"أصوات طرق عالية.. زحمة سير.. دوشة طلاب المدارس"، مرحبًا بك في حي النحاسين، هذا الحي الذي له تاريخ طويل، شاهد عظمة وعراقة القاهرة القديمة، فيكون أخر ما تبقى من الأسواق المخصصة لحرف بعينها.
يقع سوق "النحاسين"، في شارع "أمير الجيوش"، يطلق عليه أهله شارع "مرجوش" أو شارع النحاسين، ويتفرع شارع أمير الجيوش، من ميدان باب الشعرية من جهة، ويتفرع من الجهة الأخرى من ش المعز لدين الله الفاطمى، الذى يبدأ من باب الفتوح، ويمتد حتى شارع محمد على.
"أهل مصر" تجولت داخل شارع النحاسين، لرصد ورش النحاس ومعرفة أسعارها، فما أن تطأ قدماك الشارع، حتى تشاهد الأواني النحاسية وقدر الفول وحمس الشام، متراصة فوق بعضها، وعربات الكبدة والفشار، وماكينات فرم اللحوم.
وبطول الشارة تجد الورش تفتح أبوابها، وسط حالة من الصمت والتأمل، لحالة الكساد التي شهدها الشارع منذ سنوات.
"أهل مصر" اقتربت أكثر من إحدى هذه الورش، للحديث مع العاملين، ليفتحوا قلوبهم للحديث عن معاناتهم، فيقول أحد الصنايعية، أنه لم يشهد حالة كساد لصناعة الحديد من قبل، موضحًا أن هذه الحالة مستمرة منذ سنوات.
ويضيف الرجل صاحب الـ45 عامًا، الذي كان يصرخ من الغضب، معبرًا عن الحالة التي وصل إليها صناع مصر بدون أدنى تأمين لهم، "احنا بقالنا شهر مش بنقبض وحياتنا ماشية ببركة ربنا".
يلتقط طرف الحديث منه صنايعي آخر، فيقول إن المعادن تغلى أسعارها، ويوميًا تواصل ارتفاعها، لافتًا إلى أن النحاس من أبرز المعادن النادرة في السوق، حيث يتم استيرادها، موضحًا أن حلة حلاوة المولد المصنوعة من الحديد تكلف 500 جنيه.
"عم جودة" الرجل الستيني، الذي قضى 40 عامًا من عمره في مزاولة المهنة، فقد خلالها سمعه بسبب الطرق على الحديد، يقف يمسك بيده المرتعشة جاكوش يطرق به الحديد، غير مكترث بالحديث الذي يدور حوله.
ليناديه أحد زملائه، فينظر بابتسامة يخالطها الحياء، ويعود ثانية للطرق، ثم ينظر مرة أخرى، ليقول أنها مهنة صعبة تحتاج لصحة، موضحًا أنه يعمل بها منذ أربعين عاما.
ويضيف أنه لا يستطيع أن يعمل غيرها، كما أنه لا يستطيع أن يرتاح في بيته، مؤكدًا أن يومه كله يقضيه في الورشة، حيث أنه يأتي في الصباح من القليوبية على عجلته التي يستقلها منذ سنوات.