الفقه والمسائل المستحدثة من القضايا التي لا يكف العلماء عن دراستها، ومن هذه القضايا التي تتصل بمسائل الفقه والمسائل المستحدثة قضية التلقيح الصناعي هو أحد القضايا الفكرية المستحدثة، والفقه يهتم بمثل هذه القضايا نظرا لأن التكاثر البشري هو الأساس لاستمرارية النوع البشري وقد يكون هناك عوائق تقف في طريق الزوجين فتكون مانع من التكاثر البشري بصورة طبيعية مما يؤدي إلى انقطاع نسل هذه العائلة فهل يمكن الاستفادة من التقنية الحديثة في التكاثر البشري ضمن حدود الشريعة الإسلامية كي يستمر النسل؟
نقول بفضل الله سبحانه وتعالى توصل البشر عن طريق العلم الذي دعا إليه الله سبحانه (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ) ( ) كما دعا إليه الرسول صلى الله عليه واله وسلم والأئمة الأطهار من بعده صلوات الله عليهم أجمعين فقد قال أبو عبد الله عليه السلام إن الرسول صلى الله عليه واله وسلم قال(طلب العلم فريضة على كل مسلم ألا إن الله يحب بغاة العلم) إلى طرق يمكن إن يتم التكاثر البشري بواسطتها فيمكن للبشرية ان تستخدمها دون إن ينتج عنها مساوئ وآثار سلبية ودون ان تخالف الأحكام الشرعية ويمكن إن نحصل على نتائج ايجابية فتتضح من هنا أهمية هذا الموضوع الحيوي الذي يحتاجه البشر بالإضافة إلى انه من المواضيع المعاصرة التي تواكب التطور فهو دليل على ان الإسلام مواكب لتطور العلمي والتقني ولا يصطدم بالعقل ولا بالحضارة والتقدم.
تطور علم الفقه والمسائل المستحدثة:
المسألة المستحدثة: هي كل موضوع جديد يتطلب حكماً شرعياً سواء لم يكن في السابق أو كان لكن تغيرت بعض قيوده( ). وتعرف أيضا بأنها هي الواقعة الجديدة التي لم يسبق إن بحثها الفقهاء القدامى ولم تدون في مصنفاتهم.وقد تناولها الفقهاء المحدثون إما فتوى مجردة أو فتوى مع الدليل ومن الأمثلة على المسائل المستحدثة:الفقه السياسي - فقه المجتمع- فقه العمل والوظيفة- فقه الجامعات- فقه الطب ويشمل ـ الاستنساخ البشري-التلقيح الصناعي-أطفال الأنابيب ـ الترقيع - نقل الأعضاء البشرية.
ومن الواضح هناك اختلاف كبير بين بحث المسائل المستحدثة وبحث المسائل الكلاسيكية حيث أن القسم الثاني قد تناولته أقلام الفقهاء فأثروه تحقيقاً وتحليلاً لكن البحث في المسائل المستحدثة لا يزال يفتقر إلى المزيد من التمحيص والتدقيق خاصة مع تطور العلوم يوماً بعد يوم فلابد من إعطاء الأولوية للبحوث المستحدثة لان الدراسات العليا في الحوزة العلمية (بحوث الخارج)تسير على الطريق المألوف قديماً في معالجتها للمسائل الفقهية طبقاً للمتون المدونة كالعروة الوثقى وشرائع الإسلام واللمعة الدمشقية وتترك البحث في لمسائل المستحدثة للدروس غير الرسمية في أيام التعطيل( ).وتسمى المسائل المستحدثة عند جمهور المسلمين بـ (فقه النوازل).
مميزات الفتوى المستحدثة:
1- يجب الرجوع في المسائل المستحدثة إلى المجتهد الأعلم من الإحياء( ).
2- اعتد بعض الفضلاء في الحوزة العلمية في النجف الاشرف بأهمية المسائل المستحدثة باعتبارها الأمارة والكاشفة عن مرتبة الاجتهاد لقدرة الفقيه على استنباط الحكم الشرعي في المسائل المستحدثة وان البحث في غيرها تقليد من الدرجة الراقية( ).
3- الوسطية في الفتوى المستحدثة فلا غلو ولا تفريط إذ يلحظ فيها الحفاظ على المقاصد الكبرى في الشريعة الإسلامية وقطعياتها بعيداً عن الحرج تطبيقاً لقولة تعالى(لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)( ).
وقولة تعالى (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)( ).
4- طبيعة الأدلة المعتمدة في المسائل المستحدثة عند بعض الفقهاء لا يكاد يختلف عنها في استنباط أية مسألة في جميع أبواب الفقه فانه يسعى لاستنطاق الأدلة الاجتهادية أو الفقاهية لتحديد الموقف الشرعي.
5- صياغة الفتاوى المستحدثة بلغة العصر إذ يستعين الفقيه بالرجوع إلى الخبراء والاختصاصين في حدود اختصاصهم لتشخيص الموضوعات الخارجية وتحديدها من الناحية الموضوعية.
6-التقوى في الفتوى المستحدثة وذلك بالجمع بين الحجة الشرعية والبرهان الجلي والدليل الصحيح بعيداً عن التأثيرات الشخصية المحيطة والسياسية.
7- التخصص الدقيق بعيداً عن النزعات الفكرية أو التشددات الشخصية أو التساهلات الفقهية وهنالك فرق بين التساهل الفقهي والترخيص الفقهي فالتساهل الفقهي قد يؤدي إلى فك عرى الدين مثل جعل الحجاب للمرأة غير واجب عليها بينما الترخيص الفقهي هو تدين مثل وجوب إفطار المريض والمرضعة التي يضر في لبنها( ) (أن الله يحب إن يؤخذ برخصه كما يجب أن يؤخذ بعزائمه)( ).
مستويات المسائل المستحدثة عند فقهاء مدرسة النجف الاشرف:
بحث فقهاء مدرسة النجف المسائل المستحدثة على ثلاثة مستويات:
المستوى الأول: كتابة الفتاوى للمسائل المستحدثة في كتبهم من دون ذكر الدليل كالمسائل المستحدثة لسيد أبو القاسم الخوئي والمستحدثات من المسائل الشرعية للسيد السيستاني وغيرها.
المستوى الثاني: بحث المسائل المستحدثة بذكر أدلتها ومناقشة آراء الفقهاء فيها فيتناول أغلبية المسائل المستحدثة في مصنف مثل:
1- (بحوث فقهية) للشيخ حسين الحلي ,تقريرات السيد عز الدين بحر العلوم فقد تناول المواضيع التالية: (التأمين, اليانصيب, الأوراق النقدية, أعمال البنوك, المصارف, الشوارع المفتوحة من قبل الدولة...)
2- كتاب(بشرى الفقاهة) للشيخ محمد أمين المامقاني وقد تناول فيه (المعاملات المصرفية, عقد التأمين, السرقفليه, أوراق اليانصيب, تنظيم النسل, التلقيح الاصطناعي, منع الحمل...)
3- (بحوث في الفقه المعاصر) للشيخ حسن الجواهري تناول فيه (خصم الأوراق التجارية, بطاقة الائتمان, تغيير قيمة العملة, الاستنساخ, الهندسة الوراثية, التذكية بالمكائن الحديثة, مرض الايدز, العلاج التجميلي بالترقيع...)
المستوى الثالث: يتناول الفقيه مسألة واحدة من المسائل المستحدثة بصورة مفصلة مستعرضاً آراء الفقهاء فيها مع أدلتهم ومناقشاً لها مع بيان حكم جميع فروض وصور تلك الواقعة الجديدة مثل (كتاب البنك اللاربوي في الإسلام) لسيد محمد باقر الصدر وكتاب (من فقه الكومبيوتر والانترنيت) لسيد محمد سعيد الحكيم تناول فيه استنساخ وتوزيع البرامج والضابط الشرعي في الاتصال بالانترنيت وغيرها من المسائل المتعلقة بشبكة الانترنيت.
وكتاب (فقه المغتربين) لكل من السيد علي السيستاني والسيد محمد سعيد الحكيم تناول فيه المسائل التي تواجه الإنسان المسلم في الغرب في بلاد غير الإسلام وكتاب (الاستنساخ البشري) لسيد علي السبزواري و(المعاملات المصرفية للفقه الإسلامي)( ).
