسب حاجة كل فرد لتواكب العصر.
يقول خالد مصطفى، المتحدث الإعلامي لمحافظة القاهرة، إن المحافظة أعطت تعليمات فورًا بتحطيم أي كارو يسير واستبداله بأي وسيلة أخرى وبالتقسيط طويل وقصير المدى، ويأتي ذلك بتمويل من صندوق الاجتماعي للتنمية ووزارة الدولة للتطوير الحضاري وإزالة العشوائيات والبنك الأهلي المصري حتى تستمر رحلة بحثه عن العمل ولكن بالمظهر الحضاري الذي يليق برونق وجمال المحروسة.
وأكد المتحدث الإعلامي لمحافظة القاهرة لـ«أهل مصر» أن رؤساء الأحياء منذ أن بدأت المحافظة في تطبيق المبادرة وهم يضربون بيدٍ من حديد ويحطمون أي كارو تسير في الطريق العام وتعوق سيره.
وأضاف «مصطفى» أن عربات الكارو تسيئ للمنطقة لذا لابد أن يتم شن حملات مكثفة عليها للتخلص منها واستبدالها، مؤكدًا أن المحافظة تمكنت من تنفيذ ما يقرب من 80% من مبادرة «قاهرة بلا كارو»، وجمعت مئات العربات وتم تحطيمها وتم تسليم تروسكيلات بديلة عنها.
وأكد المتحدث الرسمي لمحافظة القاهرة، أنه تم التركيز على بعض الأحياء المركزية في القاهرة «شبرا وروض الفرج والشرابية والمطرية وحلمية الزيتون بالإضافة إلى باقي الأحياء».
ويقول حسن محمد، صاحب إحدى عربات الكارو ببولاق: «متعلمتش السواقة وبعدين الحمار بيجر العربية مفيش تكاليف الحكومة كدا عايزة تكلفني بنزين اللي بيغلى كل شوية والله حرام».
فيما وصف حاتم علي، صاحب عربة بسوق الزيتون، المبادرة بـ«الفكرة الفاشلة» لأن تلك العربات عبارة عن قطاع عريض من الفقراء والأرزقية ولن يتحملوا أقساط التروسيكل، فهي عبء إضافي عليهم قائلًا: «كل هدفنا نكسب 50 أو 100 جنيه في اليوم هنجيب منين علشان ندفع أقساط ونأكل ولادنا منين».
في القاهرة.. وراء كل جريمة «توك توك».. والحكومة: «هيبقى زي أوبر وكريم»
«خنفساء» متحركة بـ3 عجلات «تتمختر» بين الشوارع الواسعة والأزقة تحاصر المحروسة بكل ثقة، وتتسبب في العديد من حوادث الخطف والتحرش والاغتصاب والازدحام، وتتسبب في إهدر ما يقرب من مليار و150 مليون جنيه سنويًا للدولة.
«زيه زي أي مواصلة».. بهذه الكلمات بدأ حديثه الدكتور خالد قاسم، مساعد وزير التنمية المحلية، لتقنين أوضاع «التوك توك»، خاصة وأنه انتشر بكثرة خلال الفترة الحالية ووصل عددهم 2 مليون و800 ألف سائق بالمحافظات.
التقنين هو الحل للحد من حوادث القتل والاغتصاب وليس فقط فائدة الترخيص تعود على الزبائن بل والفائدة الأكبر للسائقين خاصة وأنه بعد أن يرخصها لا تكون مركبته عرضة للسحب أو الغرامة على حد قول «قاسم».
يؤكد قاسم لـ«أهل مصر» أنه بعد حصر التكاتك، تعمل الوزارة حاليًا على خطة لكافة محافظات الجمهورية بتحديد المناطق التي يسير فيها «التوك توك» لتوقيع المخالفات المرورية، خاصة وأن سائقي «التوك توك» يتجولون ما بين القرى والعواصم دون أي ردع.
وأوضح قاسم أنه حتى الآن تم ترخيص 200 ألف «توك توك» بالمحافظات، ويتم نقل ما يقرب من ٢٤ مليون مواطن يوميًا، أي واجب على الدولة حماية الركاب من أي مخالفات أو حوادث الخطف ولن يحدث ذلك إلا بالترخيص.
