حصانة الأمن الفكري ماهيته وضوابطه

خلق الله عز وجل الإنسان واعطاه العقل ليختار، وليس حصانة الأمن الفكري الأمن الفكري أن نحجر على اختيارات الانسان، ذلك أن الله جعل الانسان حارثاً هماماً، دائباً في البحث عن مصالحه، مجتهداً في درء المفاسد عنه، وهذا ينتج حاجة رئيسة هي: الأمن الفكري وحصانة الأمن الفكري.

ذلك أن تفرق الناس في الحياة، وتنوع أديانهم، وأعراقهم، وألوانهم وأهوائهم، والتجاذب الواقع بين مصالحهم، أنتج ألواناً من الصراع، وأصبحت الحضارات والدول تبحث عن وسائل حمايتها وأمنها، كما هي تبحث أيضاً عمّا يحقق لها الغلبة، كما دأبت المجتمعات وأفرادها على البحث عن أسباب الأمن.

فالأمن إذاً هم وهاجس البشر؛ لأنهم ينشدون الحياة الآمنة التي لا يهددها شيء.

وهذه الورقة تناقش: الأمن الفكري، مع محاولة ربط هذا المفهوم بمفهوم الأمن بشموله، ومحاولة تأصيل قضايا ( الأمن الفكري ) تأصيلاً علمياً شرعياً.

حصانة الأمن الفكري في نصوص الشريعة

باستقراء نصوص الشريعة المتعلقة بموضوع حصانة الأمن الفكري وح يتضح أن ثم ترابطاً بين مفهوم الأمن، وحفظ الضروريات الخمس، ذلك أن الشريعة إنما جاءت؛ لتحقيق مصالح الخلق ودرء المفاسد عنهم يقول العز بن عبد السلام - رحمه الله -: ( معظم مقاصد القرآن: الأمر باكتساب المصالح وأسبابها، و والزجر عن اكتساب المفاسد وأسبابها )( ).

فتأمل وصيته بعد ندائه، فلا تجد إلا خيراً يحثك عليه، أو شراً يزجرك عنه، أو جمعاً بين الحث والزجر، وقد أبان في كتابه ما في بعض الأحكام من مفاسد؛ حثاً على اجتناب المفاسد، وما في بعض الأحكام من المصالح؛ حثاً على إتيان المصالح ) ( ). يا أيها الذين آمنوا ويقول - رحمه الله -: ( الشريعة كلها مصالح إما تدرأ مفاسد، أو تجلب مصالح، فإذا سمعت الله يقول:

وحفظ الضروريات الخمس في المقدمة من هذه المصالح، وهي كما عرّفها الشاطبي - رحمه الله -: ( ما لا بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا، بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة، بل على فساد وتهارج، وفوت حياة، وفي الأخرى فوت النجاة والنعيم، والرجوع بالخسران المبين )( ).

وحددها العلماء بأنها حفظ: ( الدين، والنفس، والعقل، والمال، والنسب ) وقد يعبر بعضهم بالنسل أو يزيد العرض ، وهو ما يجعل من حصانة الأمن الفكري ضرورة شرعية ودينية وواقعية

و( لقد اتفقت الأمة، بل سائر الملل على أن الشريعة وضعت للمحافظة على الضروريات الخمس، وهي: الدين، والنفس، والنسل، والمال، والعقل، وعلمها عند الأمة كالضروري، ولم يثبت لنا ذلك بدليل معين، ولا شهد لنا أصل معين يمتاز برجوعها إليه، بل علمت ملاءمتها للشريعة بمجموعة أدلة لا تنحصر في باب واحد )

ومعلوم أن ثم ترابطاً ظاهراً بين الأمن وحفظ هذه الضروريات، فأمن الناس لا يكون إلا باستقامة الحياة في جوانبها الضرورية هذه، والاضطراب الأمني إنما هو نتيجة الإخلال بحفظها.

ولو نظرنا في الجرائم في الجانب المالي كجرائم السرقة، والغصب، والرشوة، وغسيل الأموال؛ لوجدنا ارتباط تحريمها بمقصد رئيس من مقاصد الشريعة، وهو حفظ المال.

وهكذا نجد أن الجرائم المخلة بالأمن متعلقة بالإضرار بواحدة من هذه الضروريات الخمس.

وإذا تركز القول على الأمن الفكري، فإن الأمن الفكري مرتبط بالمقصد الأول، وهو حفظ الدين، فهو هوية الأمة، والدين به حياة الإنسان، وتحوله من الظلمات إلى النور، ومن الحياة البهيمية إلى سمو الحياة الإنسانية المرتبطة بالوحي الإلهي.

[ البقرة: الآية: 257 ]. اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يقول الله سبحانه:

وحفظ الدين من جانبين:

الأول: جانب الوجود.