التأصيل الفقهي للتكاثر عبر التقنية الحديثة:
قبل البدء لابد من التأصيل لهذا الموضوع فقهياً من خلال بيان بعض النقاط العامة التي ينبغي إن يضعها الباحث نصب عينيه في مثل هذه المواضيع وهي كالأتي:
أولا ً: أن كل تقدم وكل حقيقة تكتشف تبقى في إطار العظمة الإلهية واستخدامها يعني استخداماً للقوانين الإلهية لا خرقاً لها ولا تغييراً لخلق الله وما جاء في الشريعة من نهي عنه يركز على منع أي تلاعب في الطاقات الفطرية أو منع أي تحايل على الخلقة لتحقيق شعوذة أو سحر كاذب وإغراء الآخرين أو إهدار لثروة طبيعية وهبها الله للإنسان.فالله سبحانه وتعالى يمنع هذا التلاعب والتحايل وهو عز وجل من يحث على طلب العلم لقولة (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ)( ) وقال أبو عبد الله عليه السلام: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم:(طلب العلم فريضة على كل مسلم إلا وان الله يحب بغاة العلم)( )
ثانيا ً:أن الحال يختلف كثيرا في مورد الإنسان عنه في مورد غيره لما يمتاز به الإنسان من ميزات تجعله محور المخلوقات وسخر له ما في السموات والأرض قال تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) وفي ما عدا الإنسان تلاحَظ اعتبارات المصلحة الإنسانية والطبيعية التي يعيش فيها وحاجاته الحياتية ,ومن هنا فان التركيز في بحثنا ينصب على التكاثر الإنساني بالسبل التكنولوجية دون التعرض إلى الحالات الأخرى.
ثالثا ً: إن الشريعة تقرر أصالة الإباحة وهي قاعدة تبقي كل تصرف أنساني مباحاً حتى تثبت حرمته والمنع عنه فلا يمكن تحريم شيء بلا دليل تماماً كما لا يمكن تجويز شيء قام على حرمته الدليل.
رابعاً: إن الأبحاث العلمية لا يمكن منعها والوقوف بوجهها خصوصا إذا كانت بهذا المستوى من التأثير الواسع وخصوصا إذا كانت تطل على عالم مجهول لتفتح مغاليقه ومجاهله فيجب التأمل كثيرا قبل إصدار الأحكام المطلقة ويجب إن نضع في الحسبان تلك الحالات التي سنواجهها شئنا أم أبينا.
خامساً:إن كل حدث جديد وخصوصاً إذا كان يتصل بمسألة حياتية كهذه مما يغير مجرى الحياة البشرية لابد ان يثير أجواء عاطفية ويغرق الأفكار في افتراضات وتخمينات بعضها رائع وبعضها مرعب ولكل منهما يتكون له أنصار ومؤيدين وفي هذه الأجواء ربما لا يستطيع الباحث إن يدرس الموضوع بتجرد وإنما يجنح مع هذا الفريق أو ذاك دون ان يشعر ولذا فمن البعيد التوصل إلى رأي اجتماعي أو علمي أو فقهي موضوعي في هذه المرحلة.
سادساً: قد نجد بعض الافتراضات نتاجاً للخيال القصصي المجنح مما يؤثر سلبياً على سلامة الدراسة كما إن بعض الافتراضات تصدر من أنماط الاستغلال السيئ الأمر الذي يدفع الفقهاء والمتشرعة للتحريم المطلق سدا للذرائع.
سابعاً:إن المنهج الصحيح هو دراسة نفس الحالة أولا ومدى انطباق العناوين المحللة أو المحرمة عليها ثم محاولة معرفة النتائج المتوقعة والعوارض الناتجة لمعرفتها من خلال أحكامها المعروفة وقد تتشابك النتائج الحسنة والسيئة منهما مما يدعو إلى التأمل وملاحظة الأغلبية الساحقة في البيٌن.
ثامناً:يجب إن نعترف بأن الأخصائيين الطبيعيين لهم الحق وحدهم في تقرير الآثار العلمية المخربة أو الايجابية لهذا الأسلوب ولا نستطيع نحن ان نقرر شيئاً إلا بعد انتهائهم من بحوثهم نعم إذا انتهى هؤلاء إلى نتائج حتى ولو كانت شبه قطعية أمكننا إن نلاحظ مدى انسجام هذه الآثار مع معتقداتنا وقيمنا ومبادئنا الإسلامية ونظريتنا السياسية والاجتماعية وتخطيطنا للحياة ومن هنا فلا ينبغي التسرع في الحكم ما دامت النتائج غير قطعية.
تاسعاً:يعتبر الإسلام الأسرة هي لبنة البناء الاجتماعي ويبني نظريته الاجتماعية وأحكامه المتنوعة بهذا الصدد على هذا الغرض قال تعالى(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)( ) ويقف بشدة بوجه أي تخريب للأسرة فتجب ملاحظة هذه الحقيقة عند بيان أي موقف اجتماعي.
عاشراً: إن عدم الخصوبة مرض بلا ريب لأنة نقص في الحالة الطبيعية وعدم استجابة للرغبة في الإنجاب فأي استفادة من القدرة التكنولوجية مطلوب في هذا السبيل.
أما حدود هذا الاستخدام فهو اجتناب المحرمات في الشريعة الإسلامية والتي قد تصاحب عملية الاستخدام فإذا بلغت الحالة حد الضرورة أبيحت حتى المحظورات ولكن بقدرها. لكون (الضرورات تبيح المحذورات) ولكون (الضرورة تقدر بقدرها) ، ويبدو إن أي استخدام من هذا القبيل بين الزوجين لن يترك أثاراً سلبية تذكر على العلاقات الأصلية بينهما وبين الأولاد.
أما استخدام الاختبارات الجينية قبل الإنجاب والتأثير على نوعية الصفات التي سيتحلى بها الأولاد فلا يوجد إي مبرر شرعي لمنعه بعد إن كان يستهدف تقوية بنيتهم وتحصينهم ضد الأمراض وإشباع رغبة مشروعة لدى الوالدين في ذلك شريطة إن لا يصحب ذلك احتمال أضرار لها تأثيراتها السلبية على حياتهم.
ولا تعتبر حجة القائلين بأن عملية الانتقاء تشكل تمييزاً حجةً مقبولة ومبررة بل قد يجب الانتقاء إذ ثبت إن الجنين يعاني من أمراض خطيرة حفاظاً على سلامته وان لم يمكن الإصلاح وجاء الخوف القوي على حياته أو حياة الأم أمكن تجويز الإجهاض خصوصاً في المراحل الأولى من حياة الجنين فإذا خافت الأم الضرر على نفسها من استمرار وجوده يجوز لها إسقاطه ما لم تلجه الروح( ) وعلى إي حال فأن قانون (التزاحم) بين الأهم والمهم هو الذي يحدد الموقف في مثل هذه الحالات ولكن استخدام التعليم والتأديب لتنمية قدرات الطفل تبقى ضرورية مهما كانت التكنولوجيا الجينية مؤثرة في تكميل قدراته لأن هناك الكثير من الاستعدادات المعنوية تبقى بحاجة إلى التربية.
كما إن الانتقاء المفروض لن يكون إلا لصالح تكميل قدرات الطفل وبالتالي فهو منسجم مع الكرامة الإنسانية الطبيعية ومع حقوق الإنسان انسجاماً كاملاً.
ويبقى للتربية والتعليم الدور الأكبر لتفجير الطاقات المعنوية وتوجيه السلوك السوي الذي يقترن مع الإرادة الخيرة فيصنع شخصية إنسانية متعالية تستحق إن تحضي بكرامة مكتسبة تسمو على الكرامة الطبيعية فليست هناك إي قاعدة فلسفية تدعو إلى القلق بشأن حصول تمييز اجتماعي بعد إن كان الاستخدام التكنولوجي يؤدي إلى تنامي الطاقات وتكثير العطاء.
ولا يقاس هذا إلى تناول المخدرات المنشطة الممنوعة لما لها من آثار خطيرة على حياة الإنسان.
والحقيقة إن أي تصرف في هندسة الجينات تصرفاً طبيعياً لصالح تقويتها لن يستطيع ان يؤثر على الصبغة الفطرية التي تحدد شخصية الإنسان وتحقق له دوافعه وقدرته الإرادية وتحليله العقلي واتجاهه نحو الكمال.