ونوه مساعد وزير التنمية المحلية، أن الوزارة أوصت المحافظين بمصادرة أي «توك توك» يتخطى حدوده ويسير في المناطق الحضرية المخططة، أو الطرق الرئيسية، أو الطرق السريعة، أو بين المدن وبعضها البعض.
وأكد «قاسم» أن قيمة الترخيص تتراوح ما بين 700 و800 جنيه سنويًا، مضيفًا أن هذا المبلغ ليس له قيمة بالنسبة لسائق «التوك توك»، مؤكدًا أن موعد الإعلان عن خطوط سير وتسعيرة «التوك توك» قريبًا، منوهًا أن جميع المحافظات تعمل بخطى واضحة وعلى أرض الواقع للحصر وتقنين أوضاع وتحديد خطوط وتسعيرة المركبات.
ومن جهته، يري حمدي عرفة، خبير التنمية المحلية، أنه لابد من إصدار تعليمات إلي ٢٧ إدارة مرور بـ ٢7 محافظة وما يتبعها من إدارات مرور في المدن والأحياء والمراكز لعمل حملات مكثفة على سائقي «التوك توك» سواء بأخذ عينات للتأكد من عدم تعاطيهم المواد المخدرة سواء كان نبات البانجو أو أنواع المخدرات أو المسكرات الأخرى.
وأكد خبير التنمية المحلية، أن أكثر حالات الخطف والتحرش كانت بسبب «التوك توك» لعدم ترخيصه ووجود أرقام أو اسم الحي، لأنه في حالة حدوث أي شيئ يتم الإبلاغ عن رقم «التوك توك».
«التوك توك» على طريقة «أوبر وكريم»
«لو عايز توصيلة في منطقتك وبسعر مناسب حمل أبلكيشن حالًا المتخصص في خدمة توصيل الزبائن بوسيلة مواصلات خفيفة التوك توك والدراجات النارية».. والتي انتشرت بـ6 محافظات وهي الجيزة، والقاهرة، والإسكندرية، والمنيا، والأقصر، والقليوبية، ومناطق القناطر، وشبين القناطر.
واقتربت شركة «حالًا» من جمع 2 مليون دولار في جولة تمويلية، وأعلنت الشركة للنقل التشاركي عبر تطبيق الهاتف المحمول باستخدام «التوك توك» والموتوسيكلات، وبعد 3 أشهر فقط من انطلاق رحلتها الأولى، وجرى تحميل تطبيق «حالا» أكثر من 100 ألف مرة على أجهزة أندرويد منذ إطلاق الشركة في أواخر نوفمبر.
«جبال القمامة» تحاصر السكان.. والمحافظة: «الناس بتسكن جنب الزبالة»
تلال من القمامة تحاصر العاصمة وصناديق فارغة إن وجدت محاوطة بالقمامة والأمراض، تتوالى الشكاوى يوميًا بسبب الرائحة الكريهة والأمراض والحشرات التي تسببها تلك التلال.
في منظر غير لائق حضاريًا وأخلاقيًا تنتشر القمامة في كل مكان، ففي حي السلام الأول اشتكى عدد من الأهالي من تراكم القمامة والمخلفات بشارع الأربعين بحديقة بدر والتي شوهت المنظر الحضاري والجمالي للمنطقة، بالإضافة إلى انتشار الأمراض والأوبئة، وطالب الأهالي بصناديق عمومية.
«موقف المسلة غرقان زبالة والنباشين غرقوا المطرية قمامة بالإضافة إلى الأنغام والخرفان اللي موجودة بكثرة به وتصاعدت الرائحة لدرجة من التلوث غير المقبولة».. على حد قول سمير أحمد أحد السكان.
وفي منطقة المقطم، اشتكى العديد من الأهالي من تراكم القمامة أمام مدرسة عمار بن ياسر، والتي تتصاعد منها روائح كريهة بل ويوجد أمامها مخلفات بناء، وبالرغم من شكاوى كثيرة من الأهالي للمسئولين والحي إلا أنه لايوجد رد.