الثاني: جانب العدم.

فبتحقيق القيام بالدين أركاناً وقواعد ونظماً، عقائد وأعمالاً، يكون حفظه من جهة الوجود.

وبدرء كل العوارض المفسدة للدين - واقعة أو متوقعة - يكون حفظه من جهة العدم.

حصانة الأمن الفكري في ثوابت الأمة

إن الأمن الفكري لكل أمة هو بحفظ هويتها؛ إذ في حياة كل أمة ثوابت تمثل القاعدة التي تبنى عليها الأمة، ويهاجمها الأعداء:

- لأنها الرابط الذي يربط بين أفرادها، والصبغة التي تصبغ الأمة، وتحدد سلوك أفرادها، وتكيف ردود أفعالهم تجاه الأحداث.

- ولأنها التي تجعل للأمة استقلالها، وتميزها، وتضمن بقاءها وعدم فنائها في الأمم الأخرى، فإنه مالم يكن للأمة هوية مستقلة، فإنها تذوب في الأمم القوية الغالبة.

- و لأن هوية الأمة هي التي تحدد علاقات أفراد الأمة بالآخرين.

- ولأن إحياء الأمة مرتبط بمعرفة هويتها، فالمصلح الذي يريد أن يحيي أمة مواتاً لا بد أن يحدد هوية الأمة، ويجلي أبعاد تميزها بين الأمم؛ ليساعد في الدفع النفسي والشعوري إلى إحياء مجد الأمة، والمساهمة في دفعها نحو السبق الحضاري( ).

وليس تحديد الهوية لوناً من ألوان الترف الفكري، بل هو مقوم من أهم مقومات حياة الأمة، ومقرر لطبيعة الصلة بينها وبين الأمم الأخرى.

( إن الإنسان لا يستطيع أن يحدد موقفه من غيره، قبل أن يحدد موقفه من نفسه: من هو؟ ومن يكون؟ وماذا يريد؟ وبدون هذا الحسم للهوية الذاتية، لا يمكن تحديد أي موقف فعال من أي قضية من قضايا المصير والتقدم، والحياة الكريمة )( ).

وإذا تبينت هذه الأهمية لهوية الأمة، فإن الأمة المسلمة لا قيام لها إلا بالإسلام الذي هو الهوية الحقيقية لها، وبراهين ذلك كثيرة، منها:

[ الحج: الآية: 78 ]. هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ1- إن الله سمانا بهذا الاسم، والتسمية برهان على الهوية، يقول سبحانه:

2- إن الإسلام نهى عن العصبيات؛ ليشعر بأن الهويات العصبية والقومية لا يجوز التنادي بها، ولا التعصب على مقتضاها، والإسلام إذ ينهى عن العصبية لا يهدم دوائر الانتماء المختلفة: الأسرة، القبيلة، والبلد؛ إذ هذه الانتماءات انتماءات غير مرفوضة، وإنما المرفوض جعلها معياراً للمحبة والبغض، والموالاة والمعادة، والتمايز، والتفاضل، مع وجود ضرورة لموضوع حصانة الأمن الفكري

3- إن الأمة ليس من سبيل إلى اجتماعها غير هذه الهوية، فلا أرض تجمعها؛ إذ الأمة تعيش على امتداد الكرة الأرضية، ولا اللغة؛ لأن اللغات متعددة، ولا الأعراق؛ لأن أعراق الأمة كثيرة، وفي كل عرق ألوان من القوميات، ومرد الجميع إلى آدم - عليه السلام - .

4- إن التاريخ شاهد بأن هوية الأمة هي: الإسلام، فقد كانت الأمة أمماً شتى، فجمع الله تعالى شملها بهذا الدين.

حصانة الأمن الفكري وصراع المذاهب

كما شهد بذلك الواقع ( حيث أثبت لنا أن صراع الأفكار والمذاهب في القرن الأخير في المجتمعات الإسلامية، أن الأمة الإسلامية رفضت محاولات إسقاطها النهائي أمام الأمم الأخرى وحضارتها.... وأنها لا تزال تحتفظ بجوانب من القوة في مقوماتها الإسلامية، وخصائصها الذاتية المستقلة، على الرغم من غزو الحضارة الغربية، لقيمها وحياتها، وسلوك أفرادها )( ).

إذا تبين المفهوم تبينت الحاجة إلى الأمن الفكري و حصانة الأمن الفكري ؛ لاعتبارات متعددة، منها:

1- إن الأمن الفكري حماية لأهم المكتسبات، وأعظم الضروريات: دين الأمة وعقيدتها، وحماية الأمة من هذا الجانب ضرورة كبرى، وهو حماية لوجودها وما به تتميز الأمة عن غيرها.