نعم يجب إن نحذر بشدة من التصرفات السلبية الخطيرة التي تحرك فيه حس السبعية والتوحش وتفقده قدراته العقلية أو الإرادية.
وأخيرا فان القول بان التكاثر التكنولوجي يؤدي إلى حدوث انشقاق بين النشاط الجنسي والتكاثر الطبيعي , وهذا له آثاره على الأسرة والطفل.
فيكون جوابه إذا بقينا في حدود الزوجين فليست هناك آية مشكلة مهما اختلفت الوسائل وأنماط الاستخدام وحتى أوعية تنمية اللقيحة فأن هذا النمط لن يقلل من دور النشاط الجنسي بينهما ولن يترك آثاره على العلاقة الأسرية بعد إن كان قد تم يرضى تام من الزوجين( )
العقم ونظرة الشريعة الإسلامية لإشكاله
بسم الله الرحمن الرحيم ((لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ))( )
عرف العقم بأنه:فقد القدرة على الإخصاب والحمل والإنجاب في الذكر والأنثى كل فيما يخصه من دور تكميلي في تكوين هذه العملية التناسلية.وسبب عدم الإنجاب يشترك فيه الرجل والمرأة حيث ان الرجل يتسبب في حوالي 30 بالمائة من حالات عدم الإنجاب والمرأة تسبب في حوالي 40 بالمائة ولكن هذه الإحصائية تتغير من مكان إلى أخر ومن زمان إلى أخر فلا يعتمد عليها في الغالب.( )
أذن فالعقم نوعان الأول عقم نوعي والثاني عقم ذاتي.
والعقم النوعي صورتان:
الأولى: العقم عن إنجاب نوع الذكور خاصة وأشار إليه سبحانه وتعالى في قوله (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً)
الثانية: العقم عن إنجاب نوع الإناث خاصة وأشار إليه سبحانه وتعالى في قوله ((وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ) .
أما بالنسبة للعقم الذاتي فهو عبارة عن فقد القدرة على مطلق الإنجاب الطبيعي وأشار إليه تبارك وتعالى في قوله (أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) .
وينقسم العقم الذاتي إلى ثلاث صور بلحاظ البناء الأسري:
1- عقم في الزوج خاصة.
2- عقم في الزوجة خاصة.
3- عقم في الزوجين معاً.
رأي الشريعة في العلاج من العقم النوعي: هناك الكثير من العوائل لديها إناث فقط وترغب في إنجاب الذكور وهناك على العكس من ذلك وترغب في إنجاب الإناث هذا الأمر لم يرد فيه نهي بل على العكس أيضا حيث وردت نصوص روائية في السنن والآداب في كتاب النكاح فيما يُحمل لطلب الذكور، وليس هذا من الخروج عن مشيئة الله عز وجل لان الأمر لو كان كذلك لأمتنع ذاتياً واستحال تحققه عقلياً وخارجياً في الواقع المشهود وإمكانيته اكبر دليل على كونه من مشيئة الله تبارك وتعالى يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ لكن يشترط شرعاً في جواز هذا النوع من العلاج أن لا يؤدي إلى نتيجة عكسية بإنجاب أطفال مشوهين خلقياً كالخناثى وهو الذكر الذي به علامات الأنثى أو الأنثى التي بها علامات الذكر أو الخنثى المشكل التي تجمع ما بين العلامتين ولا يعرف انتماؤها إلى أي من الجنسين فإذا لم تكن النتيجة قطعية بإنجاب ذكر سليم أو أنثى سليم يحرم مبدئياً مثل ذلك العلاج.
رأي الشريعة في العلاج من العقم الذاتي: لا توجد نصوص شرعية تمنع من علاج العقم الذاتي لدى الجنسين ولا يعتبر السعي للعلاج منه خروج عن قضاء الله وقدره بل الموجود في ثنايا النصوص الشرعية على العكس من ذلك ومن شواهده على سبيل التمثيل لا الحصر:
1- الصلاة لطلب الولد.
2- الدعاء لطلب الولد.
3- ما يعمل لفك المربوط وهو الذي لا يتمكن من المعاشرة الجنسية ولا الإنزال.
4- الزواج بأخرى إذا كان العقم في الزوجة خاصة.
5- النذر كأن ينذر إن لله تعالى عليه إن يتصدق أو يؤدي احد الإعمال الخيرية المندوب إليها إن رزقه ببنت أو ذكر.
6- تناول الأغذية والأدوية التي تعين القدرة على الإنجاب والحمل.
وهذه الأمور في جملتها تعبر عن نظائر ورد النص على جوازها أو أباحتها أو الحث عليها وهي بمجموعها تكوَن أدلة للجواز بالنحو الذي ذُكر.
كما إن تطور الطب واكتشافه قوانين الهندسة الوراثية التي أودعها الله عز وجل في خلقه والتدخل للاستفادة منها لعلاج العقم المبتلى به وهذه الطرق بحد ذاتها إذا اتخذت الجانب السليم والايجابي في التعامل مع هذه القوانين ضمن الحدود والضوابط الشرعية( )إنما تكون من باب قولة تعالى(عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)( ) وقولة (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا)( ).
نظرة الشريعة الإسلامية لمسألة علاج العقم بعد سن اليأس لدى النساء:
تتم العملية باستئصال وانتزاع أنسجة مبيض من رحم امرأة في سن الثلاثين أو الأربعين والاحتفاظ بها لها حتى يتم زراعتها ثانياً في رحمها عند مشارفتها على سن اليأس لتأخيره وإطالة فترة قدرتها على الإخصاب والإنجاب.
من الناحية الشرعية إذا كانت الأنسجة المستزرعة ثانياً هي من نفس المرأة التي تم استئصالها منها لا إشكال شرعي في جواز ذلك للغرض المذكور لكن إذا حدث الحمل فأنه يشترط فيه أمران أساسيان:
الأول: وجوب اطراد النفع لجنس النساء أو لغالبيتهن دون اقتصاره على الشاذ النادر منهن فلو أمكن الحمل بسبب ذلك لبعض النساء خاصة لم يجز لعامتهن لعدم إمكانية انتفاعهن به ويجب بناءاً على ذلك وضع الضوابط الصارمة والقيود الإلزامية لمعرفة هذا الشاذ النادر والتعامل معه في الاستفادة من العلاج به بصورته المنفردة.
الثاني: يجب توافر الضمانات الكفيلة بسلامة الأم والجنين من المخاطر التي تهددهما في مثل هذا الحمل في هذا السن ومع عدمها ينتفي الجواز قطعاً بل أكثرها غير داخل في مقدور قدرة الإنسان وخارج عن سطوته وسيطرته لأسباب كثيرة تحتاج لشرح طويل( ).
الاستنساخ وصوره
الاستنساخ هي عملية تخليق كائن حي أو أكثر بزرع نواة مأخوذة من خلية جذعيه-غير جنينية-في خلية جينية منزوعة النواة.( ) أو هو الحصول على عدد من النسخ طبق الأصل من نبات أو حيوان أو إنسان بدون الحاجة إلى تلاقح خلايا جنسية ذكرية أو أنثوية.( )
المفهوم العلمي للاستنساخ:
لم يختلف احد في المفهوم العلمي للاستنساخ:وهو نقل الخلايا بغير طريقة التوالد الطبيعية فان في الاستنساخ لا يلجأ العلماء إلى الخلايا الجنسية (النطف والبيوض) كما هو معمول في تكثير النسل والتوالد وإنما يلجأ العلماء إلى خلايا جسمية ذات عدد كامل من الكروموسومات حيث توضع في وسط خاص تنقسم وتولد فرداً جديدا( )
صور الاستنساخ:
إن الصور المحتملة التي يمكن للعقل تصورها متعددة، من أهمها:
الأولى: إن يكون الاستنساخ بين الحيوانات سواء كانت متشابهه في النوع أو مختلفة أو كان بين الإناث أو الذكور أو الاختلاف. والحكم في جميع هذه الصور هو الإباحة وإما الولد فيتبع الاسم الذي ينطبق عليه والطهارة والنجاسة والحلية تدور مدار ذلك الاسم. وان لم يكن له شبيه ففيه بحث وان كان الأصل يقتضي طهارته وحرمة الأكل.
