عند الحديث عن الاجتهاد وشروط المجتهد نقول إن تعريف الاجتهاد هو استفراغ الوسع فى تحقيق أمر من الأمور مستلزم للكلفة والمشقة ، ولهذا يُقال اجتهد فلان فى حمل حجر ولايُقال اجتهد فى حمل خردلة ( ). أو : هو بذل المجهود واستفراغ الوسع فى فعل من الأفعال ولا يستعمل إلا فيما فيه كلفة وجهد ( ).
وقال المناوى فى مهمات التعاريف : الاجتهاد لغة هو : أخذ النفس ببذل الطاقة ، وتحمل المشقة ، كإتعاب الفكر فى إحكام الرأى ، وعبر عنه ببذل المجهود فى طلب المقصود ( ) وهو مأخوذ من الجهد : وهو الطاقة والمشقة
الاجتهاد اصطلاحا : له بمفهومه العام تعاريف كثيرة ، فقد عرفه الآمدى وصاحب مسلم الثبوت وجماعة بأنه : استفراغ الوسع فى طلب الظن بشىء من الأحكام الشرعية على وجه يحس من النفس العجز عن المزيد فيه . وهذه عبارة الآمدى وعبارة مسلم الثبوت ومثلها عبارة ابن الحاجب تقريبا : " بذل الطاقة من الفقيه فى تحصيل حكم شرعى ظنى " ، لكنه تعريف منتقد لأنه غير جامع لجميع أفراد المعرف ، لإخراجه العلم بالأحكام ، وغير مانع من دخول بعض أفراد غير المعرف فيه لإدخاله الظن غير المعتبر ، مع أنه ليس دليلا تشريعيا ( ) .
ومن التعاريف المقبولة تعريف البيضاوى وهو : استفراغ الجهد فى درك الأحكام الشرعية ، وقريب منه تعريف المناوى فى مهمات التعاريف : استفراغ الفقيه وسعه لتحصيل ظن بحكم شرعى ( ) .
والإستفراغ معناه : بذل الوسع والطاقة ، ودرك الأحكام أعم من أن يكون على سبيل القطع أو الظن ، وبمثله عرفه ابن الهمام وغيره فقالوا : هو بذل الطاقة من الفقيه فى تحصيل حكم شرعى عقليا كان أو فقهيا ، قطعيا كان أو ظنيا ، فشمل التعريف الاجتهاد فى العقليات والنقليات ، قطعية كانت أو ظنية ، وأخرج به بذل الطاقة من غير الفقيه ، فلا يسمى اجتهادا عند الأصوليين كما لايسمى استنباط الأحكام اللغوية أو العقلية من غير الفقيه أو الحسية اجتهادا أيضا .
والخلاصة : أن الاجتهاد هو عملية استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية فى الشريعة ( ) .
من هذا التعريف الإصطلاحى للاجتهاديين يتبين ما يأتى :
أولا : أن يبذل المجتهد وسعه ، أى يستفرغ غاية جهده بحيث يحس من نفسه العجز عن المزيد عليه .
ثانيا : أن يكون الباذل جهده مجتهدا ، أما غيره فلا عبرة بما يبذله من جهد ، لأنه ليس من أهل الاجتهاد ، والاجتهاد إنما يكون مقبولا إذا صدر من أهله .
ثالثا : أن يكون هذا الجهد لغرض التعرف على الأحكام الشرعية العملية دون غيرها ، فلا يكون الجهد المبذول للتعرف على الأحكام اللغوية أو العقلية أو الحسية من نوع الاجتهاد الإصطلاحى عند الأصوليين .
رابعا : ويشترط فى التعرف على الأحكام الشرعية أن يكون بطريق الإستنباط ، أى نيلها واستفادتها من أدلتها بالنظر والبحث فيها ، فيخرج بهذا القيد حفظ المسائل ، أو استعمالها من المفتى ، أو بإدراكها من كتب العلم ، فلا يسمى شىء من ذلك اجتهادا فى الإصطلاح .
When we talk about ijtihad and conditions of diligence, we say that the definition of ijtihad is to take advantage of the situation in order to achieve something that is necessary for the cost and hardship. Or: It is to exert effort and relieve the situation in the act of acts and use only in the cost and effort
Al-Manawi said in the duties of definitions: Ijtihad language is: taking the self by energy, and bear hardship, as the fee of thought in the determination of opinion, and expressed the effort to request the meaning It is taken from the effort:
من هو المجتهد ؟؟؟
المجتهد هو الفقيه المستفرغ لوسعه لتحصيل ظن بحكم شرعى ، ولابد أن يكون بالغا عاقلا قد ثبتت له ملكة يقتدر بها على استخراج الأحكام من مآخذها ( ) .
وقد عرفه صاحب الوجيز بقوله : هو من قامت فيه ملكة الاجتهاد ، أى القدرة على استنباط الأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية ، وهو الفقيه عند الأصوليين ، فلا يعتبر الشخص مجتهدا ولا فقيها إذا عرف الأحكام الشرعية بطريق الحفظ والتلقين ، أو بتلقيها من الكتب أو من أفواه العلماء بلا بحث ولا نظر ولا استنباط ، والقدرة على الاجتهاد إنما تكون بتوافر شروط الاجتهاد التى بها يكون الشخص مجتهدا ( ) .
* * *
• مشروعية الاجتهاد :
الاجتهاد على أنه أصل من أصول الشريعة دلت أدلة كثيرة على جوازه ، إما بطريق الإشارة أو بطريق التصريح . ومن هذه الأدلة :
1- ما ورد فى القرآن الكريم : وهو قوله تعالى : " إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله " ( ) فإنه يتضمن إقرار الاجتهاد بطريق القياس ، ومنها قوله سبحانه : "إن فى ذلك لآيات لقوم يتفكرون " و " يعقلون " .
2- وصرحت السنة بتجويز الاجتهاد ، منها ما استدل به الإمام الشافعى رضى الله عنه عن عمرو بن العاص رضى الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران ، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر " ( ) ، ومنها حديث معاذ المتداول : حينما بعثه النبى صلى الله عليه وسلم قاضيا إلى اليمن فقال له : بم تقضى ؟ قال : بما فى كتاب الله ، قال : فإن لم تجد فى كتاب الله ؟ قال : أقضى بما قضى به رسول الله . قال : فإن لم تجد فيما قضى به رسول الله ؟ قال : أجتهد برأيي ، قال : الحمد لله الذى وفق رسول رسوله " ( ) .
وقد اتبع الصحابة طريق الاجتهاد فيما لم يعثروا فيه على نص قرآنى أو سنة ، فكان أبو بكر رضي الله عنه مثلا إذا نزلت به قضية فلم يجد فى كتاب الله تعالى منها أصلا ، ولا فى السنة أثرا ، اجتهد . وعليه أجمع الصحابة ، فكانوا إذا حدثت لهم حادثة شرعية من حلال أو حرام فزعوا إلى الاجتهاد إن لم يجدوا نصا أو خبرا فى الكتاب أو فى السنة ( ) .
* * *
• أقسام الاجتهاد :
أ. ينقسم الاجتهاد بالنظر إلى أهله إلى اجتهاد مطلق واجتهاد مقيد ، وفى هذين القسمين تجتمع أقسام المجتهدين الأربعة التى ذكرها ابن القيم فى "إعلام الموقعين" ( ) وهي :
1- مجتهد مطلق : وهو العالم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة ، يجتهد فى أحكام النوازل يقصد فيها موافقة الأدلة الشرعية حيث كانت ، فهذا النوع هم الذين يسوغ لهم الإفتاء والاستفتاء ، وهم المجددون لهذا الدين القائمون بحجة الله فى أرضه .
2- مجتهد مقيد فى مذهب من ائتم به : فهو مجتهد فى معرفة فتاويه وأقواله ومآخذه وأصوله عارف بها متمكن من التخريج عليها ، من غير أن يكون مقلدا لإمامه لا فى الحكم ولا فى الدليل ، لكن سلك طريقه فى الاجتهاد والفتيا ودعا إلى مذهبه ورتبه وقرره فهو موافق له فى مقصده وطريقه معا .
3- مجتهد مقيد فى مذهب من انتسب إليه : مقر له بالدليل متقن لفتاويه ، عالم بها لا يتعدى أقواله وفتاويه ولا يخالفها ، وإذا وجد نص إمامه لم يعدل عنه إلى غيره البتة ، بل نصوص إمامه عنده كنصوص الشارع ، قد اكتفى بها من كلفة التعب والمشقة وقد كفاه إمامه استنباط الأحكام ومؤنة استخراجها من النصوص .
وشأن هؤلاء عجيب ، إذ كيف أوصلهم اجتهادهم إلى كون إمامهم أعلم من غيره وأن مذهبه هو الراجح والصواب دائر معه ، وقعد بهم اجتهادهم عن النظر فى كلام الله ورسوله واستنباط الأحكام منه وترجيح ما يشهد له النص ؟
4- مجتهد فى مذهب من انتسب إليه : وهو من حفظ فتاوى إمامه وأقر على نفسه بالتقليد المحض له من جميع الوجوه ، وذكر الكتاب والسنة عنده يكون على وجه التبرك والفضيلة لا على وجه الاحتجاج به والعمل ، بل إذا رأى حديثا صحيحا مخالفا لقول من انتسب إليه أخذ بقوله وترك الحديث !! فليس عند هؤلاء سوى التقليد المذموم .
ب. وينقسم الاجتهاد بالنظر إلى المجتهد من حيث استيعابه للمسائل أو اقتصاره على بعضها إلى :
1- مجتهد مطلق : وهو الذى بلغ رتبة الاجتهاد بحيث يمكنه النظر فى جميع المسائل .
2- مجتهد جزئى : وهو الذى لم يبلغ رتبة الاجتهاد فى جميع المسائل وإنما بلغ هذه الرتبة فى مسائل معينة أو باب معين أو فن معين وهو جاهل لما عدا ذلك .
* * *
الباب الثاني
شروط الاجتهاد وصفات المجتهد .