2- إن اختلال ( الأمن الفكري ) مؤدٍ إلى اختلال الأمة في الجوانب الأخرى: الجنائية والاقتصادية وغيرها، فكثيراً ما يكون القتل وسفك الدماء، وانتهاك الأعراض نتاج أفكار خارجة عن دين الله تعالى وشرعه.

والمتأمل في تيارات الغلو في المجتمعات المسلمة، يجد أن أفعال الغلاة من قتل وتفجير هي نتاج لفكر معوج.

3- إن الضرر المتوقع من الإخلال بالأمن الجنائي، أو انتهاك الأموال والأعراض في معظمه محدود بمن وقع عليه الجرم، أما بالنسبة لضرر الإخلال بالأمن الفكري، فإنه يتعدى إلى كل شرائح المجتمع، وعلى اختلاف مستوياته.

4- إن الإخلال بالأمن الفكري ليس عمل مجموعة من السراق، أو المجرمين، كما هو شأن الأمن الجنائي - في الجملة - وإنما المخلون بالأمن الفكري القاصدون لاختلاله، هم: المذاهب، والحضارات، والأديان المخالفة، فالصراع صراع على مستوى كبير، يحتم اهتماماً كبيراً ووعياً بطبيعة الصراع وآلياته.

5- إن منافذ الغزو الفكري أوسع من أن تحد، فالأمن الفكري يحتاج إلى حراسة كل دار، بل كل عقل، وحمايته من الاختراق قدر الإمكان، وهذا يوسع المسئولية.

إننا لو تأملنا في المنافذ التي يتسلل منها الغزو الثقافي؛ لوجدناها واسعة سعة الحياة، متعددة تعدد الوسائل، والتي لم يشهد التاريخ لتطورها مثيل.

6- إن الأمن الشامل مسئولية الأمة بجميع فئاتها، و على اختلاف تخصصات الناس، وأعمالهم ومهامهم، ولكن الأمن الفكري أخصّ من ذلك، فهو مسئولية كل فرد، ولو كانت تلك المسئولية متعلقة بذاته.

7- إن الأمن الفكري معقد متداخل، بينما غيره من صور الأمن وأنواعه ليست كذلك، فالفصل مابين ( الحكمة التي هي ضالة المؤمن ) والفكر الضار بالأمة لا يكون واضحاً لكل أحد في كل حين، إذ لا يملك ذلك الفهم إلا المؤهلون القادرون على ذلك.

8- إن الإخلال بأمن الأمة من الجانب الفكري قد يكون بأيدي الأعداء المباشرين، وقد يكون ذلك الإخلال بأيدي بعض أبناء الأمة، ولا يكون وضوح قيامهم بهذا العدوان على الأمة واضحاً، وضوح العدوان المادي.

حصانة الأمن الفكري وتطور الاتصالات

ولئن كانت الحاجة إلى الأمن ظاهرة في كل حين، فإن تلك الحاجة تزداد، وتستوجب الاهتمام؛ حين تكثر العوامل المؤدية إلى الإخلال بالأمن أو العوادي التي تستهدف ذلك، وليس زمانٌ عاشته الأمة كهذا الزمان، فتطور الاتصالات والوسائل التي دخلت كل دار، وأسمعت كل أذن، وأعلمت بكل حدث؛ جعل الأفكار تسري في الناس سريان الهواء في الآفاق، فليس ثم حواجز تمنع من وصولها، بل أصبح السعي حثيثاً للتغير الثقافي، والفكري للعالم، بجعله موحداً يسير على رأي الغالب، وينهج نهجه، وهو ما سمي بالعولمة، فالمجتمعات البشرية اليوم تعاني من موجة تستهدف التغيير والتي فرضته تغيرات العالم في الجوانب العلمية والتقنية حيث أصبحت الوسائل الحديثة، تهدم الفواصل بين الأمم شيئاً فشيئاً، كما أن العالم اليوم يشهد قولبة بالفرض، وتغيير بالقوة.

Abstract

God created man and gave him the mind to choose, and not the immunity of intellectual security intellectual security to be limited to the choices of man, because God made man Hartha Hammam, continuing to search for his interests, diligent in the prevention of the evils of him, and this produces a main need is: intellectual security and immunity Intellectual Security.

The difference of people in life, the diversity of their religions, their races, colors and desires, and the attraction between their interests, produced colors of conflict, civilizations and states are looking for ways to protect them and security, as they are also looking for what they achieve, and communities and their members to search for Reasons for security.

Then security is the concern of human beings, because they seek a safe life that is not threatened by anything.

This paper discusses: intellectual security, while trying to link this concept to the concept of security in its entirety, and try to root issues (intellectual security) legal scientific incorporation.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً