في شارع قصر العيني بوسط محافظة القاهرة، يوجد مستشفى القصر العيني القديم، ذلك الصرح الطبي العريق، الذي يضرب بجذوره في التاريخ لأكثر من مائة وأربعين عامًا مضت، مما يجعله الأقدم في مصر والشرق الأوسط، فهو أول مدرسة طبية عربية أنشئت بالقطر المصري في عهد محمد علي باشا، وبالتحديد في عام 1827 ميلادية، والذي يرجع الفضل في إنشائها إلى الطبيب الفرنسي المشهور أنطوان كلوت، المعروف بـ"كلوت بك"، حيث كان يشغل في ذلك الوقت منصب كبير أطباء وجراحي الجيش المصري.
اقرأ أيضًا.. "مستشفياتك يا مصر".. حملة "أهل مصر" لكشف فساد المستشفيات
ويُعد "القصر العيني" إحدى المستشفيات التابعة لجامعة القاهرة، وبالرغم من التاريخ العريق الذي يمتلكه هذا الصرح الطبي؛ إلا أن الإهمال أصبح خلال السنوات الأخيرة عنوانًا له، ومن أجل تسليط الضوء على الجوانب المتسببة في مضاعفة معاناة المرضى من البسطاء والكادحين، تواصل "أهل مصر" حملة "مستشفياتك يا مصر"، والتي بدأناها من داخل "الدمرداش" بالعباسية، ثم مستشفى سيد جلال.
"مقالب" القمامةرحلتنا داخل مستشفى القصر العيني، بدأها محرر "أهل مصر" بعبور البوابة المؤدية إلى مقر العيادات الخارجية، ومثل غيرها من أكثرية المستشفيات الحكومية، فقد كان الدخول ميسرًا وفي غيبة تامة من أفراد الأمن.
منذ الوهلة الأولى لفت انتباهنا تراكم أكوام القمامة بجوار البوابة الرئيسية للعيادات الخارجية، وحتى داخل أروقة المستشفى كان الأمر أكثر ترديًا؛ فالقمامة مترامية في كل مكان؛ بجوار النافذة التي يحصل من خلالها المواطنين على تذاكر الدخول، وأسفل وأعلى أماكن الانتظار والاستراحات، وعلى أدراج السلالم.
هذا الوضع المأساوي يجعلنا نتساءل: هل تحولت مستشفيات مصر إلى "مقالب قمامة"؟ وأين المسئولين من هذا؟ وما هو دور شركات النظافة التي تحصل على الآلاف الجنيهات شهريًا من أجل القيام بهذا الجانب؟ خاصة وأن هذه الكارثة تضاعف من انتشار الأمراض، وتسهل من انتقال العدوى.
الصرف الصحيكانت الكارثة الأخرى التي رصدناها أثناء جولتنا داخل مستشفى القصر العيني هي انتهاء العمر الافتراضي لشبكة الصرف الصحي بالمستشفى، وهي حقيقة تُظهرها المياه المتسربة في كل مكان، والتي أغرقت أماكن كثيرة بالباحة الخارجية للمستشفى.
شاهد.. الصرف الصحي يغرق مستشفى القصر العينيأما عن مرافقي المرضى؛ فيبدو أنهم اعتادوا على خوض رحلة عذاب يومية داخل هذا الصرح العريق، من أجل الإطمئنان على سلامة ذويهم، فهم يفترشون الأرض أمام بوابة قسم الاستقبال والطوارئ، وفي جعبتهم مستلزمات الجلوس من مفارش تقيهم أتربة الأرض، وأكياس طعام تسد جوعهم بسبب طول ساعات الانتظار.
ومسألة افتراش مرافقي المرضى أرض الباحة الخارجية للقصر العيني، لا يخرج عن شيئين، الأول: أنهم جاءوا لزيارة أقربائهم من المرضى ولكنهم اقتحموا المستشفى في أوقات غير مخصصة للزيارة، وبالتالي يتحمل أفراد الأمن الموكل إليهم توفير الهدوء والمحافظة على النظام مسئولية السماح لهذه الأعداد بافتراش الأرض، والشيء الثاني: أن بعضهم جاء لزيارة ذويه ولم يسمح له بالدخول لأسباب غير منطقية فاضطر لهذا الفعل انتظارًا أن يسمح له بالاطمئنان على المرضى، والبعض الآخر لم يأتٍ لزيارة أحد بل هو مريض بالفعل ولكن الخدمة الطبية لم تتوفر له فاضطر للجلوس انتظارًا لتوفيرها.
شاهد.. المرضى يفترشون الطرقات الخارجية لمستشفى القصر العينيالمصاعد الكهربائية يوجد بـ"القصر العيني القديم"، كثرة من المصاعد الكهربائية، ولا يعمل منهم في خدمة المرضى سوى مصعدين اثنين فقط، ولذلك يتوجب عليك عند استخدامك للمصعد أن تخوض معركة من التزاحم والتدافع ولا عزاء للمريض الذي برفقتك.