اختلفت عبارات الأصوليين فى شروط الاجتهاد ولكنها فى مضمونها واحدة مع بعض المفارقات البسيطة .
فعبارة الغزالى هى : " يشترط فى المجتهد شرطان :
أحدهما : أن يكون محيطا بمدارك الشرع ، متمكنا من استثارة الظن بالنظر فيها ، وتقديم ما يجب تقديمه ، وتأخير ما يجب تأخيره .
والثانى : أن يكون عدلا مجتنبا للمعاصى القادحة فى العدالة ، وهذا الشرط لجواز الاعتماد على فتواه ، فمن ليس عدلا فلا تقبل فتواه ، أما هو فى نفسه فلا ، أى إن أخذه بالاجتهاد لنفسه لايشترط له ذلك " ( ) .
وعبارة الشاطبى هى : " إنما تحصل درجة الاجتهاد لمن اتصف بوصفين :
أحدهما : فهم مقاصد الشريعة على كمالها .
والثانى : التمكن من الإستنباط بناء على فهمه فيها " ( ) .
ومضمون عبارة الآمدى والبيضاوى أنه يشترط فى المجتهد شرطان :
الأول : أن يكون مكلفا مؤمنا بالله ورسوله .
الثانى : أن يكون عالما عارفا بمدارك الأحكام الشرعية وأقسامها وطرق إثباتها ووجوه دلالتها على مدلولاتها ( ) . ويمكن تحليل هذه العبارات ونحوها باشتراط الشروط التالية لبلوغ درجة الاجتهاد ( ) :
1- معرفة آيات الأحكام من القرآن الكريم :
أن يعرف الشخص معانى آيات الأحكام المذكورة فى القرآن الكريم لغة وشرعا ، ولا يشترط حفظه لها عن ظهر قلب ولا حفظ سائر القرآن ، وإنما يكفى أن يكون عالما بمواضعها حتى يرجع إليها فى وقت الحاجة ، وقد حدد الغزالى والرازى وابن عربى عدد هذه الآيات بمقدار خمسمائة آية ( ) .
قال الشوكانى : " ودعوى الإنحصار فى هذا المقدار إنما هى باعتبار الظاهر ، للقطع بأن فى الكتاب العزيز من الآيات التى تستخرج منها الأحكام الشرعية أضعاف أضعاف ذلك ، بل من له فهم صحيح وتدبر كامل يستخرج الأحكام من الآيات الواردة لمجرد القصص والأمثال ، قيل : ولعلهم قصدوا بذلك الآيات الدالة على الأحكام دلالة أولية بالذات لا بطريق التضمن والإلتزام " .
أما معرفة معانى الآيات لغة : فيتم بمعرفة معانى المفردات والمركبات وخواصها فى إفادة المعنى ، إما بحسب السليقة بأن ينشأ نشأة عربية ، أو بتعلم اللغة العربية من طريق علوم الصرف والنحو والمعانى والبيان وسائر فنون البلاغة .
وأما معرفتها شريعة : فبأن يعرف العلل والمعانى المؤثرة فى الأحكام وأوجه دلالة اللفظ على المعنى من عبارة وإشارة ودلالة واقتضاء ، أو منطوق ومفهوم ، ومعرفة أقسام اللفظ من عام وخاص ومشترك ومجمل ومفسر وغيرها .
* * *
2- معرفة أحاديث الأحكام من السنة :
أن يعرف أحاديث الأحكام لغة وشريعة كما سبق بالنسبة للقرآن الكريم ، ولايلزم حفظها ولا حفظ جميع أحاديث السنة ، وإنما أن يكون متمكنا من الرجوع إليها عند الإستنباط ، بأن يعرف مواقعها بواسطة فهرسها ، وحدد ابن العربى مقدارها بثلاثة آلاف ونقل عن أحمد بن حنبل : أن الأصول التى يدور عليها العلم عن النبى صلى الله عليه وسلم ينبغى أن تكون ألفا ومائتين ، وهذا التحديد ربما يكون غير دقيق لأن أحاديث الأحكام كثيرة وموزعة فى كتب مختلفة ، قال الشوكانى ( ) :
" والحق الذى لاشك فيه ولا شبهة : أن المجتهد لابد أن يكون عالما بما اشتملت عليه مجاميع السنة التى صنفها أهل الفن كالأمهات الست ( وهى صحيح البخارى ومسلم ، وسنن أبى داود والترمذى والنسائى وابن ماجه ) وما يلحق بها ( كسنن البيهقى والدارقطنى والدارمى ) ، مشرفا على ما اشتملت عليه المسانيد والمستخرجات والكتب التى التزم مؤلفوها الصحة ( مثل صحيح ابن خزيمة ، وصحيح ابن حبان ، وصحيح الحاكم النيسابورى ) حتى لا يلجأ المجتهد إلى القول بالرأى أو القياس مع وجود النص ، وهذا ما يتعلق بمتن الحديث .
كذلك يشترط معرفة سند الحديث ، وهو طريق وصوله إلينا : من تواتر أو شهرة أو آحاد ، وأن يعرف حال الرواة من جرح وتعديل ليعرف صحيح السنة من ضعيفها ، ولا يشترط حفظ حال الرجال عن ظهر قلب ، بل المعتبر أن يتمكن بالبحث فى كتب الجرح والتعديل .
ونظرا لأن البحث عن أحوال الرواة فى عصرنا هذا أمر متعذر لطول المدة بيننا وبينهم ، فإنه يكتفى بتعديل الأئمة الموثوق بهم فى علم الحديث ، كالبخارى ومسلم والبغوى وغيرهم من أئمة الحديث ( ) .
وقد اعتنى العلماء بجمع أحاديث الأحكام وصنفوا فيها المصنفات ، ورتبوها حسب أبواب الفقه ، وشرحوها الشروح المختصرة والمطولة ، وبينوا ما فيها من أحكام ومقارنتها بمذاهب فقهاء الأمصار ، وتكلموا عن أسانيدها ، مما سهل على المجتهد الوصول إلى أحاديث الأحكام ، والتعرف على معانيها وأحكامها ، ومن هذه الكتب : " نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار " للإمام الشوكانى ، وكتاب " سبل السلام " للصنعانى ، فضلا عن كتب السنة الصحيحة وشروحها التى لم تقتصر على أحاديث الأحكام ( ) .
3- معرفة الناسخ والمنسوخ من السنة :
أن يعرف الناسخ والمنسوخ فى آيات وأحاديث مخصوصة ، حتى لا يعتمد على المنسوخ المتروك مع وجود الناسخ ، فيؤديه اجتهاده إلى ما هو باطل ، ويكفى أن يرجع إلى ما كتب فى هذا الموضوع ، مثل كتاب ابن خزيمة وابن الجوزى والحازمى وابن حزم والطحاوى فى معانى الآثار وغيرهم ، ولا يشترط معرفة جميعه وحفظه ، وإنما يكفيه فى كل واقعة يفتى فيها بآية أو حديث أن يعلم أن ذلك الحديث وتلك الآية محكمان ( ) .
* * *
4- معرفة مسائل الإجماع :
أن يعرف مسائل الإجماع ومواقعه ، حتى لا يفتى بخلافه ، وليس من اللازم أن يحفظ جميع مواقع الإجماع والخلاف ، بل فى كل مسألة يفتى فيها ينبغى أن يعلم أن فتواه ليست مخالفة للإجماع ، بأن يعلم أنها موافقة مذهبا من مذاهب العلماء أيهم كان ، أو يغلب على ظنه أن هذه الواقعة ناشئة فى عصر لم يكن لأهل الإجماع فيها خوض ( ) .
إن معرفة مواضع الإجماع شرط بالاتفاق ، ومواضع الإجماع التى لاشك فى وجود الإجماع بالنسبة لها هى أصول الفرائض ، فإن الأخبار قد تواترت بالإجماع عليها ، وأصول المواريث فإن الإجماع قد انعقد عليها ، والمحرمات التى جاء بها القرآن وجاءت بها السنة قد انعقد الإجماع عليها ، وهكذا غير ذلك من المفردات الإسلامية التى أجمع عليها العلماء من عصر الصحابة إلى عصر الأئمة المجتهدين ومن جاء بعدهم ( ) .
* * *
5- معرفة وجوه القياس :
يقول الشافعى : أن الاجتهاد هو العلم بأوجه القياس وطرائقه ، بل إنه ليقرر أكثر من ذلك أن الاجتهاد هو القياس ( ) . فلابد أن يعرف منهاج القياس السليم ، ويكون عنده من العلم بالأصول المستنبطة من النصوص التى وردت بالأحكام ما يمكنه من أن يختار من أقربها للموضوع الذى يجتهد الفقيه فى معرفته ، فإن العلم بالقياس يقتضى العلم بثلاثة أمور :
أولها : العلم بالأصول من النصوص التى يبنى عليها والعلل التى قامت عليها أحكام هذه النصوص ، والتى بها يمكن إلحاق حكم الفرع إليها .
ثانيها : العلم بقوانين القياس وضوابطه كألا يقاس على ما يثبت أنه لا يتعدى حكمه ، ومعرفة أوصاف العلة التى يبنى عليها القياس ويلتحق بها الفرع بالأصل .
ثالثا : أن يعرف المناهج التى سلكها السلف الصالح فى تعرف علل الأحكام ، والأوصاف التى اعتبروها أسسا لبناء الأحكام عليها ، واستخرجوا طائفة من الأحكام الفقهية ( ) .
لابد للمجتهد أن يعرف وجوه القياس وشرائطه المعتبرة ، وعلل الأحكام وطرق استنباطها من النصوص ومصالح الناس وأصول الشرع الكلية ، لأن القياس قاعدة الاجتهاد ، والذى تبنى عليه أحكام كثيرة تفصيلية ( ) .