الثانية: إن يكون الاستنساخ بين النبات والحيوان والحكم هو الحلية إن لم يستلزم عنواناً محرماً.
الثالثة: إن يكون بين الحيوان والإنسان ولا ريب أنها موضع جدل ونقاش ويجب التأمل في الحكم وتطبيقه على الأدلة الشرعية.
الرابعة: إن يكون بين أفراد الإنسان ولها حالات:
1- إن يكون بين الإناث فقط بأن تؤخذ الخلية من أنثى وتزرع نواتها في بويضة أنثى مثلها.أو يكون بين الذكور فقط بأخذ الخلية من الذكر وزرع نواتها في نطفة ذكر أخر مثله وهذا حرام ومستند الحرمة عدة قواعد أصولية وفقهية:
أ- قاعدة القياس على حرمة الاستمتاع الجنسي بين أفراد النوع الواحد بقسميه (السحاق واللواط) فإذا كان الاستمتاع الجنسي بين إفراد النوع الواحد حراماً فالإنجاب أولى بالحرمة.
ب- قاعدة سد الذرائع لان لو شاعت لأدت لانتشار الرذيلة.
جـ - منعاً للضرر النفسي والاجتماعي الذي سيقع على المولود( ).
2- إن يكون بين الذكر والأنثى على النحو السابق
وعلى جميع التقادير فأما إن تكون الخلية الجسمية والخلية الجنسية في جسم واحد وإما إن تكون الخلية (الجسمية والجنسية) من فردين متشابهين أو مختلفين.
وهناك صور متعددة لكل نوع من الأنواع السابقة وان كان اغلبها فروضاً علمية في هذا الوقت ولكن ربما تتحقق وتقع في الخارج في وقت أخر بفضل التجارب العلمية والتقنية الحديثة واهتمام العلماء والمتصدين بمواصلة الأبحاث وطلب المزيد من المعرفة في هذا المجال وكشف المجهول عن الموضوع بما يكون سبيلاً لاستكشاف آفاق جديدة وفتح الطرق إلى عوالم لم تكن معروفة من قبل( ).
آراء المؤيدين:
وهم يركزون على نقطتين أساسيتين:
أولا: عدم توفر ما يمنع من القيام بهذه العملية.
ثانياً: الآثار الايجابية الكبرى التي يتوقع حصولها والآفاق العلمية التي ستفتح أمام الناس وهم بهذا الصدد يذكرون أمورا كثيرة منها:
1- أنه سيساعد بشكل كبير في التحكم بسلامة الجيل الآتي وتحسين حياته.
2- الآثار التي سيتركها هذا الموضوع في مجال منح الأطفال للأزواج المبتلين بالعقم.
3- المعلومات الضخمة التي سيكسبها العلماء في مجال تمايز الخلايا ومعرفة جذور أمراض السرطان والآثار السلبية الوراثية وعوامل المناعة وأسباب الإجهاض ووسائل منع الحمل وأمثال ذلك.
4- أنه سيساهم في مسألة الاستفادة من الخصائص المتميزة للإفراد وتكثيرها.
5- ويضيف هؤلاء المؤيدين إن الاستنساخ عملية طبيعية قد تحدث بشكل طبيعي عند بعض الحيوانات.كما يؤكدون أن العلم ملك للجميع ولا يمكن إيقاف بحوثه وحرمان البشرية من نتائجه. وهنا نجد الإغراق أحيانا في الخيال بتصور مجتمع خالٍ من الأمراض متحكم في عناصره يحوي سلالات معرفية واسعة وما إلى ذلك( ).
آراء المعارضين:
وهؤلاء أيضا يستفيدون من الخيال المجنح لبيان الأضرار المتوقعة من هذه العملية بل يفوقون المؤيدين في هذا المجال ومن الأمور المطروحة ما يلي:
أ- أنه يستلزم اختلاط الأنساب.
ب- التدخل في خلق الله.يعني
ج- تغيير خلق الله.
د- يعني التقاء المياه المنوية الأجنبية.
هـ- يؤدي إلى الاستغناء عن الزواج.
و- أنة يشجع عمليات الإجهاض.
ز- احتمال تهديم المجتمعات وتجريد الإنسان من إنسانيته.
ح- إن استمرار البشرية يعتمد على التنوع الجيني ,وهذا التنوع يفنى من خلال هذا الأسلوب.
ط- استلزامه لإماتة اللقائح ,وهي مشروعات إنسانية جاهزة.
ي- تحويل الرغبة الطبيعية في الأولاد إلى الرغبة في الصفات المعينة:
ك- يؤدي إلى إن يعرف التوأم الصغير مستقبله من خلال حياة التوأم الكبير.
ل- مشكلات الإرث هنا معقدة وأسئلتها محرجة وقد ورد النهي عن فساد المواريث( ).
م- مشكلات حمل العذراء وخصوصاً من إحدى خلاياها.
ن- احتمال استفادة المجرمين المحترفين من هذا الأسلوب( ).
س- أذا أدى الاستنساخ إلى اختلال النظام كما لو طُبق بصورة واسعة فهو أمر محرم لان الشارع المقدس جرت حكمته على حفظ النظام( ).
إلى ما هنالك من أضرار يتصورها المعارضون ولا نستطيع استيعاب كل افتراضاتهم.
التقييم الأولي لرأي المعارضين:
إذا تم تقييم هذه الاتهامات فان الأمر سيتضح بالنسبة لآراء المؤيدين وإذا القينا نظرة سريعة على هذه الاتهامات رأينا أنها لا تستطيع إن تصمد للنقد الأمر الذي يتطلب أعادة النظر من جديد فيها وعدم تكوين موقف سلبي قاطع منها.
فمسألة اختلاط الأنساب مسألة تشير لها بعض الروايات وتحذر منها بل أننا نجد أن البناء الاجتماعي في التصور الإسلامي ينبني على هذه المسألة وعلى ضوء هذه الأنساب تبتني أنظمة اجتماعية مهمة كالنظام العائلي ونظام الإرث وبعض النظم الاجتماعية الأخرى.
ففي الرواية عن محمد بن سنان عن الإمام الرضا عليه السلام فيما كتب إليه من جواب مسائلة:(وحرم الزنا لما فيه من الفساد من قتل النفس وذهاب الأنساب) .
وفي الرواية أيضا ً إن زنديقاً قال لأبي عبد الله الصادق عليه السلام (لم حرم الله الزنا؟قال عليه السلام: لما فيه من الفساد وذهاب المواريث وانقطاع الأنساب لا تعلم المرأة في الزنا من أحبلها ولا المولود يعلم من أبوه)
ومن الواضح أن الحديثين لاحظا هذه النقطة اختلاط الأنساب وذهابها- وكأنها من الأمور المفروض حرمتها ورفضها شرعاً فلا تقتصر على مورد الزنا منها وإنما نعمم الأمر لكل ما ينتج من هذه الحالة.
إلا إن الذي يمكن إن يطرحه المؤيدين هنا يمكن تلخيصه في أمور:
الأمر الأول: إن النسب يمكن ضمانهُ هنا إذا كانت النواة الضيفة - مأخوذة من جلد الزوج مثلا والبيضة مأخوذة من الزوجة فلا ريب في إن المولود ولد لهذين ومن الواضح إن الكثير من النتائج الايجابية يمكن ان يتم الحصول عليها مع توفر هذه الشروط.
الأمر الثاني: إن هذه الحالة لا يمكن إن تشكل ظاهرة اجتماعية واسعة بل هي حالات قليلة على الأقل في الوقت الحاضر ـ ولا مانع حينئذٍ من وجود أفراد لا يعلم نسبهم أو ينتسبون إلى الأم فقط كما ينتسب ولد ألشبهه إلى أمه فلا يلزم منهُ اختلاط الأنساب- كما يقال- وإنما قد يلزم مجهولية النسب مما يحرمه موضوعاً عن أحكام النسب.
الأمر الثالث: إن احتمال إساءة الاستفادة موجود بنفس النسبة في موضوع التلقيح الصناعي وقد أجازه كل الفقهاء تقريباً.
ولا يمكن إن تُؤيد هذه الإشكالات بقدر ما يمكن التأكيد على لزوم التأكد من المحذور.
أما موضوع تغيير خلق الله تعالى:فقد ذُكر أن الآية الشريفة تقول عن الشيطان (لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا).( )
ومن الواضح إن الشيطان الرجيم يهدد بالتركيز على مجموعة من عباد الله ليسخرهم لأعماله الشيطانية ومنها تبتيك أذان الإنعام وتغيير خلق الله وهي أمور مبغوضة للمولى جلّ وعلا بلا ريب ولذا يعدها سبحانه من الخسران المبين.
فهل هذا العمل الذي نحن يصدده من مصاديق تغيير خلق الله المنهي عنه؟
هنا يمكن ان يقال ان التبتيك والتغيير لا يمكن إن يكون المراد به مطلق المفهوم اللغوي لها حتى ولو كان بدواع مشروعة عقلائية لا شيطانية وإلا لكان كل تغيير يحدث في البدن كحلق الشعر أو الختان أو تعليم آذان الإبل أو التجميل من المحرمات وهو أمر واضح البطلان.
بل إن التعميم يعني كل تغيير في خلق الله وهذا يشمل أي تغيير في الطبيعة فهل يُمنع ذلك؟كلا فليس المراد به هو العموم وإنما المراد عمليات شيطانية خرافية تقوم على أساس من تصورات شيطانية جاهلية يتم بموجبها أهدار للثروات الطبيعية من قبيل ما جاء في قولة تعالى (مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ)( ) حيث تبتك آذان البصائر وتترك.
(أن عرب الجاهلية كانت تشق آذان البصائر والسوائب لتحريم لحومها) (كما ليس من البعيد أن يكون المراد بتغيير خلق الله الخروج عن حكم الفطرة وترك الدين الحنيف) .
وقوله تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ).( ) شاهد, ولعل سياق الآيات يساعد على ذلك ويؤيده ما روي عن الإمام الباقر عليه السلام ( )وحينئذٍ لا يمكن أن يستند لهذه الآية الشريفة في رد أي تغيير طبيعي ومنه موردنا هذا إذ المراد هو قسم خاص يتم بتسويل الشيطان وتسويفه.
على انه في الواقع استفادة من قوانين طبيعية فرضها الله في الطبيعة ولا يمكن أن يعد تدخلاً في خلق الله- كما جاء في اتهامات المعارضين، أو يعد تحدياً لله تعالى في خلقه كما قد يأتي على ألسنة بعض المخالفين للاستنساخ وإلا كان علينا أن نسد باب إي أبداع علمي في علم الوراثة في جميع حقول الخلق.
أما حكاية التقاء المياه الأجنبية هنا فهي مرفوضة كبرى وصغرى (أي مبدأ وتطبيقاً):إما كبرى فلا دليل على حرمة التقاء المياه الأجنبية وإنما الأدلة كلها تنظر إلى عملية الزنا إلا ما يتوهم استفادته من روايات تتحدث عن حرمة وضع المني في الرحم المحرم من قبيل ما جاء في الكافي بإسناد معتبر إلى علي بن سالم عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال:(أن اشد الناس عذاباً يوم القيامة رجل أقر نطفته في رحم يحرم علية)( ) ورواه الصدوق في عقاب الإعمال وعن البرقي في المحاسن( ) مثله.وما جاء عن الصدوق في (من لا يحضره الفقيه) قال النبي صلى الله عليه واله وسلم:(لن يعمل ابن ادم عملاً أعظم عند الله تبارك وتعالى من رجل قتل نبياً أو إماماً أو هدم الكعبة التي جعلها الله عزوجل قبلة لعبادة أو افرغ ماءه في امرأة حراماً).( )
إلا إن أمثال هذه الروايات بالإضافة لضعف سندها ناظرة بلا ريب إلى عمليات الزنا خصوصاً أذا لاحظنا العذاب الشديد المذكور فيها فلا يحتمل إن هذا العذاب هو لمجرد إيصال ماء الرجل إلى رحم يحرم عليه.
وشموله لموردنا من حيث الصغرى أيضا غير صحيح فليس هنا التقاء مياه ولا انعقاد نطفة كما هو واضح.
إلا أن يقال أن المورد هو بحكم انعقاد النطفة فيقاس عليه وهنا يقتصر على المورد الذي يحل فيه هذا الانعقاد.
أما موضوع الاستغناء عن الزواج فإذا افترضنا إن الأمر فيه تيسر إلى هذا الحد وهو بعيد فان دواعي الزواج لا تقتصر على الاستيلاد. علما أن الاستيلاد من طريق الزواج هو المطلوب للإنسان قبل كل شيئ ولا يلجأ لمثل هذا الطرق إلا استثناء.
أما مسألة اللقائح المتعددة وإعدامها فالذي يتصور في البين أن هذه اللقائح لا ينطبق عليها أنها أناس وان إعدامها غير مشمول لأدلة حرمة القتل أو أدلة دية الجنين وأمثال ذلك.
وأما مسألة احتمال تهديم المجتمعات أو تجريد الإنسان من إنسانيته فهي مسألة لا دليل عليها بل أن عملية إنقاذ بعض المجتمعات أو بعض العوائل من أمراضها الوراثية وتقوية الصفات الجيدة مطروحة هنا وكذلك مسألة التنوع الجنيني فأنه أولاً لم يثبت التطابق التام إلى حد ينتفي معه أي تنوع على أن اختلاف البيئات والعوامل الخارجية لابد ان تؤدي إلى نوع من الاختلاف.
ونحن نتصور أن عمليات الإجهاض أنما يتحكم فيها القانون والشريعة تماماً كما هي الحال في وضعنا الحالي.ومسألة الرغبة الطبيعية في الأولاد سوف تبقى لأنها نابعة من عمق الفطرة الإنسانية ولسنا نتصور الإنسانية آلة صمّاء لا تحكم إلا ما خطط لها من قبل,دون ما رحمة أو عواطف أو دواعي فطرية.
أما احتمال ان يعرف التوأم الصغير مستقبلة من خلال حياة التوأم الكبير فهي قد تكون مشجعة على تلافي الوقوع في المرض من خلال الرصد المبكر لها.
وتبقى المسائل الشرعية للإرث والنظر والعلاقات الاجتماعية فهي أمور يجب أن يسعى الفقه الإسلامي لبيان موقفه فيها بدلاً من التخلص منها عبر إغلاق الباب من الأساس وحرمان العلم الإنساني من النتائج الباهرة لهذه البحوث وأخيراً تبقى مسألة التطبيق السيئ لهذا الكشف والاستغلال السيئ له. فهذا أمر بيد الإنسان يستطيع أن يتجنبه ويتحاشاه عبر بناء الخلق الاجتماعي الرصين والروح الإنسانية النزيهة ولا يمكننا أن نغلق باباً للخير لأن هناك من يستفيد منه الشر.وإلا نصل إلى ان نحرم كل الابتكارات والاكتشافات والمخترعات لكونها كلها لا تخلو من إمكانية استخدامها للشر.
وهنا نعود لما ساقه المؤيدون من أدلة فنراها أدلة قوية محكمة ينبغي التأمل فيها ودراستها وخصوصاً ما ذكروه من ان العلم للجميع ولا يمكن حرمان البشرية من نتائجه لمجرد احتمالات وظنون وافتراضات تقابلها ظنون ايجابية واحتمالات إثباتيه مقبولة، نعم,يجب أن تخلو الأساليب المتبعة مما يخالف الشريعة من الملابسات التي تقترن بشكل طبيعي بمثل هذه الأبحاث.
وأخيرا ًفلسنا نريد أن نصدر حكماً قاطعاً بهذا الشأن بقدر ما نريد أن نؤكد على ضرورة عدم التسرع في الحكم ونقله من صفحات الجرائد إلى معاهد البحث العلمي وتخليصه من الأجواء الحماسية والعاطفية والغوغائية ونقله إلى حيث البحث العلمي النزيه( ).
التلقيح الصناعي
التلقيح الاصطناعي بطريقتيه داخلي والخارجي وله ستة أساليب بحسب الأحوال المختلفة للتلقيح الداخلي فيها أسلوبان وللخارجي أربعة من الناحية الواقعية بقطع النظر عن حلها أو حرمتها شرعاً وهذه الأساليب هي:
الأسلوب الأول: أن تؤخذ النطفة الذكرية من رجل متزوج وتحقن في الموقع المناسب داخل مهبل الزوجة أو رحمها حتى تلتقي النطفة التقاء طبيعياً بالبويضة التي يفرزها مبيض زوجته ويقع التلقيح بينهما ثم العلوق في جدار الرحم بإذن الله كما في الحالة الطبيعية وهذا الأسلوب يلجأ إليه أذا كان في الزوج قصور لسبب ما عن إيصال مائة إلى الموضع المناسب للحمل.