وليس التدافع والتزاحم وحده الذي يؤرق المرضى المضطرين لاستخدام المصاعد الكهربائية بمستشفى القصر العيني؛ فداخل كل مصعد من المصعدين تنتشر القمامة وهو ما يجعل الرائحة كريهة جدا.
شاهد.. حالة من التزاحم والفوضى أمام المصاعد الكهربائية بـ"القصر العيني" الباعة الجائلينكان الشيء الأكثر دهشة داخل أروقة "القصر العيني"، هو انتشار الشحاذين والمتسولين، الذين يلجأون إلى استخدام المصاحف ومطبوعات كتب بداخلها آيات قرآنية كوسيلة للحصول على صدقة، ومنهم من يُوقف مرافقي المرضى ويطلب منهم أن يساعده بأي أموال.
وإضافة إلى الشحاذين والمتسولين، ينتشر كذلك الباعة الجائلين وهؤلاء تجدهم يقفون فى طرقات قسم الاستقبال والطوارئ، مروجين لما معهم من مأكولات ومشروبات بأصوات عالية، في محاولة لجذب أكبر قدر من المشترين، ويستمرون على هذا حتى نفاذ بضاعتهم، دون أي مراعاة لراحة المرضى الذين يحتاجون إلى الهدوء، وكل هذا في غياب تام من إدارة المستشفى وأفراد الأمن.
شاهد.. انتشار الباعة الجائلين والمتسولين داخل مستشفى القصر العينيسوء معاملة الممرضاتمن الظواهر التي تحتاج إلى أن يتصدى لها مسئولي وزارة الصحة بكل حزم، هي المعاملة السيئة التي يلقاها المرضى ومرافقيهم من طاقم التمريض المتواجد بمستشفى القصر العيني، فقد رصدنا نشوب الكثير من المشادات بين الأهالي وبين ممرضين وممرضات بسبب منع دخول المرافقين للاطمئنان على ذويهم بدون أي أسباب، وأحيانًا طردهم من على أبواب الأقسام لأن الأطباء المختصين غير متواجدين.
فأمام عيادة الرمد، وقفت إحدى الممرضات على باب العيادة وأخذت تمنع دخول مرافقي المرضى حتى أولئك الذين يحتاجون لتواجد مرافق معهم، إضافة إلى ما رصدناه من تعمد طاقم التمريض السخرية من المواطنين.
شاهد.. ممرضات القصر العيني يعاملن مرافقي المرضى بطريقة "غير آدمية"وأمام عيادة العظام اضطر المرضى وذويهم إلى انتظار الأخصائي لمدة ساعات، وفي النهاية نهرهم أحد الممرضين، قائلًَا: "الدكتور مش جاي النهاردة يلا امشوا من هنا".
شاهد.. ممرض بـ"القصر العيني" يطرد المرضى من عيادة العظاممن المواقف التي رصدها محرر "أهل مصر"، والتي تؤكد تفشي الإهمال وغياب الرعاية الصحية داخل جنبات مستشفى القصر العيني، ذلك الشاب الذي كسرت قدمه والذي كان يسير على قدم واحدة مستندًا على مرافق له، ومن شدة الألم والمعاناة كان يترجل مرة، ويكبو مرات كثيرة، وأصوات تألمه كانت مسموعة من الجميع.
شاهد.. شاب كسرت ساقه ولا يجد من يسعفه داخل مستشفى القصر العينيومعاناة هذا الشاب تتلخص في حرمانه من الحصول على مقعد متحرك يصل به إلى الطبيب المختص، ثم إلى قسم الأشعة، وحين تجولنا داخل المستشفى وجدنا الكثير من المرضى وخاصة مرضى العظام الذين يعانون من كسور، لا يجدون أي مقاعد متحركة أو "ترولي" يُحملون فوقه، والسبب في هذا أن العمال المتواجدين بالمستشفى يستخدمون هذه الوسائل الطبية المخصصة للمرضى في نقل "كراتين الدواء" و"مفارش" و"بطاطين"، وغير ذلك من الأشياء التي من المفترض أن تحمل على وسائل أخرى غير تلك المخصصة لنقل المرضى.
شاهد.. ممرضو "القصر العيني" يحرمون المرضى من استخدام المقاعد المتحركة و"الترولي"0الوضع المأساوي والإهمال المتفشي في جنبات مستشفى القصر العيني القديم، يحتاج إلى وقفة حاسمة من الدكتورة هالة زايد، وزيرة الصحة، وجميع قيادات ومسؤولي الوزارة، و"أهل مصر" تُهدي هذا التحقيق الميداني إلى جميع المسئولين من أجل التحرك لإنقاذ حياة عشرات الآلاف من المرضى البسطاء الذين اضطرتهم الحاجة وضيق ذات اليد إلى طرق أبواب المستشفيات الحكومية.
اقرأ أيضًا.. "أهالينا الطيبين".. حملة "أهل مصر" لنقل صوت البسطاء من قلب العشوائيات