* * *
6- معرفة اللغة العربية :
اتفق علماء الأصول على ضرورة أن يكون المجتهد على علم باللغة العربية ، لأن القرآن الكريم الذي نزل بهذه الشريعة عربى ، ولأن السنة التى هى بيانه جاءت بلسان عربى . وإنه على قدر فهم الباحث فى الشريعة لأسرار البيان العربى ودقائقه تكون قدرته على استنباط الأحكام من النصوص الفقهية ، وإن الشاطبى ليرتب الباحثين بمقدار مرتبتهم فى فهم الكلام فيقول : " فإذا فرضنا مبتدئا فى فهم اللغة فهو مبتديء فى فهم الشريعة ، أو متوسطا فهو متوسط فى فهم الشريعة ، والمتوسط لم يبلغ درجة النهاية ، فإذا انتهى إلى الغاية فى العربية كان كذلك فى الشريعة ، فكان فهمه فيها حجة ، كما كان فهم الصحابة وغيرهم من الفصحاء الذين فهموا القرآن حجة ، فمن لم يبلغ شأوه فقد نقصه من فهم الشريعة بمقدار التقصير عنهم ، وكل من قصر فهمه لم يكن حجة ، ولا كان قوله مقبولا " ( ) .
وإن ذلك الكلام معقول فى ذاته ، لأن المجتهد حجة لغير المجتهد ، ولايبلغ هذه المرتبة إلا من يكون قد بلغ مرتبة قريبة ممن تكون أقوالهم حجة ، وهم الصحابة الأعلام والأئمة الذين تلقوا عنهم وتوارثوا علمهم من بعدهم ، وكلهم كان إماما فى العربية بقدر إمامتهم فى الفقه ، وقد كذب وافترى من ادعى جهل بعضهم بالعربية " ( ) .
لهذا لابد للمجتهد أن يعلم علوم اللغة العربية من: لغة ونحو وصرف ومعان وبيان وأساليب لأن الكتاب والسنة عربيان ، فلا يمكن استنباط الأحكام منهما إلا بفهم كلام العرب إفرادا وتركيبا ، أو معرفة معانى اللغة وخواص تراكيبها ، ومنه معرفة حكم العموم والخصوص ، والحقيقة والمجاز ، والإطلاق والتقييد ، وحكم دلالات الألفاظ ، وغريب اللغة ونحوها ، ولايشترط أن يكون حافظا لها عن ظهر قلب ، بل تكفى القدرة على استخراجها من مظانها ومؤلفاتها ( ) .
والمراد من هذا الشرط ليس البلوغ فى إتقان اللغة إلى درجة الخليل والمبرد والأصمعى وسيبويه ، ولا أن يعرف جميع اللغة ويتعمق فى النحو ، وإنما ينبغى معرفة القدر الذى يفهم به خطاب العرب وعاداتهم فى الاستعمال إلى حد يميز بين صريح الكلام وظاهره ومجمله ، وحقيقه ومجازه ، وعامه وخاصه ، ومحكمه ومتشابهه ، ومطلقه ومقيده ، ونصه وفحواه ، ولحنه ومفهومه ، وذلك فى القدر الذى يتعلق بالكتاب والسنة ، ويستولى به على مواقع الخطاب ، ودرك حقائق المقاصد منه ( ) . ونظرا لأهمية هذا الشرط جعله بعضهم أول الشروط ، لأن معرفة قدر صالح من اللغة يعتبر كالآلة التى بها يحصل الشىء ، ومن لم يحكم الآلة والأداة لم يصل إلى تمام الصنعة كما قال الشهرستانى ( ) .
* * *
7- معرفة أصول الفقه :
على المجتهد أن يكون عالما بعلم أصول الفقه ، لأنه عماد الاجتهاد وأساسه الذى تقوم عليه أركان بنائه إذ أن الدليل التفصيلى يدل على الحكم بواسطة كيفية معينة ، ككونه أمرا أو نهيا أو عاما أو خاصا ونحوها ، وعند الإستنباط لابد من معرفة تلك الكيفيات وحكم كل منها ، ويعرف هذا فى علم أصول الفقه .
قال الفخر الرازى فى المحصول: إن أهم العلوم للمجتهد علم أصول الفقه . وقال الغزالى: إن أعظم علوم الاجتهاد يشتمل على ثلاثة فنون : الحديث واللغة وأصول الفقه .
وقد نبه الشوكانى على أنه لايكفى معرفة مسائل الأصول التى قررها المجتهدون ، بل لابد أن يدرك هذه الأصول بنفسه كما أدركها الأئمة قبل تدوين علم الأصول ، وأن ينظر فى كل مسألة نظرا مستقلا يوصله إلى ما هو الحق فيها ، ويتوفر له هذا بالإحاطة بموارد الشريعة والتضلع فى فهم لسان العرب وتتبع وجوه استعمال الألفاظ والمعانى وأساليب العرب نثرا وشعرا وخطابة وكتابة ، وإلا فإنه يكون مجتهدا فى دائرة إمام المذهب وليس مجتهدا مستقلا ( ) .
إن علم أصول الفقه ضرورى لكل مجتهد وفقيه ، إذ بهذا العلم يعرف المجتهد أدلة الشرع وترتبها فى الرجوع إليها وطرق استنباط الأحكام منها ، وأوجه دلالات الألفاظ على معانيها وقوة هذه الدلالات ، وما يقدم منها وما يؤخر ، وقواعد الترجيح بين الأدلة إلى غير ذلك مما يبحثه علم أصول الفقه ( ) .
* * *
8- أن يدرك مقاصد الشريعة العامة :
على المجتهد أن يدرك مقاصد الشريعة العامة فى استنباط الأحكام ، لأن فهم النصوص وتطبيقاتها على الوقائع متوقف على معرفة هذه المقاصد ، فمن يريد استنباط الحكم الشرعى من دليله يجب عليه أن يعرف أسرار الشريعة ومقاصدها العامة فى تشريع الأحكام ، لأن دلالة اللفظ على المعانى قد تحتمل أكثر من وجه ، ويرجح واحدا منها ملاحظة قصد الشارع ، كما أن الأدلة الفرعية قد تتعارض مع بعضها فيؤخذ بما هو الأوفق مع قصد الشارع ، وقد تحدث أيضا وقائع جديدة لايعرف حكمها بالنصوص الشرعية ، فيلجأ إلى الإستحسان أو المصلحة المرسلة أو العرف ونحوها ، بواسطة مقاصد الشريعة العامة (*) من التشريع ( ) .
يقول الشاطبي في الموافقات : ( والمراد من هذه المقاصد : حفظ مصالح الناس بجلب النفع لهم ودفع الضرر عنهم ، لأنه ثبت بالإستقراء أن وضع الشرائع إنما هو لمصالح العباد فى الدنيا والآخرة معا ، قال الله تعالى : " رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل " وقال سبحانه : " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " ) ( ) .
ولايخفى أن معيار تحديد النفع والضرر ليس كما يراه الناس ، بل كما يراه الشارع ، لأن الإنسان قد يرى ما هو ضار نافعا ، فيستحل السرقة أو شرب الخمر مثلا ، وقد يرى ما هو نافع ضارا ، فيجد فى الزكاة نقصا لماله ، مع أنها تطهير له ، كما يرى الخروج إلى الجهاد ضارا به مع أنه فيه نفع العموم ، قال تعالى: " ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن " .
إن مقاصد الأحكام فى الشريعة الإسلامية هى الرحمة بالعباد ، إذ هذا هو المقصد الأسمى للرسالة المحمدية ، كما قال تعالى بصيغة الحصر: " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " .
وإن تلك الرحمة العامة اقتضت أن تكون تلك الشريعة قائمة على رعاية المصالح بمراتبها الثلاث : الضروريات ثم الحاجيات ثم التحسينيات ، كما اقتضت رفع الحرج ومنع الضيق ، وتخير اليسر لا العسر ، وأن المشقة التى يطالب بها الشارع الإسلامى هى المشقة التى يمكن الإستمرار علي القيام بها ، والمشقة التى لايمكن الإستمرار عليها تشريع لدفع الأضرار الكبيرة ، كالجهاد فى سبيل الله تعالى لدفع الفساد ، كما قال الله تعالى : " ولولادفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز " ( ) .
ويجب أن يعلم المجتهد والمتصدى للاجتهاد ذلك ليستطيع أن يتعرف أوجه القياس ومناط الأحكام والأوصاف المناسبة إن كان ممن يقتصرون فى الاستنباط بالرأى على القياس لايتجاوزه ، وإن كان ممن لايقتصرون فى الرأى على القياس بل يتجاوزونه إلى المصلحة المرسلة أو الإستدلال المرسل كما تعبر عنه بعض كتب المالكية ، فإن معرفة المصالح الإنسانية أصل من الأصول المقررة الثابتة ، فلكى يفتى بالمصلحة يجب أن يعرف المصالح الحقيقية والمصالح الوهمية التى تنبعث عن الهوى والشهوات ، كما يجب أن يعرف ما يكون الفعل من مصلحة ومضرة ويوازن بينهما ، فيقدم دفع المضار على جلب المصالح ، وما ينفع الناس على الآحاد ، وهكذا يعرف وجوه المصالح ووجوه المضار ، وأن ذلك أساسا فى الاجتهاد ( ) .
ولذلك بنى الشاطبى الاجتهاد على أصلين :
أحدهما : فهم مقاصد الشريعة ، وأنها مبنية على اعتبار أن المصالح الإسلامية هى حقائق ذاتية ، لاينظر إليها باعتبارها شهوات أو رغبات للمكلف ، بل ينظر فيها إلى الأمر فى ذاته من حيث كونه نافعا فى ذاته أو ضارا . وقال الشاطبى فى هذا الأصل : " إذا بلغ الإنسان مبلغا فهم فيه عن الشارع قصده فى كل مسألة من مسائل الشريعة ، وفى كل باب من أبوابها ، فقد حصل له وصف هو السبب فى بلوغه منزلة الخليفة للنبى صلى الله عليه وسلم فى التعليم والفتيا والحكم بما أراه الله تعالى " .
