ما أن تسير في شارع أمير الجيوش المتفرع من ميدان باب الشعيرية، لتجد في منتصف الشارع مبني قديم من الوهلة الأولى يظهر أنه يعود لعصر من العصور الإسلامية في حالة لا يُرثى لها تكاد أن تقع جدرانه على رؤوس أصحابه، توجد لافتة على باب المدخل توضح أنه حمام شعبي متخصص للعرائس، توضح مواعيد العمل للنساء والرجال.
ما بين التردد والرغبة في الدخول للحمام، نقف على الباب، لسؤال المحيطين به من أصحاب ورش النحاس والعاملين بها، تبين أنه "حمام الملاطيلي" هذا الإسم الذي لطالما عرف عند المصريين كأشهر حمام شعبي يعود للعصر الفاطمي، والذي اتخذ جزء من شهرته من الفيلم الشهير "حمام الملاطيلي"، ليقول أحدهم "اتفضلي اتخدلي .. ما تخافيش .. دلوقت مواعيد عمل السيدات".
مدخل ضيق ضيعت عوامل الزمن آثاره الفنية التي تعود للعصور الذهبية للعمارة الهندسية، يحمل كاميرا مراقبة، تفصل ما بينه وبين باب الحمام الداخلي ستارة قماش، لنصطدم بالصحن الذي غيرت ملامحه ألوان الدهان الزيتية التي أخفت آثاره التاريخية، ودولاب خشبي دهن بنفس لون الجدران، وحوض مياه قديم يعاني من سوء حالة الصرف، بالإضافة لعدة مقاعد خشبية، ومصطبة كبيرة تجلس بها النساء لرسم الحنة.
تأتي "أم رأفت" المسئولة عن الحمام في الفترة الصباحية لتحدثنا وسط زحام من السيدات حولها، لنجد صعوبة في الحديث معها، ولكنها في النهاية تلتفت إلينا لتحدثنا عن طبيعة العمل في الحمام والأسعار حسب نوع الخدمة التي ستقدمها، فتقول أن العروسة لها نوعين من الحمام، واحد بـ550 يتضمن عمل سبع ماسكات للجسم "ماسك غزال، طمي، بخار، ليفة مغربية، ترمس" وحمام آخر بـ350 وهو أرخص لأنه يحتوي على عدد ماسكات أقل، أما الحنة فتختلف على حسب الرسمة وتتراوح ما بين 10 لـ15 جنيه.
وأضافت "أم رأفت" وسط صوت "الغلاية" التي تعلو النيران، أن أخت العروسة وصحابتها كل واحدة 150 جنيه، موضحة أن هناك العديد من السيدات اللاواتي يقصدن الحمام في الأيام العادية، مشيرة لعدد النساء الذي تخطى العشرات داخل الحمام، وعن الستارة التي تفصل ما بين المدخل والصحن، تقول أن الحمامات والمغطس بداخل الحمام في الداخل أما الصحن هو مجرد ساحة استقبال، مؤكدة أنه لا يجرأ أحد من الرجال أن يخطو باب الحمام الخارجي حيث أن المنطقة شعبية ولها تقاليدها التي مازالت تحتفظ بها.
وتابعت "أم رأفت" أن الأسعار لا تختلف باختلاف المناسبات، مؤكدة أن هذه الأسعار هي ذاتها في احتفالات رأس السنة وأعياد الميلاد المجيد.
تصطحبنا "أم رأفت" لإحدى غرف الحمام الداخلية بها مغطس من الرخام وثلاث أحواض ومجموعة من برطمانات الخاصة بالماسكات ومجموعة من الليفات المغربية ومصطبة أخرى تجلس بها إحدى السيداتي اللاواتي يشرفن على عملية البخار والتكييس.
وتقول إحدى السيدات اللاتي اعتادت أن تقصد "حمام الملاطيلي"، أنها تسكن في مدينة نصر وبالرغم من أن المنطقة بها العديد من البيوتي سنتر بأحدث التقنيات الحديثة، لكنها تفضل الذهاب لهذا الحمام الشعبي، موضحة أنهم يمتازون بالنظافة كما أن الماسكات طبيعية والسيدات اللاواتي تعملن بالحمام لديهن خبرة كبيرة في المجال.
ويعود تاريخ حمام الملاطيلي حمام العثمانيين، الذي يقع في40 شارع أمير الجيوش الذي بني عام 1780، ويقال أنه أنشئ في عهد الوالي العثماني إسماعيل باشا، وكان يُعرف من قبل بحمام سويد، نسبة إلى الأمير عزالدين السويد، ثم تغير اسمه لحمام "مرجوش" نسبه لاسم المنطقة الحالية كما سمي بحمام الملاطيلي نسبه لسيد الملط الذي اشتراه من العثمانيين والذي ورثه عنه المعلم زينهم صاحب الحمام الحالي.
وذكر المؤرخ المقريزي في في كتابه الشهير "الخطط"، أن أول من بنى الحمامات فيها هو الخليفة العزيز بالله الفاطمي، وأن الحمامات أخذت تنتشر انتشارا سريعا في مختلف أحياء القاهرة ومصر، حتى بلغ عددها على أيامه 1170 حماما.