الأسلوب الثاني: ان تؤخذ نطفة من رجل وتحقن في الموقع المناسب من زوجة رجل أخر حتى يقع التلقيح داخلياً ثم العلوق في الرحم كما في الأسلوب الأول ويلجأ إلى هذا الأسلوب حين يكون الزوج عقيماً لا بذرة في مائة فيأخذون النطفة الذكرية من غيره في التلقيح الخارجي.
الأسلوب الثالث: أن تؤخذ نطفة من زوج وبويضة من مبيض زوجته فتوضعا في أنبوب اختبار طبي بشروط فيزيائية معينة حتى تلقح نطفة الزوج بويضة زوجته في وعاء الاختبار ثم بعد أن تأخذ اللقيحة بالانقسام والتكاثر تنقل في الوقت المناسب من أنبوب الاختبار إلى رحم الزوجة نفسها صاحبة البويضة لتعلق في جداره وتنمو وتتخلق ككل جنين ثم في نهاية مدة الحمل الطبيعية تلده الزوجة طفلاً أو طفلة.
وهذا هو طفل الأنبوب الذي حققه الانجاز العلمي الذي يسّره الله و ولد به إلى اليوم عدد من الأولاد ذكوراً وإناثاً وتوائم تناقلت أخبارها الصحف العالمية ووسائل الإعلام المختلفة ويلجأ إلى هذا الأسلوب الثالث عندما تكون الزوجة عقيماً بسبب انسداد القناة التي تصل بين مبيضها ورحمها (قناة فالوب).
الأسلوب الرابع: ان يجري تلقيح خارجي في أنبوب الاختبار بين نطفة مأخوذة من زوج وبويضة مأخوذة من مبيض امرأة ليست زوجته (يسمونها متبرعة) ثم تزرع اللقيحة في رحم زوجته ويلجئون إلى هذا الأسلوب عندما يكون مبيض الزوجة مستأصلاً أو معطلاً ولكن رحمها سليم قابل لعلوق اللقيحة فيه.
الأسلوب الخامس: أن يجري تلقيح خارجي في أنبوب اختبار بين نطفة رجل وبويضة من امرأة ليست زوجة له(يسمونهما متبرعين) ثم تزرع اللقيحة في رحم امرأة أخرى متزوجة ويلجئون إلى ذلك حينما نكون المرأة المتزوجة التي زرعت اللقيحة فيها عقيماً بسبب تعطل مبيضها لكن رحمها سليم وزوجها أيضا عقيم ويريدان ولداً( ).
الأسلوب السادس: ان يجري تلقيح خارجي في وعاء الاختبار بين بذرتي زوجين ثم تزرع اللقيحة في رحم امرأة تتطوع بحملها ويلجئون إلى ذلك حين تكون الزوجة غير قادرة على الحمل لسبب في رحمها ولكن مبيضها سليم منتج أو تكون غير راغبة ترفّهاً فتتطوع امرأة أخرى بالحمل عنها.
هذه هي أساليب التلقيح الاصطناعي الذي حققه العلم لمعالجة أسباب عدم الحمل( ).
حكم الشريعة الإسلامية في هذه الأساليب:
لمعرفة حكم تلك الأساليب المعروضة يجب تطبيق قواعد الشريعة الإسلامية ومقاصدها وما تستلزم وقد انتهى إلى التفصيل الآتي:
أولا: أحكام عامة:
1- ان انكشاف المرأة المسلمة على غير من يحل شرعاً بينها وبينة الاتصال الجنسي لا يجوز بحال من الأحوال إلا لغرض مشروع يعتبره الشرع مبيحاً لهذا الانكشاف.
2- ان احتياج المرأة إلى العلاج من مرض يؤذيها أو من حالة غير طبيعية في جسمها تسبب لها حرجا ً يعتبر ذلك غرضاً مشروعاً يبيح لها الانكشاف على غير زوجها لهذا العلاج وعندئذٍ يتقيد ذلك الانكشاف بقدر الضرورة.
3- كلما كان هناك ضرورة لانكشاف المرأة على غيرها يجب ان يكون المعالج امرأة مسلمة ان أمكن ذلك وإلا فامرأة غير مسلمة وإلا فطبيب مسلم ثقة وإلا فغير مسلم بهذا الترتيب ولا تجوز الخلوة بين المعالج والمرأة التي يعالجها إلا بحضور زوجها أو امرأة أخرى.
ثانياً: حكم التلقيح الصناعي:
1- ان حاجة المرأة المتزوجة التي لا تحمل وحاجة زوجها إلى الولد يعتبر غرضاً مشروعاً يبيح معالجتها بالطريقة المباحة من طرق التلقيح الاصطناعي، بشرط أن لا تستقيم حياتهم من دون الولد.
2-ان الأسلوب الأول (الذي تؤخذ فيه النطفة الذكرية من رجل متزوج ثم تحقن في رحم زوجته نفسها في طريقة التلقيح الداخلي) هو أسلوب جائز شرعاً بالشروط العامة وذلك بعد أن تثبت حاجة المرأة إلى هذه العملية لأجل الحمل,فيقول السيد السبزواري (يجوز تلقيح ماء الرجل بزوجته ما لم يشتمل على محرم في البين)( ).
يقول السيد السيستاني(يجوز تلقيح الزوجة بنطفة زوجها ولا يجوز ان يكون المباشر غيره إذا استلزم النظر واللمس( ).
3- أن الأسلوب الثالث (الذي تؤخذ فيه البذرتان الذكرية والأنثوية من رجل وامرأة زوجين احدهما للأخر ويتم تلقيحهما خارجاً في أنبوب اختبار ثم تزرع اللقيحة في رحم الزوجة نفسها صاحبة البويضة) هو أسلوب مقبول مبدئياً في ذاته بالنظر الشرعي لكنه غير سليم تماماً من موجبات الشك فيما يستلزمه ويحيط به من ملابسات فينبغي إلا يلجأ إليه إلا في حالات الضرورة القصوى وبعد أن تتوفر الشروط العامة المذكورة.
4- وفي حالتي الجواز الاثنتين يُقرر أن نسب المولود يثبت من الزوجين مصدري البذرتين ويتبع الميراث والحقوق الأخرى بثبوت النسب فحين يثبت نسب المولود في الرجل والمرأة يثبت الإرث وغيرة من الأحكام بين الولد وبين من التحق نسبه به.
وقد ذهب السيد الخوئي إلى أن إلام هي التي تلد الولد وان كانت النطفة المتكونة في رحمها مزروعة من ماء رجل وبويضة امرأة حليلة رجل وذات الرحم مستأجرة,واستدل على قولة بقولة تعالى (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ)( )فيكون الأب صاحب الحويمن وألام هي التي تلده أما صاحبة البويضة فليس أماً له وتتم عليه جميع أحكام الولد من السببية والنسبية إلى أبيه وأمه.
5- أما الأساليب الأربعة الأخرى من أساليب التلقيح الاصطناعي بالطريقتين الداخلي والخارجي مما سبق بيانه فجميعها محرمة في الشرع الإسلامي لا مجال لإباحة شيء منها لان البذرتين الذكرية والأنثوية فيها ليستا من زوجين أو لأن المتطوعة بالحمل هي أجنبية عن مصدر البذرتين حيث ان إدخال ماء الرجل في رحم امرأة أجنبية بطريقة التلقيح الصناعي لا يترتب علية الزنا ولا الحد وإنما هو محرم لا غير.
ونظراً لما في التلقيح الاصطناعي بشكل عام من ملابسات حتى في حالتي الجواز لأنه يحتمل اختلاط النطف واللقائح في أوعية الاختبارات وخاصة أذا شاع التلقيح الاصطناعي وكثرت ممارسته فينصح أن لا يلجأ إلى ممارسة إلا في حالة الضرورة القصوى ويجب الاحتياط والحذر من اختلاط النطف واللقائح( ).