والثانى : الذى ذكر هو التمكن من الإستنباط بمعرفة العربية ومعرفة أحكام القرآن والسنة والإجماع وخلاف الفقهاء وأوجه القياس ، فإن هذه أداة الإستنباط . ويقول الشاطبى : " إن الأصل الأول هو الأساس ، والثانى خادم له ، لأن فهم مقاصد الشارع هو العلم الذى ينبنى عليه الاجتهاد ، والمعارف الأخرى من لغة ومعرفة لأحكام القرآن وغيرها تكون تحصيلات عملية لا تنتج استنباطا جديدا إن لم يكن على علم كامل بمقاصد الشارع ومراميه وغاياته ، وفى ذلك يقول الشاطبى : " إن الأصل الثانى كالخادم للأصل الأول " ( ) .
9- الاستعداد الفطري للاجتهاد :
هذا شرط وجيه قد ذكره د.عبد الكريم زيدان فى كتابه" الوجيز فى أصول الفقه" وهو لايقل أهمية عما سبق من الشروط حيث قال :
" وهناك شرط هو فى رأينا ضرورى وإن لم ينص عليه الأصوليون صراحة ، وهو أن يكون عند العالم استعداد فطرى للاجتهاد ، بأن تكون له عقلية فقهية مع لطافة إدراك وصفاء ذهن ونفاذ بصيرة ، وحسن فهم وحدة ذكاء ، إذ بدون هذا الإستعداد الفطرى لايستطيع الشخص أن يكون مجتهدا وإن تعلم آلة الاجتهاد التى ذكرناها فى شروطه ، لأنها إذا لم تصادف استعدادا فطريا للاجتهاد لاتجعل الشخص مجتهدا ، وليس فى قولنا هذا غرابة ، فإن تعلم الإنسان اللغة العربية وعلومها وأوزان الشعر لاتجعله شاعرا إذا لم يكن عنده استعداد فطرى للشعر . فكذلك الحال فى الاجتهاد ، ونوابغ المجتهدين ما كانوا أكثر من غيرهم معرفة بعلوم الاجتهاد ووسائله وآلاته ، وإنما كانوا أكثر من غيرهم فى القابلية على الاجتهاد وفى الإستعداد الفطرى له ( ) .
*** هذه هى شروط الاجتهاد التى تقتضيها طبيعة القيام بهذا العبء الجسيم ، إلا أنها كما نبه الغزالى تشترط فى حق المجتهد المطلق الذى يفتى فى جميع الشرع ، وليس الاجتهاد عند الجمهور منصبا لايتجزأ ، بل يجوز أن يفوز العالم بمنصب الاجتهاد فى بعض الأحكام دون بعض ( ) .
الباب الثالث
حكم الاجتهاد .
إذا توافرت شروط الاجتهاد السابقة عند شخص ، وحصلت له ملكة استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية ، فهل يجب عليه الاجتهاد أو لا ؟
قال العلماء : إذا وقعت حادثة لشخص ، أو سُئل عن حادثة ، فإن حكم الاجتهاد فى حقه يكون فرضا عينيا ، وقد يكون فرضا كفائيا ، وقد يكون مندوبا وقد يصير حراما ( ) .
1- فهو فرض عين : فى حق نفسه فيما طرأ له من حوادث ، فإن أداه اجتهاده إلى حكم لزمه العمل به ، ولايجوز له أن يقلد غيره من المجتهدين فى حق نفسه وفى حق غيره ، لأن حكم المجتهد هو حكم الله فى المسألة التى اجتهد فيها بحسب ظنه الغالب ، والمجتهد ينبغى عليه العمل بما غلب على ظنه أنه حكم الله تعالى .
كذلك يكون الاجتهاد فرض عين عليه ، إذا سئل عن حادثة وقعت ، وخاف فوتها على غير وجهها الشرعى ، ولم يوجد غيره ، لأن عدم الاجتهاد يقضى بتأخير البيان عن وقت الحاجة ، وهو ممنوع شرعا .
قال القرافى: " مذهب مالك وجمهور العلماء: وجوب الاجتهاد وإبطال التقليد " .
2- ويكون فرضا كفائيا : إذا لم يخف فوت الحادثة ووجد غيره من المجتهدين ، فإذا اجتهد أحد المجتهدين سقط الطلب عن الباقين ، وإن تركه الجميع أثموا جميعا .
3- ويكون مندوبا : وهو الاجتهاد فى حكم حادثة لم تحصل سواء سئل عنها أو لم يسأل .
4- ويكون مكروها : وهو الاجتهاد في المسائل الافتراضية التي لم تجر العادة بوقوعها وليست ثمة ثمرة من ورائها ، وهذا اشتغال بما لا فائدة فيه .
5- ويكون حراما : وهو وقوع الاجتهاد فى مقابلة نص قاطع من كتاب أو سنة ، أو فى مقابلة الإجماع ، وفيما عداه يكون جائزا [ وهذا ليس اجتهادا حقيقيا ولكن ذكره الأصوليون من باب التتميم ، وقد أرادوا بالتقسيم مطلق بذل الطاقة في استخراج الحكم ] .
* * *
1- اجتهاد النبى صلى الله عليه وسلم :
اتفق العلماء على أنه يجوز للنبى صلى الله عليه وسلم الاجتهاد فى الأقضية والمصالح الدنيوية وتدابير الحروب ونحوها ، واختلفوا فى الأحكام الشرعية والقضايا الدينية فيما لانص فيه على مذاهب ( ) :
أ-قال أكثر الأصوليين : يجوز اجتهاده صلى الله عليه وسلم عقلا ، وقد وقع ذلك فعلا .
ب-وقال الحنفية : إنه كان مأمورا بالاجتهاد إذا وقعت له حادثة ولكن بعد انتظار الوحى إلا أن يخاف فوت الحادثة ، لأن اليقين لايترك عند إمكانه والاجتهاد فى حقه يختص بالقياس ، لأن المراد واضح ولاتعارض لديه ، فإن أقر على اجتهاده كان ذلك كالنص قطعا إذ لا يقر على خطأ .
ج-وقال جمهور الأشاعرة والمتكلمين وأكثر المعتزلة : ليس له صلى الله عليه وسلم الاجتهاد فى الأحكام الشرعية .
• الأدلة :
استدل العلماء على وقوع الاجتهاد منه صلى الله عليه وسلم فى الحروب بقوله تعالى : " عفا الله عنك لم أذنت لهم " ( ) ، فإن الله عاتبه على إذنه لجماعة من المنافقين فى التخلف عن غزوة تبوك ، فلو كان الإذن عن وحى لم يعاتبه ، وإنما كان عن اجتهاد ، واستدلوا أيضا بقوله سبحانه : " لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم " ( ) هذا عتاب آخر على قبوله الفداء فى أسرى بدر ، إذ لم يتوفر له شرط الأسر المتطلب الإثخان فى الأرض ، أى إظهار الهيبة والمنعة والقوة بقتل الأسرى فى مبدأ الأمر .
قال قتادة وعمرو بن ميمون : شيئان فعلهما الرسول صلى الله عليه وسلم لم يؤمر بهما : إذنه للمنافقين ، وأخذ الفداء من الأسرى ، فعاتبه الله بطريق الملاطفة
ومن اجتهاده : عزمه صلى الله عليه وسلم أن يصالح غطفان على ثلث ثمار المدينة .
وأما اجتهاده صلى الله عليه وسلم فى الأحكام الشرعية :
فقد استدل الجمهور على جوازه عقلا بأنه لا يترتب على فرض وقوعه محال ، فلو فرض أن الشارع وهو الله تعالى أمره بالاجتهاد فقال له : أوجبت عليك أن تجتهد و تقيس ، لم يترتب على هذا القول محال ، فيكون الاجتهاد منه جائزا ، ولا معنى للجواز العقلى سوى ذلك .
وأما أدلة الوقوع الفعلى فكثيرة منها :
1- القرآن : قال الله تعالى : " فاعتبروا يا أولى الأبصار" ( ) ، والإعتبار : هو القياس والاجتهاد ، وقد أمر الله به أولى الأبصار ، والنبى صلوات الله وسلامه عليه أعظم الناس بصيرة ، وأكثرهم خبرة بالقياس وشروطه ، فكان مأمورا به بطريق الأولى ، وهناك آيات كثيرة أخرى تطالب بالتدبر والاتعاظ والإعتبار ، وهو أجلٌ المتفكرين فى آيات الله وأعظم المعتبرين .
كما أن آية المشاورة وهى قوله تعالى : " وشاورهم فى الأمر" ( ) تدل على قيامه بالاجتهاد ، لأن المشاورة إنما تكون فيما يحكم فيه بطريق الاجتهاد ، لا فيما يحكم فيه بطريق الوحى .
2- -السنة : قد وقع الاجتهاد منه صلى الله عليه وسلم فى كثير من الأحيان .
مما يدل على اجتهاده ما روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال فى شأن مكة يوم الفتح : " إن هذا البلد حرام لا يعضد شوكه ، ولا يختلى خلاه ولا ينفر صيده ، ولا يلتقط لقطته إلا لمعرف ، فقال العباس: إلا الإذخر فإنه لابد لهم منه ، فإنه للقيون والبيوت ، فقال: إلا الإذخر " ( ) ، فكان الإستثناء بالاجتهاد إذ معلوم أن الوحى لم ينزل عليه فى تلك الحالة .
ومنها مارواه البخارى فى صحيحه عن ابن عباس رضى الله عنهما : أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقالت : إن أمى نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها ؟ قال : نعم حجى عنها ، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضية ، اقضوا فالله أحق بالوفاء " ( ) .
ومنها ما رواه مسلم فى صحيحه عن أبى ذر أن ناسا قالوا : يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور ، يصلون كما نصلى ويصومون كما نصوم ، ويتصدقون بفضول أموالهم ، قال : أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون به ؟ إن بكل تسبيحة صدقة ، وكل تكبيرة صدقة ، وكل تحميدة صدقة ، وكل تهليلة صدقة ، وأمر بمعروف صدقة ، ونهى عن منكر صدقة ، وفى بضع أحدكم صدقة ، قالوا : يا رسول الله أيأتى أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ قال : أرأيتم لو وضعها فى حرام أكان عليه وزر ؟ فكذلك إذا وضعها فى الحلال كان له أجر " ( ) .