20 مقلب قمامة متواجدة بالمحروسة أعدت وزارة البيئة خطة للتعامل معها، واتخذت الحكومة إجراءات لوضع مقالب رئيسية تتوفر فيها الاشتراطات البيئية والصحية، عن طريق القضاء على القمامة نهائيًا وغيرها من التصريحات التي نسمع عنها فقط، ولكن التطبيق الفعلي غير موجود.
وقال خالد مصطفى، المتحدث الإعلامي لمحافظة القاهرة، إن أخطر المقالب الموجودة في العاصمة هي الوفاء والأمل والسلام، مؤكدًا أن تلك التلال كانت خالية من العمران، لكن زحفت التنمية العمرانية إلى المقالب وأصبحت تحاصرها في كل مكان.
وأضاف المتحدث الإعلامي لمحافظة القاهرة، أن مقالب القمامة كانت موجودة في أطراف المحافظة، وهذه الأماكن كانت خالية من أي عمائر سكنية، ولكن مع الوقت بدأ الزحف العمراني حول تلك التلال من القمامة.
وبدأت محافظة القاهرة مع بداية العام الحالي في تطبيق منظومة النظافة بكافة أحيائها، خاصة بعد أن انتهت عقود الشركات الأجنبية والتي امتدت عقودها لأكثر من 19 عامًا، ودخلت معها العاصمة بعدد من المشكلات المتعلقة بقلة عدد الورديات وتدني مستوى الخدمات المقدمة للسكان.
لعبة «عسكر وحرامية» بين الأرزقية والحكومة تنتهي بمصيدة «الأسواق الجديدة»
حاملًا بضاعته على كتفه يسير بين المواطنين بحثًا عن لقمة عيشه هو وأبنائه من الثامنة صباحًا وحتى الـ9مساءً دون أن يشتكي أو يمل من الوقفة بالرغم من الشمس الحارقة التي جعلت العرق يتسرب منه من كل ناحية.
عم «محمد علي» في الخمسينات من عمره تظهر على ملامحه علامات الشقى والتعب يتجول يوميًا في مناطق مختلفة من العاصمة بين حي المطرية وحي حلمية الزيتون ليسترزق من بضاعته «الملابس» والقطعة بـ60 جنيهًا، ولكن لم يسلم من البلدية يوميًا.
ليس عم محمد علي هو البائع المتجول فقط في المنطقة بل في مصر كلها يوجد أكثر من 5 ملايين بائع متجول يبحثون على لقمة عيشهم دون أن تجد لهم الدولة بل وتلاعبهم «عسكر وحرامية»، وانتشر الباعة الجائلين بكثرة في الآونة الأخيرة خاصة بعد ثورة 2011، وتقوم الدولة بمحاصرتهم يوميًا بكافة الأحياء وشن حملات مكبرة لرفع مخالفتهم.
وهناك من تطلق عليهم الدولة باعة أصليون في الشوارع وهم الذين تم تسجيلهم في نقابة الباعة الجائلين منذ عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، والذي أصدر القانون رقم 33 لسنة 1977، وهو القانون الذي صنف الباعة، ومنحهم رخصة لممارسة أعمالهم، وكانت الرخصة تمنح في نطاق الحي الخاص به.
وقال محمد عبد الله، نقيب الباعة الجائلين، إن فكرة الأسواق الجديدة فشلت لأن من يتحكم بها هم المحليات والمعروف عنها بالفساد والرشاوى، ولم تحل الأسواق أزمة الباعة أو تسكينهم، فإنه من الـ5 ملايين بائع لم يتم تسكين 5% منهم بالأسواق، ويوجد 1100 سوق عشوائي على مستوى الجمهورية لتطويرهم.
وأضاف «عبدالله» في حديثه لـ«أهل مصر» أن أسواق الباعة الجائلين تنقسم إلى أسواق بالتعاون مع المحافظة وأخرى تكون على نفقة النقابة والبائع، وتم تفعيل الأسواق في كل الأحياء وبكافة أنواع السلع.
وحمل نقيب الباعة المحليات فشل الأسواق الجديدة، معتبرًا إياها «معروفة بالفساد»، وأغلب من تم تسكينهم سواء أبناء لموظفين بالحي أو رئيس حي يريد أن يظهر في الإعلام فيعطي محل بالسوق لأحد الخارجين من السجون أو المتعافي من الإدمان.