حكم الإسلام في نسب طفل الأنبوب:
أ- صلة طفل الأنبوب بأمه:
انقسم الفقهاء المحدثون في هذا الموضوع إلى فريقين.الأول ويرى أن الأم هي صاحبة البيضة.والثاني يرى أن الأم هي صاحبة الرحم التي تكون الجنين في أحشائها ثم أتمت الحمل إلى أن ولدته.
1- أقوال الفريق الأول وأدلته:
أ- أن الأم الحقيقية هي التي أعطت البيضة وهذا مؤكد لان هذه هي الحقيقة العلمية التي لا تقبل الجدال.أن البيضة المنقولة تحمل جميع الخصائص الوراثية التي أودعها الله سبحانه وتعالى في هذا الرحم وانتقلت إلى هذا الجنين فالحكم للرحم الظئر كما انه تسمى التي حملته حاضنته أو في أحسن الفروض تعامل على أنها مرضعة ولان الجنين تغذى بدمائها وأحتضن برحمها ورُبي في بطنها..فيقولون أصحاب هذا الفريق ان صاحبة الرحم لا تعطيه إلا غذاء كالمرضعة ولا تعطيه إي توريث لأي صفة وراثية( ).
ب- المرأة صاحبة الرحم لا تعطي الطفل إلا الغذاء ولا تعطيه أي توريث لأي صفة وراثية.
ج- تبقى النسبة إلى الأم مهما كانت الأم ومهما أرضعت المرضع مثلاً:مهما أرضعت من اللبن ومن الماء لا تكون أماً حقيقية لهذا الولد فالأم الحقيقية هي صاحبة البيضة قياساً على نسبته إلى أبيه صاحب النطفة المقابلة.
د- قياس الحمل داخل الرحم والولادة على الرضاعة فكما لا ينسب الطفل الرضيع إلى التي أرضعته بسبب الرضاع لا ينسب هذا إلى الظئر بسبب نموه بتغذيتها( ).
2-أقوال الفريق الثاني وأدلته:
هذا الفريق يقول بان أم طفل الأنبوب هي صاحبة الرحم التي تكوّن الجنين في أحشائها ثم أتمت الحمل إلى ان ولدته وأقوالهم هي:
أ- أن كل طفل ناشئ بالطرق المحرمة قطعاً من التلقيح الصناعي لا ينسب إلى أب جبراً وإنما بنسب لمن حملت به ووضعته باعتباره حالة ولادية طبيعية كولد الزنا الفعلي تماماً.
ب- أن الأم الحقيقة هي الأم التي تحمل لا التي يؤخذ منها البيضة حيث غذاء الطفل من جسمها ويتنفس منها ويتغذى منها ويأخذ دمها ولحمها.
جـ- يثبت النسب من جانب النساء بالولادة حيث أن النسب في جانب الرجال بالفراش وفي جانب النساء يثبت بالولادة إلا بدليل وأدنى دليل عليها شهادة القابلة.
د- أشارت بعض النصوص أن الأم هي التي حملت وولدت ومن هذه النصوص:
1- قولة تعالى (إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ)( ) فنفى الأمومة عن التي لم تلد الولد فسلك في ذلك أقوى طرق القصر.
2- قولة تعالى (لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا) ( )ومعلوم ان الحقيقة هي المقدمة على المجاز والوالدة حقيقة هي التي ولدت فكيف سماه الله ولدها.
3- قولة تعالى (وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ)( ) فالذي يرث المرأة هو الطفل الذي ولدته- فصارت بذلك والدته حقيقية- لا التي أُخذت البويضة منها.
4- قولة تعالى (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا)( ) فبين أن التي تحمل الولد وتضعه هي أمه وهل مشاق الحمل والوضع تساوي مشاق شفط البيضة واستخراجها؟ أن عدم تساوي المشاق وكون مشاق شفط البيضة أخف من مشاق الحمل والولادة وكون الله تعالى قد وصف الحمل والوضع بالكره يعطينا ضوءاً على اعتبار صاحبة الحمل والولادة هي الأم والوالدة المعتبرة شرعاً لان حمل المرأة ووضعها يسبب لها المشاق بينما خلت صاحبة البيضة من الكره قياساً على صاحبة الولادة فصار لازماً نسبة الطفل إلى صاحبة الكره والوهن أي الوالدة التي حملته.
5- قولة تعالى(وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا)( ) فالآية صريحة في أن الأمهات هن اللواتي قد حملن أجنتهن وأخرجنها لان البيضة عندما تخرج من المرأة لا تشكل كائناً يوصف بأنه يعلم شيئاً أولا يعلم شيئاً وأيضاً فقد قال هنا أن البطون هي للأمهات.
6- قولة تعالى(يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ)( ) وهي أطوار الجنين وليس من طور للجنين في بطن صاحبة البيضة والبيضة وحدها لا تشكل كائناً فيتطور إلى إنسان وإنما يتطور الإنسان بعد اجتماع البيضة مع الحيوان المنوي مع وجود الرحم.
7- ما جاء في الصحيح من حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه واله وسلم قال: (أن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمة أربعين يوماً ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك ثم يُرسل الملك فينفخ فيه الروح) فالإنسان يصفه الحديث بأنه يتكون في بطن أمه.
3- الرأي المختار
- أن الأم هي صاحبة الرحم التي حملت وولدت للأدلة التي ساقها أصحاب هذا الفريق.
أما أصحاب الفريق الأخر فرُدّ عليهم ومما رُدّ به عليهم هو أن الأحكام الشرعية تفهم حسب مدلولها اللغوي الذي اتفق العرب عليه فالعرب الذين أُخذت عنهم اللغة اعتبروا أن الأم هي الوالدة فلا يسعنا نحن إلا ما وسعهم وكفى بهذا دليلاً.
وقد يقول قائل: لقد جاء في المعجم الوسيط (تولدّ) الشيء عن الشيء نشأ عنه فالولد ينشأ عن البيضة فهو ناشئ عنها أي تولدّ عنها فهي والدته.نقول أن معنى الوالدة هو الأم وقد ورد صراحة في اللغة أولا لان لفظ الأم صار يعرف أنها هي الوالدة عن طريق الحقيقة اللغوية كالأسد المستعمل في الحيوان المفترس.
فتكون النتيجة: ينسب طفل الأنبوب إلى المرأة التي حملت به ووالدته سواء كانت ذات زوج أو خلية من الأزواج ولا ينسب إلى صاحبة البيضة ولا إلى دافعة المال أو أي امرأة أخرى( ).
ب- صلة طفل الأنبوب بأبيه:
دور الأب هنا هو المتبرع بالحيوان المنوي وهذا الرجل أما أن يكون زوجاً للمرأة وأما أن يكون أجنبياً عنها وقد يكون دافع مال فقط لتتم العملية لحسابه فيتبنى الطفل ويعطيه أسمهُ أي يلحقه بنسبه.
فإما حالة كونه زوجاً فقد سبق وان ثبتت أبوته الكاملة وكذلك بقية العلاقات التي تربطه بهذا الطفل من ارث ونفقة وغير ذلك فهو ابنه تماماً وان اختلفت طريقة التلقيح من الطبيعي إلى الصناعي.
وإما كونه دافع مال أو طرفاً في العقد سيتم الأمر لحسابه فلن يعطيه هذا الأمر شيئاً لان الأنساب لا تباع ولا تشترى وهذا البيع باطل لأنه بيع لشيء لا يمكن بيعه ولان النسب ليس ملكاً للأب أو للأم حتى يتنازل عنه مقابل المال.
وإما إن كان أجنبياً عن الزوجة ولا تربطه بها أي صلة مشروعة فلن يناله إلا الحجر إي العقاب والزجر لقول الرسول صلى الله عليه واله وسلم (الولد للفراش وللعاهر الحجر) وعلى ذلك فان هذا الطفل سينسب للزوج لأنه هو صاحب الفراش مع ألاثم العظيم إن قبل الزوج بهذا الوضع ويستطيع التخلص من نسب هذا الطفل باللعان من المرأة التي أتت به فان الإنسان ليس له أن يستلحق ولداً ليس منه.