ومنها قوله فى حجة الوداع : " لو استقبلت من أمرى ما استدبرت لما سقت الهدى " ( ) . أى لو علمت أولا ما علمت آخرا ما فعلت ذلك ، وسوق الهدى عمل من أعمال الحج ، وقد فعله اجتهادا لا بوحى ، وإلا لم يكن هناك معنى للندم على فعله مفضلا عدم سوق الهدى ، ومثل ذلك لا يكون عملا منه بالوحى .
3- المعقول : وهو أن العمل بالاجتهاد أشق من العمل بالنص ، لأنه يحتاج إلى إتعاب النفس فى بذل الوسع ، فيكون أكثر ثوابا ، لقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة : " أجرك على قدر نصبك " ( ) ، فلو لم يكن النبى صلى الله عليه وسلم عاملا بالاجتهاد مع أن بعض أمته قد عمل به لكان يلزم منه اختصاص بعض أمته بفضيلة لم توجد له ، وهو باطل ، لأن النبى صلى الله عليه وسلم أفضل الناس أجمعين .
* * *
2- اجتهاد الصحابة فى عصر النبى صلى الله عليه وسلم :
بعدما اتفق العلماء على جواز الاجتهاد بعد النبى صلى الله عليه وسلم ، اختلفوا فى جواز الاجتهاد فى عصره على مذاهب ( ) :
أ-قال بعض الأصوليين بعدم الجواز عقلا ، وقال آخرون بعدم الجواز مع عدم الوقوع .
ب-قال الجمهور: يجوز الاجتهاد فى عصره صلى الله عليه وسلم للغائب والحاضر مع وقوع ذلك .
ج-وفصل بعضهم فقال : يجوز الاجتهاد للغائب عن حضرته صلى الله عليه وسلم دون الحاضر .
*** الأدلة:
استدل الجمهور على الجواز العقلى بأنه لا يترتب على فرض وقوع الاجتهاد من الصحابة فى عصره صلى الله عليه وسلم محال ، فيكون جائزا ، وهو طريق إثبات الجواز العقلى ، واستدلوا على الوقوع بوقائع متعددة منها :
1- حديث معاذ المعروف حينما بعثه إلى اليمن قال : كيف تصنع إن عرض لك قضاء ؟ قال : أقضى بما فى كتاب الله ، قال : فإن لم تجد فى كتاب الله ؟ قال : فبسنة رسول الله ، قال : فإن لم يكن فى سنة رسول الله ؟ قال : أجتهد رأيى لا آلو ، قال : فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدرى ثم قال : الحمد لله الذى وفق رسول رسول الله لما يرضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ) .
2- ما رواه البخارى عن أبى سعيد الخدرى قال : نزل أهل قريظة على حكم سعد بن معاذ ، فأرسل النبى صلى الله عليه وسلم إلى سعد فأتى على حمار ، فلما دنا من المسجد قال للأنصار : قوموا إلى سيدكم أو خيركم ، فقال : هؤلاء نزلوا على حكمك فقال : تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم ، قال : قضيت بحكم الله ( ) .
3-ما رواه البخارى عن ابن عمر رضى الله عنهما قال : قال النبى صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب " لا يصلين أحد العصر إلا فى بنى قريظة ، فأدرك بعضهم العصر فى الطريق ، فقال بعضهم : لا نصلى حتى نأتيها ، وقال بعضهم : بل نصلى لم يرد منا ذلك ، فذكر ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم فلم يعنف واحدا منهم ( ) .
4-عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه قال : خرج رجلان فى سفر ، فحضرت الصلاة وليس معهما ماء ، فتيمما صعيدا طيبا فصليا ، ثم وجدا الماء فى الوقت ، فأعاد أحدهما الوضوء والصلاة ، ولم يعد الآخر ، ثم أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك له ، فقال للذى لم يعد : أصبت السنة وأجزأتك صلاتك ، وقال للذى توضأ وأعاد : لك أجرك مرتين " ( ) .
وغير ذلك كثير مما هو مذكور فى كتب الحديث مما يدل على اجتهاد بعض الصحابة فى حياته صلى الله عليه وسلم ، وإقراره إياهم على ذلك ، كما تدل أيضا على ثبوت وجواز اجتهادهم فى حضرته صلى الله عليه وسلم وفى غيبته ( ) .
* * *
3- اجتهاد الصحابة بعد عصر النبى صلى الله عليه وسلم :
لقد اتفق الصحابة على القياس – وهو نوع اجتهاد – فى وقائع لا حصر لها مما لا نص فيه ، وقد كان ذلك من غير نكير أحد منهم ، ومن هذه الوقائع :
1- قول أبى بكر رضي الله عنه لما سئل عن الكلالة : أقول فيها برأيى ، فإن يكن صوابا فمن الله ، وإن يكن خطأ فمنى ومن الشيطان ، الكلالة ما عدا الوالد والولد ( ) .
2- حكم أبى بكر رضي الله عنه بالرأى فى التسوية فى العطاء حتى قال عمر رضي الله عنه : كيف تجعل من ترك دياره وأمواله وهاجر إلى رسول الله كمن دخل فى الإسلام كرها ؟ فقال أبو بكر : إنما أسلموا لله ، وأجورهم على الله ، وإنما الدنيا بلاغ ، وحينما آلت الخلافة إلى عمر فرق بينهم .
3- قياس أبى بكر رضي الله عنه تعيين الإمام بالعهد على تعيينه بعقد البيعة ، حتى إنه عهد إلى عمر رضي الله عنه بالخلافة ووافقه الصحابة .
4-كتاب عمر رضي الله عنه إلى أبى موسى الأشعرى رضي الله عنه عندما ولاه القضاء وفيه : " اعرف الأشباه والأمثال ، ثم قس الأمور برأيك " .
5- قول عمر رضي الله عنه فى الجد : أقضى فى الجد برأيى ، وأقول فيه برأيى ، وقضى فيه بآراء مختلفة .
6- قضاؤه فى المسألة المشتركة لما قيل له : هب أن أبانا كان حمارا ألسنا من أم واحدة ؟ فشرك بينهم .
7- قول على رضي الله عنه فى حد شارب الخمر : إنه إذا شرب سكر ، وإذا سكر هذى ، وإذا هذى افترى ، فحدوه حد المفترين . قاس الشارب على القاذف .
8- قول على لعمر رضى الله عنهما عندما كان يشك فى قود القتيل الذى اشترك فى قتله سبعة ، قال على : يا أمير المؤمنين : أرأيت لو أن نفرا اشتركوا فى سرقة أكنت تقطعهم ؟ قال : نعم ، قال : فكذلك . وهو قياس للقتل على السرقة .
9- قول ابن مسعود رضي الله عنه فى المفوضة برأيه بعد أن استمهل شهرا ، وأنه كان يوصى من يلى القضاء بالرأى ويقول : لا ضير فى القضاء بالكتاب والسنة وقضايا الصالحين ، فإن لم تجد شيئا فاجتهد رأيك .
هذا إلى كثير من أقوال الصحابة وأعمالهم مما يدل دلالة قاطعة على أنهم مثلوا الوقائع بنظائرها ، وشبهوها بأمثالها ، وردوا بعضها إلى بعض فى أحكامها ، وأنه ما من واحد من أهل النظر والاجتهاد منهم إلا وقد قال بالرأى والقياس ، ومن لم يوجد منه حكم بذلك لم يوجد منه إنكار ، فكان إجماعا سكوتيا وهو حجة مغلبة على الظن ( ) .
* * *
3- اجتهاد التابعين وسلف الأمة :
الاجتهاد لا يقيده زمان ولا مكان ، بمعنى : أنه ليس مخصوصا بوقت دون وقت ولا بمكان دون مكان ، لأن مبناه على توافر شروطه فى الشخص ، وهذا أمر ممكن فى كل عصر ، فلا يجوز قصره على زمان دون زمان ، فإن فضل الله واسع غير محصور بالمتقدمين دون المتأخرين ، وقد نص أهل العلم على أنه لايجوز أن يخلو زمان من مجتهد قائم يبين للناس ما نزل ربهم إليهم وبلغه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم . وما أفتى به بعض العلماء من القول بسد باب الاجتهاد كان مبعثه الحرص على الشريعة من عبث الجهال أدعياء الاجتهاد ، وينصرف قولهم إلى هؤلاء دون غيرهم من أهل العلم وأرباب الاجتهاد .
وعلى هذا فالاجتهاد باق إلى يوم القيامة ، ومباح للجميع بشرط أن تكمل فى الشخص أدوات الاجتهاد وشروطه ، فلا يرقى إلى هذه المرتبة وهذا المنصب الشريف إلا أهله وهم أهل الاجتهاد حقا .
فليس الاجتهاد إذن حكرا على طائفة معينة أو سلالة معينة ، أو بلد معين ، أو عصر دون عصر ، وإنما هو مباح لجميع الخلق بشروطه ، لأن شرع الله شرع لجميع البشر وعليهم أن يتدبروه ويفهموا أحكامه ، قال الله تعالى : " أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها " ( ) .
ولأن الاجتهاد أعلى مراتب العلم ، والعلم مباح للجميع ، بل ندب إليه الشرع الشريف وأثنى على أصحابه ، وأمر بالإستزادة منه ( ) ، وعلم الناس أن يقولوا : " وقل رب زدنى علما " ( ) .
