لم تجد قرية كفر محفوظ التابعة لمركز طامية بمحافظة الفيوم، مهربًا من البطالة والفقر، خصوصًا أنها خالية من أي نشاطات بخلاف "الفلاحة" فقرر أحد أبنائها الذي يعمل في صناعة السجاد بالقاهرة منذ نعومة أظافره، نقل النشاط إلى قريته وفتح باب رزقٍ لأسرها والتخلص من عناء السفر ونار الغربة والبعد عن أسرته، فأصبحت تلك المهنة الفرعونية التي عرفها الإنسان المصري القديم قبل الميلاد بأكثر من 500 عام "فتحة خير" على القرية بالكامل، فتحولّت إلى قرية مُنتجة، وضاعفت دخل الأسر بالقرية بعدما احترفت سيدات القرية صناعة السجاد.
"أهل مصر" ذهب إلى القرية التي تحوّلت إلى خلية نحل من العمل في السجاد، فرغم بساطة القرية وهدوءها إلا أنّ أهلها اعتادوا تجميل وتزيين شوارعهم فلا يخلو مدخل منزل من الأشجار أمامه، بالإضافة إلى تلوينهم الأرصفة وأحواض الزرع والأشجار بألوان مختلفة ومُبهجة.
وأرشد الأهالي مراسل "أهل مصر" إلى مقر الجمعية الذي تم نقل مشروع السجاد اليدوي إليه، بعدما ازداد إقبال سيدات وفتيات القرية عليه، وشراء عدة أنوال جديدة، فلم يعد المكان القديم يسعهم، ومبنى الجمعية عبارة عن عمارة مكونة من 3 أدوار بها شقة كبرى غرفها مفتوحة على بعضها البعض باستثناء غرفة تخزين الأصواف، ودورة المياه والمطبخ.
وما أنّ تصل باب المقر إلا وتجد عدة "أنوال" متراصة بجوار بعضها البعض، يجلس على كل واحد منها 3 فتيات أو سيدات تتسابقن فيما بينهن على سرعة الانتهاء من صناعة السجادة، واختراع أشكال جديدة وفريدة بخلاف اللوحات التي يسيرون عليها.
وبخفة وسرعة ودقة، تجد محمد كمال عبد الهادي ذات الـ (31 عامًا) يجلس بين الفتيات، ويتحرك هنا وهناك لتعديل أي خطأ، وبيديه مطرقة يستخدمها للدق على خيوط السجاد لكي تكون خالية من أي فراغات قد تُفسد السجادة بالكامل، موجهًا تعليمات مستمرة للفتيات والسيدات حول طريقة إتقان صناعة السجاد.
وفي حديثه لـ"أهل مصر" قال "كمال" أنّ مشروع السجاد اليدوي في كفر محفوظ بدأ منذ عام، موضحًا أنّ الفتاة الواحدة تستغرق من ثلاث إلى ستة أشهر لتتقن صناعة السجاد بشكل كامل، حسب العمر والوقت الذي تقضيه في التدريب والتعلم.
وأوضح أنّ الفتيات الصغيرات في العمر من (10 إلى 15 عامًا) يتعلمون بشكل أسرع من النساء الكبار نظرًا لأنّ ذهنهم صافي وبالهم غير مشغول بالأمور المنزلية، كما أنّهم يقضون وقتًا أطول برفقته، لذلك داخل المشغل هناك فتاة ذات 10 أعوام تتقن صناعة السجاد أكثر من بقية العاملين معه.
وأشار إلى أنّ الوقت المُستغرق للانتهاء من صناعة سجادة يتوقف على الأيدي العاملة فيها، وسرعتها وخفتها، وتتراوح المدة بين 45 يومًا إلى شهرين كاملين إذا كان حجمها مترين في ثلاث أمتار، أمّا السجاد ذات الأحجام الكبيرة يستغرق وقتًا أطول قد يصل إلى 4 أشهر.
وكشف "كمال" أنّ هناك عدد كثير من السيدات بالقرية أتقن صناعة السجاد، فقرروا أخذ "النول" إلى منازلهن والعمل على صناعة السجاد في منزلهن، وبذلك يوفرون الوقت الذي يضيع في الذهاب والإياب، بالإضافة إلى أنهن يعملن طوال وقت الفراغ وفي الليل، وبذلك ينجزون السجاد في وقت قليل جدًا قد يكون خلال 25 يومًا بدلًا من شهرين.
وعن مراحل صناعة السجاد من بداية الخيط حتى شكلها النهائي، يكشف "كمال" أنّه يسد النول حسب حجم السجادة التي يريدها، ثم يضبطها، وبعد ذلك يقوم بعمل عُقد حسب الطول المطلوب، ويُزيد السجادة 10 سم عن الطول المطلوب لأنها بعد غسلها تنقص 10 سم، موضحًا أنّه يقوم بضبط النول ويترك العقد للفتيات الذين يقوموا بعمل العُقد الواحدة تلو الأخرى، ثم يدقون عليها لإخراج الهواء والفراغات منها حتى تخرج السجادة بالشكل المطلوب.
ونوّه إلى أنّ لديه رسومات مُعينة للسجاد، يُعلم الفتيات كيفية تنفيذها، ثم تأخذ كل واحدة منهما الرسمة أمامها وتقوم بتنفيذها في السجادة، كاشفًا أنّ السجاد الذي يصنعونه يُسمى "شيروان" وهو سهل وسريع ولا تكون كبيرة الحجم بشكل كبير، ولا تحتاج إلى جهد كبير لتعليم الفتيات بخلاف السجاد الحرير والتوبس والكازاك.
وأشار إلى أنّه يستخدم الخيوط الصوف في صناعة السجاد، حيث يقوم بشراء طن الصوف الأبيض البلدي بـ 90 ألف جنيه، ويقوم بصباغته لدى إحدى المصابغ بالفيوم بالألوان التي يحتاجها، ثم يبدأ العمل بها كاشفًا أنّ الطن الواحد ينتج أكثر من 250 مترًا من السجاد.
وشدد "كمال" على زيادة الإقبال عليهم في شراء السجاد خلال الآونة الأخيرة بسبب دقته وجودته، وألوانه الزاهية، والأهم رخص سعره، موضحًا أنّه يبيع السجادة الواحدة للتجار بأسعار تتراوح بين 1600 إلى 3 آلاف جنيه حسب الحجم والطول.
على جانب آخر، قالت شيرين محمد، رئيس الوحدة المحلية بكفر محفوظ، أنها عندما تولت منصبها وجدت القرية فقيرة خالية من أي مهنة أو حرفة يدوية وتعاني من الفقر والبطالة، وذهبت إلى قرية تونس وحاولت نقل صناعة الفخار إلى القرية، ولكنها فشلت لعدم وجود المكان المناسب، وعدم وجود مُدرب، حتى تواصلت مع "كمال" وطلبت منه نقل صناعة السجاد للقرية وبالفعل بدأوا فيها، وبعد ذلك نظرًا لنجاح الفكرة تم نقلهم إلى مكان أكبر، وأصبح العمل أكثر ويبحثون الآن توفير مكان أكبر ونقلهم إليه للمرة الثانية.
وأشارت "شيرين" في تصريحات خاصة لـ"أهل مصر" أنّ السجاد اليدوي أحيأ القرية مرة أخرى ليس فقط من خلال إدراجها ضمن القرى المنتجة بالمحافظة، ولكن كل منزل أصبح له دخل شهري لا يقل عن 1000 جنيه من خلال عمل السيدات والفتيات في صناعة السجاد، كاشفةً أنّ شباب القرية رفضوا العمل فيها بحجة أنّ المقابل المادي لها ضعيف، ولا "يفتح بيت" أو لا يغطي تكلفة تدخينه حتى، ولكن السيدات تحقق منها أرباحًا طائلة.