وان كانت هذه المرأة خلية من الأزواج فكذلك ينسب هذا الطفل لصاحب الحيوان المنوي لأن ابن الزنا لا ينسب لأب عند فريق كبير من العلماء وخالف ذلك آخرون وقالوا بان الولد ينسب للزاني أذا كانت خلية من الزوج وأقيم عليهما الحد.وقول النبي صلى الله عليه واله وسلم (الولد للفراش وللعاهر الحجر) فجعل الولد للفراش دون العاهر فإذا لم تكن المرأة فراشاً لم يتناوله الحديث.
وذهب فريق من العلماء إلى ألحاق نسبه بالواطئ أذا أقيم علية الحد وهو قول الحسن بن سيرين وقال بعضهم يلحق ولد الزنا بحكم القاضي لان حكم القاضي يرفع الخلاف ومثله حكم الإمام أو إقرار الدولة( ).
الخاتمة (نتائج البحث)
بعد توفيق الله تعالى في الخوض بهذا الموضوع الحيوي والذي يحتاجه البشر على الدوام وعرض الآراء الفقهية والأدلة له توصلت إلى النتائج الآتية:
1- يجب الرجوع في المسائل المستحدثة إلى المجتهد الأعلم من الإحياء.
2- امتازت المسائل المستحدثة بالوسطية والتقوى والتخصص الدقيق بعيداً عن النزعات الفكرية والتشدد الشخصية.
3- وجود أصل للمسائل المستحدثة في القرآن الكريم أو السنة الشريفة يدل دلالة واضحة على العظمة الإلهية.
4- لا يوجد نص يمنع من علاج العقم بل على العكس وردت في السنة صلاة لطلب الولد وأدعية أيضاً لطلب الولد والسنة هي امتداد للقرآن الكريم وهو كلام الله سبحانه وتعالى.
5- جواز الاستنساخ أذا كان إخصاب البويضة قد تم بحيوانات منوية من الزوج الشرعي للمرأة صاحبة البويضة ووضعت هذه الأجنة في نفس رحم صاحبة البويضة التي تم إخصابها بتلك الحيوانات المنوية ونشأت في رحمها دفعة واحدة منتجة بذلك توائم أو على دفعات أذا أمكن تخزينها وحفظها لسنوات مقبلة كان جائز أيضاً.
6- عند أجراء احد الوسائل للإنجاب سوف تضطر المرأة إلى الانكشاف إلى من لا تحل له شرعاً ولكن عدم الإنجاب قد يسبب خرقاً في الأسرة التي تعتبرها الإسلام لبنة المجتمع فهي مضطرة إلى الانكشاف وعندئذ يتقيد الانكشاف بقدر الضرورة وان يكون المعالج امرأة مسلمة وإلا فامرأة غير مسلمة وإلا فطبيب مسلم ثقة وإلا فغير مسلم وبهذا الترتيب.
7- يجوز أن تؤخذ النطفة الذكرية من رجل متزوج ثم تحقن في رحم زوجته في طريقة التلقيح الداخلي.
8- الطريقة الجائزة في وسيلة أطفال الأنابيب هي أن يوضع طفل الأنبوب في رحم الزوجة الشرعية بعد إتمام عملية الإخصاب التي يكون فيها الحيوان المنوي لزوج شرعي والبويضة من الزوجة الشرعية بعد أتمام عملية الإخصاب التي يكون فيها الحيوان المنوي لزوج شرعي والبويضة من الزوجة الشرعية له فالأمر يكون جائز شرعاً بلا أشكال.
9- في حالة استخدام وسيلة أطفال الأنابيب فالرأي الراجح أن المولود سوف تكون أمه هي صاحبة الرحم التي حملته وولدته لقولة تعالى (إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ) وغيرها من الأدلة على رجحان هذا القول.
المصــــــــــــــــادر والمراجع
القرآن الكريم
1- الأنصاري، آية الله الشيخ محمد حسين، الاستنساخ ومنه البشري (أحكامه التكليفية منها والوضعية)، الناشر: مؤسسة الشيخ الأنصاري، المطبعة: النجف الاشرف، الطبعة: الثانية 1431هـ -2010م
2- البار، محمد علي، خلق الإنسان بين الطب والقرآن، الناشر: دار السعودية للنشر والتوزيع، الطبعة الثامنة، سنة الطبع 1991م.
3- البرقي، أحمد بن محمد بن خالد، ت(274هـ)، المحاسن، الناشر: دار الكتب الإسلامية، طهران، سنة الطبع1370هـ 1330ش، تحقيق: السيد جلال الدين الحسيني.
4- التسخيري، الشيخ محمد علي، التكاثر البشري عبر الاستعانة بالتقنية الحديثة، مجلة أهل البيت ع44.
5- الجواهري، شيخ حسن، بحوث في الفقه المعاصر، الناشر: دار الذخائر – بيروت، تاريخ النشر 1419هـ ، الطبعة الاولى، تدقيق وفهرسة الكترونية: مرآة التواريخ
6- الحر العاملي، الشيخ محمد بن الحسن، تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، تحقيق مؤسسة آل البيت (ع) لأحياء التراث، الطبعة الثانية 1424هـ.
7- الروحاني، السيد محمد صادق، المسائل المستحدثة، الناشر: مؤسسة دار الكتاب، قم المقدسة، المطبعة:فروردين، الطبعة الرابعة، سنة الطبع 1414هـ.
8- زياد احمد سلامة، أطفال الأنابيب بين العلم والشريعة، الطبعة الأولى، سنة الطبع 1996م.
9- السبزواري، السيد علي الموسوي، الاستنساخ بين التقنية والتشريع، مؤسسة الاعلمي للمطبوعات، سنة الطبع 2003م.
10- السبزواري، السيد عبد الأعلى، مهذب الإحكام في بيان الحلال والحرام، الطبعة الأولى، مطبعة الآداب، النجف الاشرف.
11- السيستاني، السيد علي الحسيني، منهاج الصالحين، الناشر:مكتب السيد السيستاني-قم، المطبعة-مهر-قم، سنة الطبع 1414هـ.
12- الشيرازي، آية الله العظمى ناصر مكارم، بحوث فقهية مهمة.
13- الصدر، السيد محمد محمد صادق، فقه الفضاء، مطبعة الآداب، النجف الاشرف.
14- الصدوق، محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابوية القمي، من لا يحضره الفقيه، تحقيق:علي اكبر الغفاري، الناشر:مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، الطبعة الثانية.
15- الطبرسي، أبو منصور احمد بن علي بن أبي طالب، الاحتجاج، تعليق وملاحظات محمد باقر الخرسان، الناشر: دار النعمان للطباعة والنشر، النجف الاشرف، سنة الطبع 1966م.
16- الطبرسي، أبو علي الفضل بن الحسن، مجمع البيان، الأميرة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 2009م.
17- الطريحي، المفسر اللغوي فخر الدين، تفسير غريب القرآن، المطبعة الحيدرية، نجف، 1953م.
18- العذاري، سعيد كاظم، التلقيح الصناعي بين العلم والشريعة، معاونية التحقيق، قم، المركز العالمي للدراسات الإسلامية، منشورات المركز العالمي للدراسات الإسلامية، المطبعة فردوس، 1386.
19- غسان جعفر، طفل الأنبوب والتلقيح الاصطناعي بين الطب والأديان، المطبعة شركة رشاد برس للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 2009م.
20- كاشف الغطاء، شيخ عباس، المسائل المستحدثة في المدرسة الفقهية النجفية، الأعداد والنشر:قسم شؤون الباحثين في مدرسة الأمام الصادق (ع)، ع2، السنة الأولى، سنة 1429هـ.
21- الكليني، ثقة الإسلام محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، الناشر: دار الكتب الإسلامية، طهران، سوق سلطاني، -رقم 99، المطبعة: حيدري، الطبعة الثامنة، تاريخ الطبع 1387هـ.
22- اللنكراني، محمد جواد فاضل، التلقيح الصناعي- دراسة فقهية – حقوقية، الناشر حوزة فقه الأئمة الأطهار (ع) في سوريا، 2008م.
23- المغربي، أبي حنيفة النعمان بن محمد بن منصور، دعائم الإسلام، تحقيق: أصف بن علي أصغر فيضي، الناشر: دار المعارف، القاهرة، الطبعة الثانية.
24- الموسوي، محمد جواد فاضل، الاستنساخ البشري بين الفقهاء وعلماء التجربة، 2010م، مؤسسة الرافد للمطبوعات.