* * *
• فكرة خلو العصر عن المجتهدين :
البحث فى هذه الفكرة يرتبط بحكم الاجتهاد ، لأن القول بفرضية الاجتهاد يستلزم عدم خلو الزمان عن مجتهد ، والسيوطى فى كتابه " الرد على من أخلد إلى الأرض وجهل أن الاجتهاد فى كل عصر فرض " خصص الباب الأول فى بيان فرضية الاجتهاد وفى كل عصر ، والباب الثانى فى أنه لايجوز عقلا وشرعا إخلاء العصر من مجتهد ، إلا أن العلماء مختلفين فى هذا الرأى :
أ-قال جماعة كالحنابلة والإسفرايينى والزبيدى من الشافعية : لايجوز خلو زمان من مجتهد يبين للناس ما نزل إليهم ويبصرهم فى شرع ربهم ، ويستدلون على رأيهم أولا بقوله صلى الله عليه وسلم : " لاتزال طائفة من أمتى على الحق ظاهرين حتى تقوم الساعة " ( ) ، فلا يتحقق مضمون هذا الخبر إذا خلا الزمان من أناس يعرفون الحق ويبصرون به غيرهم .
وثانيا : لأن الاجتهاد فرض كفاية ، لأن الحوادث غير متناهية ، فلو خلا العصر من مجتهد اجتمع العلماء على الباطل والخطأ ، مع أن الأمة معصومة عنه .
ب-وقال أكثر العلماء منهم الرازى والغزالى والقفال وبقية المذاهب : يجوز خلو العصر من المجتهدين ، واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم : " إن الله لايقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤساء جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا " ( ) . فالنبى صلى الله عليه وسلم أخبر بمجيىء زمان على الناس يكون الكل جهالا لا مجتهد فيه ، فالقول بمنع خلو العصر عن المجتهد فيه تكذيب لهذا الخبر ، والكذب فى خبر الرسول محال .
والحقيقة : أن هذا الحديث لا دلالة فيه على جواز خلو العصر عن مجتهد ، لأنه إخبار عن آخر الزمان وشرط من أشراط الساعة ، إذ لو عدم الفقهاء لم تقم الفرائض كلها ، ولو عطلت الفرائض كلها لحلت النقمة بالمخلوقات كما جاء فى الخبر : " لاتقوم الساعة إلا على شرار الناس " ( ) .
والظاهر ألا حجة لهؤلاء إلا الغلو فى تحديد مرتبة الاجتهاد وقصره على الأئمة السابقين والتزام تقليدهم ، مع أن وسائل الاجتهاد متوفرة لمن بعدهم أكثر منهم ، وأن فضل الله فى إفاضة العلم والفهم لايقتصر على زمان دون زمان ، أو أن يكون مرادهم الخلو عن المجتهد المطلق المستقل بوضع أصول فقهية ، وهذا لا شك قد فرغ منه ، وليس لأحد زيادة عليه ، أما بقية أنواع المجتهدين فلا يخلو عنهم عصر ( ) .
* * *
5- فتح باب الاجتهاد وإغلاقه :
يقول ابن القيم فى كتابه " إغاثة اللهفان " :
الأحكام نوعان :
نوع : لا يتغير عن حالة واحدة هو عليها ، لا بحسب الأزمنة ولا الأمكنة ، ولا اجتهاد الأئمة ، كوجوب الواجبات ، وتحريم المحرمات ، والحدود المقدرة بالشرع على الجرائم ونحو ذلك ، فهذا لا يتطرق إليه تغيير ولا اجتهاد يخالف ما وضع عليه .
والنوع الثانى : ما يتغير بحسب اقتضاء المصلحة له زمانا ومكانا وحالا ، كمقادير التعزيرات وأجناسها وصفاتها فإن الشارع ينوع فيها حسب المصلحة - وقد ضرب ابن القيم لذلك عدة أمثلة من سنة النبى صلى الله عليه وسلم وسنة خلفائه الراشدين المهديين من بعده - ثم قال :
وهذا باب واسع ، اشتبه فيه على كثير من الناس الأحكام الثابتة اللازمة التى لاتتغير بالتغيرات التابعة للمصالح وجودا وعدما ( ) .
فهذه هى شريعة الإسلام ، لو شاء الله لجعل أحكامها كلها منصوصا عليها نصا قطعى الثبوت قطعى الدلالة ، وبذلك لايكون هناك مجال للاجتهاد أو الإستنباط ، ولا اختلاف المشارب وتعدد المدارس ، وتطور الآراء وتغير الفتوى بتغيير الزمان والمكان والحال ، وإنما هو حكم واحد ثابت مؤبد .
ولو شاء أيضا لجعل النصوص الشرعية كلها ظنية الثبوت أو ظنية الدلالة أو ظنيتهما معا ، وبذلك لا يوجد حكم واحد ثابت مقطوع به ، فضلا عن الأمور التى لا نص فيها أصلا ، وفى هذا من البلبلة ما فيه ، وهو مناف لحكمة إرسال الرسل الذين أرسلهم الله بالبينات ، وأنزل معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ، وليحكموا بين الناس فيما اختلفوا فيه ويهدوهم إلى صراط مستقيم .
ولكن شاء الله أن يكون من مصادر هذا الدين وأدلته ، القطعى اليقينى الذى لا يقبل النقاش ولا التغيير ، ولايحتمل أكثر من وجه ، ولا يسع مسلما أن يهمله أو يعرض عنه ، وإلا كان ذلك طعنا فى إيمانه بكتاب ربه وسنة نبيه : " وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم " ( ) ، " إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا " ( ) .
كما شاء سبحانه أن يكون بجوارها المصادر الاجتهادية ، والأدلة الظنية ليتسع المجال للنظر والترجيح ، وتتعدد مآخذ الاجتهاد وطرائق الإستنباط ومدارس الفكر ، وفى ذلك كله نجد متسعا أى متسع للتطور المحمود ، بفضل هذه المرونة العجيبة التى تضمنتها مصادر الشريعة ( ) .
أخرج أبو نعيم فى الحلية عن على بن أبى طالب رضى الله عنه قال : لن تخلو الأرض من قائم لله بحجة ، لكيلا تبطل حجج الله وبيناته ، أولئك هم الأقلون عددا الأعظمون عند الله قدرا . وقد تتابع العلماء على القول بمثل هذه الكلمة المشهورة عن على رضى الله عنه حتى قال السيوطى : كأنها إجماع مع ما تقدم من كونها حديثا أو أثرا .
وقال الزركشى حيث فند حجج القائلين بخلو العصر من المجتهد : وقول هؤلاء القائلين بخلو العصر من المجتهد مما يقضى منه العجب ، فإنهم إن قالوا ذلك باعتبار المعاصرين لهم فقد عاصر القفال والغزالى والرازى والرافعى من الأئمة بعلوم الاجتهاد على الوفاء والكمال جماعة منهم ، ومن كان له إلمام بعلم التاريخ والإطلاع على أحوال علماء الإسلام فى كل عصر ، لا يخفى عليه مثل هذا ، بل قد جاء بعدهم من أهل العلم من جمع الله له من العلوم فوق ما اعتده – أى عده – أهل العلم فى الاجتهاد .
وإن قالوا ذلك لا بهذا الإعتبار ، بل باعتبار أن الله عز وجل رفع ما تفضل به على من قبل هؤلاء من هذه الأمة ، من كمال الفهم وقوة الإدراك والإستعداد للمعارف ، فهذه دعوى من أبطل الباطلات بل هى جهالة من الجهالات .
وإن قالوا ذلك باعتبار تيسير العلم لمن قبل هؤلاء المنكرين وصعوبته عليهم وعلى أهل عصورهم فهذه أيضا دعوى باطلة ، فإنه لايخفى على من له أدنى فهم أن الاجتهاد قد يسره الله تعالى للمتأخرين تيسيرا لم يكن للسابقين ، لأن التفاسير للكتاب العزيز قد دونت وصارت فى الكثرة إلى حد لا يمكن حصره ، والسنة المطهرة قد دونت وتكلم الأئمة على التفسير والتجريح والتصحيح والترجيح ، بما هو زيادة على ما يحتاج إليه المجتهد ، وقد كان السلف الصالح ومن قبل هؤلاء المنكرين يرحل للحديث الواحد من قطر إلى قطر ، فالاجتهاد على المتأخرين أيسر وأسهل من الاجتهاد على المتقدمين ، ولايخالف فى هذا من له فهم صحيح وعقل سوى ( ) .
والعبارة السابقة على طولها فيها أعمق تحليل وأبسط بيان وأروع حجة تقوم على أولئك الذين زعموا انسداد باب الاجتهاد .
* * *
• المجتهد فيه :
يقول الغزالى : " والمجتهد فيه كل حكم شرعى ليس فيه دليل قطعى " ( ) ، ويقول الآمدى : " وأما ما فيه الاجتهاد فما كان من الأحكام الشرعية دليله ظنى " ( ) .
من خلال هذين التعريفين وغيرهما للمجتهد فيه يتضح لنا أن المجتهد فيه هو كل حكم شرعى فرعى دليله ظنى ، حيث أنه لا اجتهاد فى القطعيات بالاتفاق بين الأصوليين ( ) .
ويمكن حصر الأدلة التى لا تقبل الاجتهاد فى :
1- النصوص القطعية الثبوت والدلالة ، سواء أكانت من القرآن الكريم ، أم من السنة المتواترة ، وسواء أكانت الأحكام الدالة عليها معلومة من الدين بالضرورة ، كوجوب الصلاة ، أم كانت مما يخفى على بعض الناس ، كأنصبة المواريث ، والعقوبات المقدرة ، فإنه لا مجال للرأى فيها ، كعقوبة الزنا لغير المحصن الواردة فى قوله تعالى : " الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة..." ( ) . فهذا نص قطعى الثبوت قطعى الدلالة ، فلا يتأتى الاجتهاد فى عدد الجلدات .
2- الإجماع الصريح المنقول إلينا بطريق التواتر ، فإنه لايجوز فيه الاجتهاد ( ) .
الباب الرابع
نقض الاجتهاد .
• معنى النقض لغة واصطلاحا :
1- النقض لغة : الحل والإبطال ( ) .
2- والنقض اصطلاحا : هو وجود الوصف المدعى كونه علة مع تخلف الحكم عنه في ذلك المحل ( ) .
• تعدد قول المجتهد :
قرر العلماء أنه لايجوز أن يكون لمجتهد فى مسألة قولان متناقضان فى وقت واحد بالنسبة إلى شخص واحد لأنه يؤدى إلى التناقض ، ولأنه لو افترض أن دليلى القولين متعادلان فى القوة من كل وجه ، ولم يمكن الجمع بينهما ولا الترجيح ، فيجب على المجتهد حينئذ التوقف عن الفتوى لتعارض الأدلة وتعادلها فى نظره ، فإن أمكنه الجمع بين مقتضى الدليلين وجب عليه الجمع بينهما ، وإن ترجح أحدهما على الآخر تعين عليه الأخذ به بأن يقول مثلا : " وهذا القول أولى " ، أو يفرع عنه دون الآخر ( ) .
وقد يوجد للمجتهد قولان فى المسألة الواحدة وذلك يدل على أنه وجد فيها دليلان متعارضان ولايوجد غيرهما ولا مجال للترجيح بينهما ، كأن يوجد نصان أو أصلان مختلفان ، والمسألة مشابهة لكل واحد من الأصلين على السوية ، فإذا قال قائل بكل واحدة منهما لم يخطىء ويكون قول المجتهد حينئذ معناه احتمالان .
وليس هناك خلاف بين العلماء في أن الاجتهاد لا ينقض باجتهاد مثله إلا إذا خالف دليلا قطعيا من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس جلي ، كما أنهم اتفقوا على نقض حكم الحاكم إذا تبين خطؤه بكونه خالف نصا أو شيئا مما سبق .
هذا بالنسبة لتعدد قول المجتهد فى وقت واحد ، أما إذا كان له قولان فى وقتين فالأمر سهل : فإن كان تاريخ القولين معلوما ، فالقول الثانى ناسخ للأول ، وهو الذى يجب إسناده للمجتهد دون الأول لكونه مرجوعا عنه لجواز تغير الاجتهاد وظهور ما هو أولى بالأخذ به .
وإن لم يكن تاريخ القولين معلوما ، فينبغى نسبة أحد القولين إلى المجتهد واعتبار القول الثانى مرجوعا عنه ، ولكنه فى هذه الحال لا يصح العمل بأحد القولين قبل تبين الأمر ، لاحتمال أن يكون ما عمل به هو المرجوع عنه ( ) .
* * *
• تغير الاجتهاد :
إذا أفتى المجتهد مرة بما أدى إليه اجتهاده ثم سئل ثانيا عن تلك الحادثة فإما أن يكون ذاكرا لطريق الاجتهاد الأول أو لا يكون ذاكرا ، فإن كان ذاكرا جاز له الفتوى به وإن نسيه لزمه أن يستأنف الاجتهاد ، فإن أداه اجتهاده إلى خلاف فتواه فى الأول أفتى بما أدى إليه اجتهاده ثانيا ، وإن أداه اجتهاده إلى موافقة ما قد أفتى به أولا أفتى به ، وإن لم يستأنف الاجتهاد لم يجز له الفتوى ( ) .
ومن هنا يجوز للمجتهد أن يتغير اجتهاده ، فيرجع عن قول قاله سابقا لأن مناط الاجتهاد هو الدليل ، فمتى ظفر المجتهد به وجب عليه الأخذ بموجبه لظهور ما هو أولى بالأخذ به مما كان قد أخذ به ، ولأنه أقرب إلى الحق والصواب .
جاء فى كتاب عمر رضى الله عنه لأبى موسى الأشعرى رضى الله عنه قاضيه على الكوفة : " ولايمنعنك قضاء قضيته اليوم ، فراجعت فيه نفسك وهديت فيه لرشدك أن ترجع إلى الحق ، فإن الحق قديم ، ومراجعة الحق خير من التمادى فى الباطل " .
* * *
• نقض الاجتهاد :
إذا أفتى مجتهد فى حادثة ما ، أو حكم حاكم فى نزاع بين متخاصمين ، ثم تغير اجتهاد كل منهما ، فرأى المجتهد أو الحاكم حكما بخلاف ما رآه أولا ، فما الذى يجب العمل به من الاجتهادين : السابق أم اللاحق ؟؟ وهل ينقض الاجتهاد السابق ؟؟
فرق العلماء بين المجتهد والحاكم ، فالمجتهد لنفسه إذا رأى حكما معينا ثم تغير ظنه ، لزمه أن ينقض اجتهاده وما ترتب عليه ، مثاله :
أن المجتهد لو رأى أن الولى ليس شرطا فى صحة عقد الزواج بالنسبة للمرأة الرشيدة ، فتزوج امرأة من غير ولى ، ثم رأى بعدئذ أن الولى شرط فى صحة الزواج ، لزمه مفارقة تلك المرأة ، ولايحل له البقاء على الزواج بها ، هذا ما لم يكن الحاكم قد حكم بصحة النكاح فى الحالتين ، لأن حكم الحاكم لا ينقض ، ولأن حكمه فى مسائل الاجتهاد يرفع الخلاف ، ويرجع المخالف عن مذهبه لمذهب الحاكم .
وإذا كان المجتهد حاكما ، فقضى فى واقعة بما اجتهد ، ثم تغير اجتهاده فى واقعة مماثلة ، فإن كان حكمه مخالفا لدليل قاطع من نص أو إجماع أو قياس جلى – وهو ما كانت العلة فيه منصوصة ، أو كان قد قطع بنفى تأثير الفارق بين الأصل والفرع – فينقض بالإتفاق بين العلماء ، سواء من قبل الحاكم أو من أى مجتهد آخر لمخالفته الدليل .
أما إذا كان حكمه فى مجال الاجتهاديات أو الأدلة الظنية ، فإنه لاينقض الحكم السابق ، لأن نقضه يؤدى إلى اضطراب الأحكام الشرعية وعدم استقرارها وعدم الوثوق بحكم الحاكم ، وهو مخالف للمصلحة التى نصب الحاكم لها ، وهو الفصل فى المنازعات .
فلو أجيز نقض حكم الحاكم ، لما استقرت للأحكام قاعدة ، ولبقيت الخصومات على حالها بعد الحكم ، مما يستتبع دوام التشاجر والتنازع وانتشار الفساد ودوام العناد ، وهو مناف للحكمة التى لأجلها نصب الحكام ( ) .
ومما يؤيد القول بعدم نقض حكم الحاكم ، ما روى عن عمر رضى الله عنه أنه قضى فى المسألة الحجرية بحرمان الإخوة الأشقاء من الميراث لأن الفروض قد استوعبت جميع التركة ، كما إذا مات شخص وترك زوجا وأما وإخوة لأم وإخوة أشقاء ، ثم قضى بالمقاسمة فى الثلث بين الإخوة لأم والإخوة الأشقاء ، فلما سئل عن سبب التفرقة بين الحكمين ، قال : تلك على ماقضينا ، وهذا على ما نقضى " فهو لم ينقض اجتهاده السابق ، وإنما أقره فى وقته ( ) .
* * *
• تغير الفتوى بتغير الأزمان :
قال الشاطبى مشيرا إلى احتمال تغير وجه المصلحة فى الشؤون الدينية بتغير الظروف المحيطة بالمجتمع : " إنا وجدنا الشارع قاصدا لمصالح العباد ، والأحكام العادية تدور معه حيث دار ، فترى الشىء الواحد يمنع فى حال لا تكون فيه مصلحة ، فإذا كان فيه مصلحة جاز " ( ) .
فالأحكام قد تتغير بسبب تغير العرف أو تغير مصالح الناس ، أو لمراعاة الضرورة ، أو لفساد الأخلاق وضعف الوازع الدينى ، أو لتطور الزمن وتنظيماته المستحدثة ، فيجب تغير الحكم الشرعى لتحقيق المصلحة ودفع المفسدة وإحقاق الحق والخير ، وهذا يجعل مبدأ تغير الأحكام أقرب إلى نظرية المصالح المرسلة منها إلى نظرية العرف .
وذلك كائن بالنسبة للأحكام الاجتهادية – القياسية أو المصلحية – المتعلقة بالمعاملات أو الأحوال المدنية من كل ما له صلة بشئوون الدنيا وحاجات التجارة والاقتصاد ، وتغير الأحكام فيها فى حدود المبدأ الشرعى وهو إحقاق الحق وجلب المصالح ودرء المفاسد ، أما الأحكام التعبدية والمقدرات الشرعية وأصول الشريعة الدائمة ، فلا تقبل التبديل مطلقا ، مهما تبدل المكان وتغير الزمان ، كحرمة المحارم ، ووجوب التراضى فى العقود ، وضمان الضرر الذى يلحقه الإنسان بغيره ، وسريان إقراره على نفسه وعدم مؤاخذة برىء بذنب غيره ( ) .
يقول الإمام ابن القيم فى فصل تغير الفتوى واختلافها : " هذا فصل عظيم النفع جدا ، وقد وقع بسبب الجهل به غلط عظيم على الشريعة ، أوجب من الحرج والمشقة وتكليف ما لا سبيل إليه ، ما يعلم أن الشريعة الباهرة التى فى أعلى رتب المصالح لا تأتى به ، فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد فى المعاش والمعاد ، وهى عدل كلها ، ورحمة كلها ، ومصالح كلها ، فكل مسألة خرجت من العدل إلى الجور ، وعن الرحمة إلى ضدها ، وعن المصلحة إلى المفسدة ، وعن الحكمة إلى العبث ، فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل " ( ) .
وكذلك كتب الإمام القرافى المالكى فى كتابه " الفروق" مبينا أن استمرار الأحكام التى مدركها العرف والعادة – مع تغير تلك العوائد – خلاف الإجماع وجهالة فى الدين ( ) .
وفى القرن الثالث عشر الهجرى كتب ابن عابدين من متأخرى الحنفية رسالته المشهورة " نشر العرف فى بناء الأحكام على العرف " مستخلصا أحكامها مما قرره علماء المذهب أنفسهم وأفتوا به فى مختلف الأعصار .
وقد ذكر فى رسالته النافعة : أن كثيرا من الأحكام تختلف باختلاف الزمان لتغير عرف أهله ، أو لحدوث ضرورة ، أو لفساد أهل الزمان ، بحيث لو بقى الحكم على ما كان عليه أولا للزم منه المشقة والضرر بالناس ، ولخالف قواعد الشريعة المبنية على التخفيف والتيسير ودفع الضرر والفساد .
ولهذا نرى مشايخ المذهب خالفوا ما نص عليه المجتهد " إمام المذهب " فى مواضع كثيرة بناها على ما كان في زمانه ، لعلمهم بأنه لو كان فى زمنهم لقال بما قالوا به أخذا من قواعد مذهبه .
ومن الأمثلة : ما ذكره شمس الأئمة – السرخسى – أن أبا حنيفة كان يجوز القضاء بشهادة مستور الحال فى عهد تابعى التابعين ، اكتفاءا بالعدالة الظاهرة ، أما بعد هذا العصر فقد منع الصاحبان – أبو يوسف ومحمد – القضاء بشهادته ، لانتشار الكذب بين الناس ( ) .
ويقول فقهاء الحنفية فى مثل هذا الخلاف بين الإمام وصاحبيه : " اختلاف عصر وزمان ، لا اختلاف حجة وبرهان " ( ) .
ورووا عن العلامة الفقيه " أبى محمد بن أبى زيد القيروانى " صاحب الرسالة المشهورة فى فقه المالكية وشيخ المذهب فى وقته أنه اتخذ كلبا للحراسة فى داره فأنكر عليه بعضهم قائلا : كيف تتخذه وقد كرهه مالك ؟ فكان جوابه : لو كان مالك فى زماننا لاتخذ أسدا ضاريا ( ) .
* * *
ومن الأمثلة الأخرى على تغير الأحكام بتغير الأزمان :
1-الإفتاء بجواز أخذ الأجرة أو الراتب على تعليم القرآن والقيام بالشعائر الدينية كالإمامة والخطابة يوم الجمعة ونحوها ، نظرا لتغير العرف بسبب انقطاع المكافآت والعطايا عن أولئك المشتغلين بهذه الوظائف .
2-الحكم بتضمين الصناع لأموال الناس التى تهلك فى أيديهم محافظة على الأموال من الضياع وتحقيقا لمصلحة المجتمع ، ومثله القول بجواز تسعير السلع دفعا للضرر العام لقوله صلى الله عليه وسلم : " لا ضرر ولا ضرار " ( ) .
3- الحكم بطهارة سؤر سباع الطير كالصقر والنسر مراعاة للضرورة ، إذ لا يمكن الاحتراز منها بالنسبة لسكان الصحارى والأعراب .
4-إفتاء الصاحبين بضرورة تزكية الشهود نظرا لتغير حال الناس وفشو الكذب وضعف الذمة والضمير ، مع أن أبا حنيفة كان يرى الإكتفاء بالعدالة الظاهرة فيما عدا الحدود والقصاص ، ومثله إفتاء فقهاء الحنفية المتأخرين بعدم جواز قضاء القاضى بعلمه الخاص فى الحوادث .
5-الإفتاء بصحة بيع العقار إذا ذكر رقم المحضر فى السجلات العقارية ، مع أنه وفقا لقواعد الفقهاء القدامى كان لابد من ذكر الحدود ، نظرا لأن التنظيمات الحديثة سهلت على الناس وأغنتهم عن ذكر الحدود ، ومثله اعتبار تسليم العقار حاصلا بمجرد تسجيل العقار فى السجل العقارى مع أنه كان لابد من التسليم الفعلى لإتمام البيع ( ) .
* * *
خلاصة البحث :
• الاجتهاد فى الشريعة دليل على روعتها وخلودها وشمولها وسعتها لمتطلبات البشرية فى أى عصر ومكان وبيئة وطبقة .
• باب الاجتهاد مفتوح بشروطه حيث أن المستجدات لاتتناهى مع استمرار الحياة .
• الاجتهاد فيه احترام لعقل الإنسان وتحريره من الجمود والإنغلاق وهو سبب لإظهار روعة الفقه والفقهاء .
أهم المراجع
1- تفسير القرآن العظيم ابن كثير
2- فتح البارى شرح صحيح البخارى ابن حجر العسقلانى
3- صحيح مسلم بشرح النووى النووى
4- الرسالة الشافعى
5- المستصفى . أبو حامد الغزالي
6- الأشباه والنظائر . السيوطي
7- الأشباه والنظائر . ابن نجيم
8- الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام . القرافي
9- الفروق . القرافي
10- الإبهاج في شرح المنهاج . تقي الدين السبكي
11- التلويح في كشف حقائق التنقيح . سعد الدين التفتازاني
12- التوضيح على التنقيح . صدر الشريعة
13- المحصول . الرازي
14- الذخيرة . القرافي
15- الإفصاح عن معاني الصحاح . ابن هبيرة
16- إعلام الموقعين ابن القيم
17- إغاثة اللهفان ابن القيم
18- الموافقات . الشاطبى
19- الاعتصام . الشاطبي
20- الإحكام فى أصول الأحكام . الآمدى
21- الإحكام فى أصول الأحكام . ابن حزم
22- روضة الناظر وجنة المناظر . موفق الدين ابن قدامة
23- شرح العضد على مختصر ابن الحاجب . عضد الدين الإيجي
24- قواعد الأحكام في إصلاح الأنام . عز الدين بن عبد السلام
25- كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام . البزدوي
26- اللمع في أصول الفقه . الشيرازي
27- المبسوط . السرخسي
28- الأم . الشافعي
29- مغني المحتاج . الشربيني
30- حاشية ابن عابدين . ابن عابدين
31- المحلى بالآثار . ابن حزم
32-منتهى السول . ابن الحاجب
33- مختصر ابن الحاجب . ابن الحاجب
34- نهاية السول في شرح منهاج الأصول . الإسنوي
35- الهداية شرح بداية المبتدي . الميرغني
36- إرشاد الفحول . الشوكانى
37- الملل والنحل . الشهرستاني
38- مقاصد الشريعة وعلاقتها بالأدلة الشرعية . د. اليوبي
39- شرح القواعد الفقهية . الزرقا
40-أصول الفقه . الخضرى
41-أصول الفقه د.وهبة الزحيلى
42- أصول الفقه . محمد أبو زهرة
43- الوجيز فى أصول الفقه . د.عبد الكريم زيدان
44- المدخل الفقهى العام . الزرقا
45- أثر الإختلاف فى القواعد الأصولية . د.مصطفى الخن
46- الخصائص العامة للإسلام . د.يوسف القرضاوى
47- الصحاح . الجوهرى
48- معانى مفردات القرآن . الأصفهانى
49- مهمات التعاريف . المناوى
50- التعريفات . الجرجانى
51- لسان العرب ابن منظور
52- مختار الصحاح . الرازي
53- تاج العروس . الزبيدي
الفهرس
الموضوع الصفحة
الاجتهاد وشروط المجتهد...................................... 1
الباب الأول : تعريف الاجتهاد وبيان مشروعيته ......... 3
• تعريف الاجتهاد ......................................... 3
• من هو المجتهد ؟ ...................................... 6
• مشروعية الاجتهاد ...................................... 6
• أقسام الاجتهاد .......................................... 8
الباب الثانى : شروط الاجتهاد والمجتهد ...................10
1-معرفة آيات الأحكام من القرآن الكريم .......................11
2-معرفة أحاديث الأحكام من السنة ............................12
3-معرفة الناسخ والمنسوخ من القرآن والسنة .................13
4-معرفة مسائل الإجماع .......................................14
5-معرفة وجوه القياس ........................................14
6-معرفة علوم اللغة العربية ....................................15
7-معرفة أصول الفقه ..........................................17
8-أن يدرك مقاصد الشريعة ....................................18
9-الإستعداد الفطرى للاجتهاد ..................................21
الباب الثالث : حكم الاجتهاد .................................23
1-اجتهاد النبى صلى الله عليه وسلم ...........................24
2-اجتهاد الصحابة فى عصر النبى صلى الله عليه وسلم.........28
3-اجتهاد الصحابة بعد عصر النبى صلى الله عليه وسلم ........31
4-اجتهاد التابعين وسلف الأمة ................................33
• فكرة خلو العصر عن المجتهدين ........................34
5-فتح باب الاجتهاد وإغلاقه ..................................36
• المجتهد فيه ............................................40
الباب الرابع : نقض الاجتهاد ..................................41
• معنى النقض لغة واصطلاحا ............................41
• تعدد قول المجتهد ......................................41
• تغير الاجتهاد ...........................................42
• نقض الاجتهاد ..........................................43
• تغير الفتوى بتغير الأزمان ..............................45
• أهم المراجع.............................................50
• الفهرس ................................................53
" سلسلة بحوث فقهية ( 3 )"
" للشيخ الدكتور خالد عبد العليم متولي "
بحث فى :
الاجتهاد وشروط المجتهد
الباب الأول : تعريف الاجتهاد وبيان مشروعيته وأقسامه .
الباب الثانى : شروط الاجتهاد والمجتهد .
1- معرفة آيات الأحكام من القرآن الكريم .
2- معرفة آيات الأحكام من السنة النبوية .
3- معرفة الناسخ والمنسوخ من القرآن والسنة .
4- معرفة مسائل الإجماع .
5- معرفة وجوه القياس .
6- معرفة علوم اللغة العربية .
7- معرفة أصول الفقه .
8- أن يدرك مقاصد الشريعة .
9- الإستعداد الفطرى للاجتهاد .
الباب الثالث : حكم الاجتهاد .
1- اجتهاد النبى صلى الله عليه وسلم .
2- اجتهاد الصحابة فى عصر النبى صلى الله عليه وسلم .
3- اجتهاد الصحابة بعد عصر النبى صلى الله عليه وسلم .
4- اجتهاد التابعين وتابعيهم من سلف الأمة .
5-فتح باب الاجتهاد وإغلاقه .
الباب الرابع : نقض الاجتهاد .
1-تعدد قول المجتهد .
2-تغير الاجتهاد .
3-نقض الاجتهاد .
4-تغير الأحكام بتغير الأزمان .